إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشاعر اللبنانى وديع سعادة ملف كامل

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    []
    طفلتي تنام قربي. لن أودّعها.

    سأذهب إلى الموت كأني خارجٌ لأجلب لها حلوى.

    [/]
    [] سأذهب إلى الموت كأني ذاهب إلى دكَّان.
    كنت صغيرًا حين وصلتُ على
    ذراعي أبي إلى حانوت.
    دخل وقال: هذا ابني اعطوه حلوى…



    ولعبتُ كلَّ ذاك النهار، في قلبِ قطعة سُكَّر.
    لكن لماذا أستعيد طفولتي
    كالداخل إلى الحياة وأنا الخارج منها؟
    وما جدوى استدعائها ولا مكان حتى لطَيف؟
    كل الشعوب، حتى التي انقرضت، تقيم هنا.
    أحدّقُ في النافذة، علَّهم يمشون
    على نظرتي ويخرجون…
    شرايين الغرفة يجب أن تستريح!

    الذين خرجوا، على الجدران كسورُ عيونهم.
    والذين بقوا، يعلّقون خرافَ أنفاسهم ويأكلون…
    سأمشي على نظرتي، إلى النافذة، وأختفي.


    تلك الأيام، التي ذهبت الآن،
    لم تكن غيرَ تمرينٍ على دخول الحياة.
    الحياة ليست سوى تمرينِ دخولٍ إليها.
    غير أنها تنتهي هناك، ولا ندخل.

    لا نعيش إلاَّ التمرُّن على العيش.
    نحيا، فقط، في قَبْل الولادة.
    في الشرايين التي لم تتشكّل بعد.
    في الوجه الذي بلا ملامح.
    داخل هلامية الأمعاء وظلامها.
    نعيش على الحدّ، بين التكوُّن والعدم. على الباب.
    وحين نهمُّ بالخروج نتشظَّى، كجرم، في المتاهة.

    لذلك لا أتحدَّث الآن عن حياة.
    لا أصف ولادةً بل عدمَها.
    لا أكتب عن ضوء بل عن عتمة.
    لا أتذكَّر ما كان، بل ما كان يُفترض أن يكون…
    الافتراض، هذا ربما، على الأرجح،
    ما نسمّيه حياتنا.

    واليقين الوحيد، على الأرجح، وداعها.
    لحظات قليلة، ويكون لي اليقين الأول!
    سأقيم احتفال العروق. أستقبل المنبثقين
    فجأة في التيه، وأرقص معهم.

    ثم أعود إلى العظْمة. إلى سرّ أبي.
    إلى النفق. أرمي الأحشاء. أبتسم… وأمضي
    [/]

    تعليق


    • #47
      [][]
      محاولة وصْل ضفَّتين بصوت

      كنتَ تريد شيئًا يطير،


      طلبتَ تبغاً وأضفتَ أخَوات إلى الحمامات

      في فضاء الغرفة. كنتَ تريد شيئًا يطير

      شيئًا يخرج من النافذة، فرميتَ نفسك عبر الزجاج.

      لكنَّ نقطة الدم التي خرجت منك، ظلَّتْ في الداخل.
      أنت الذي الآن في مكان آخر وثلاثُ بطَّات تنام أمام بيتك،


      كنتَ تحدّق طويلاً في الجدران كي تسمع أصوات آبائك المعلَّقين.

      دعني إذن أتحدَّث إليك، اسمعْ صوتي،

      صوتي من هذا المكان، الذي هو صوتك من المكان الآخر.

      ساعةَ عرفوا ناحَ بعضُهم وبعضُهم ظلَّ صامتًا


      وهم يرافقوننا إلى مكاننا الأخير. أخذونا في صندوق،

      محمولَين بثماني أيد وبنظرات كثيرة.

      كنتَ تنظر إليَّ أنا الحيُّ فيك، وأنظر إليك أنت الميت فيَّ.

      تريد أن تبتسم لي، وأريد أن أبكيك. لكننا صمتنا،

      وتركناهم يدفنوننا هناك.
      نحن اللذين يتكلمان مع نفسيهما الآن،


      أنت من هناك وأنا من هنا، نحن الواحد:

      الحيُّ المتحدّث مع ذاته الميتة، ماذا لدينا بَعْدُ غيرُ الذكرى؟
      لم يكن عند أهلنا بطّ. غير أننا، من كثرة ما حلمنا به،


      جاء أخيرًا ونام على بابنا.
      لكنك كنت تغادر.
      وصلوا ولم يروا دمًا. الدم ظلَّ في الداخل.


      ليس في الداخل تمامًا وليس في الخارج تمامًا.

      على حافتهما. على الزجاج. على الحافة التي

      ما كانت في الخارج ولا كانت في الداخل.
      أنت النائم الآن ولا تهتمُّ بدم. النائم بعيدًا


      وثلاثُ بطَّات تنام أمام بيتك. لا تجزعْ سأطعمها.

      في الخزانة حبوب. اشتريتها أنت ذات مساء،

      حين كنتَ تمشي وحيدًا في المدينة حالمًا بها.
      وجاءت.لكنها، هي أيضًا، لم ترَ دمك.
      وجاء غيرها. الناس والأشجار والطيور،


      ولم يروا دمك. أوصلوك إلى قبرك، وعادوا.
      حملوك لأنك لا تستطيع أن تصل وحدك.
      وأهالوا فوقك التراب لتختفي.

      بين هذه الجدران أمضيتَ حياتك. وُلدتَ في الزاوية،


      وأقصى رحلة كانت من الجدار إلى الجدار.

      كنتَ تريد شيئًا آخر. صراخك لم يكن إلا نداء لهذا الشيء


      في الخارج. لكي تخرج، ولو نقطة دم واحدة، من النافذة.
      لم تكن تنادي منذ ولادتك غير الموت!
      اعطني كأس ماء. ظمآن أريد ان أشرب.


      اعطني فقط شيئًا دليلاً على أنك لا تزال تراني.
      عيناك مغمضتان. فوقهما تراب. عيناك فراغان.
      تراني بفراغين وتسمعني بفراغين.


      فراغك سامعي ورائيَّ.

      المليء لا يعبره صوت ولا ضوء.

      اسمعني إذن وانظر إليَّ.
      تراني بفراغين وتسمعني بفراغين.


      فراغان ظَلاَّ داخل جدران فارغة.

      وخروجهما الأول كان إلى الموت.
      الموت؟ عرفنا إذن: الخارج، هذا هو الموت!
      أين الملائكة؟ قولوا للملائكة أن تأتي ها نحن وصلنا.


      لا نحبُّ موتًا بلا ملائكة. معنا رماد، نتسلَّى به كلَّ الأبدية.

      يخفق جناح ملاك فتطير نثرات، تطير أرواحُ حمامات،

      شقيقاتُ حمامات كانت في تلك الغرفة.

      ويحطُّ ملاكٌ فنطعمه همسات، نطعمه نظرات،

      ونتسلّى... فلتأت الملائكة نحن وصلنا.
      معنا رماد، نتسلَّى كلَّ الأبدية.
      وصَلْنا... لكنَّ الملائكة أيضًا كانت موتى!

      ثمانية وأربعون عامًا، كان هذا إذًا هو الزمن!
      كان هذا عنقَ الأبدية، الذي حسبناه عناقًا طويلاً.
      [/]
      [/]

      تعليق


      • #48
        [][]الفمَ الذي قبَّلناه تحت غيمة سريعة.
        حينَ وُلدنا، انهمر مطرٌ من جلد أمّنا. مطر بقي في الزاوية،
        [/]

        []قرب العتبة، بقي هو أيضًا في الداخل. [/]

        []لم يره الذين كانوا في الخارج، ولا الذين دخلوا.[/]

        [] كان مطرًا يخصُّها وحدها، يروي حقلها الداخلي،[/]

        [] الذي لا يراه أحد.
        وحين كنا نغادر، انهمر مطرٌ أيضًا.
        [/]

        [] على الناس، على الخشب، على الشجر... [/]

        []لكنه كان مطرًا بعيدًا، بعيدًا جدًا.
        كان ينهمر هناك، في البعيد، في المكان الذي يسمُّونه حياة.
        هذا هو الزمن إذًا، هذه هي الأبدية: ثمانية وأربعون عامًا!
        وقبل ذلك عدم، وبعد ذلك عدم.
        ها نحن الآن عدمان يتحدثان.
        [/]

        []فراغان يحاولان أن يمتلئا بأصوات.
        ضُمَّ صوتك إلى صوتي.
        [/]

        [] ضُمَّ صمتك إلى صمتي علَّهما يصيران صوتًا.
        العدم هو نحن الآن. إنه نحن. لا شيء آخر.
        حدّثني عن صوتك الأول، عن لعبتك الأولى،
        [/]

        []عن ذراعك الصغيرة حول عنق أمك، [/]

        []عن حذائك في الحقول... تحدَّثْ، [/]

        []اصنعْ أصواتًا، املأ هذا العدم.
        تقول أمُّنا كان صوتنا الأول صراخًا.
        [/]

        []ألقتْ حمْلَ الحطب عن ظهرها أمام باب الفرن، [/]

        []وبعد دقائق سمعتْ أوَّل صوت من أصواتنا.
        قال الذين حواليها: مبروك. ووصل إليها كلامهم،
        [/]

        []من بين رذاذ جسدها، مثل قوس قزح كانت تراه في الشتاء.
        وُلدنا في تموز، في عزّ الصيف، ومع ذلك كانت تمطر!
        لكنه كان مطرًا يخصُّها وحدها. وكان يَعِدُها بزهور وثمار...
        [/]

        []أما نحن، فكُنّا نبكي.
        وحينذاك نظرتُ إليكَ نظرتي الأولى، كمن
        [/]

        [] ينظر في الصباح إلى مرآة و يمشي.

        ليس عندي ما أقوله. فقط أريد أن أتكلم،
        [/]

        [] أن أصنعَ جسرًا من الأصوات يوصلني بنفسي.


        [][] ضفَّتان متباعدتان أحاول وصْلَهما بصوت.
        الكلمات أصوات. أصواتٌ لا غير.
        [/]
        [/]
        [][]هكذا هي الآن، هكذا كانت دائمًا. [/]
        [/]
        [][]أصواتٌ لا نوجّهها إلى أحد. نحن لا نكلّم الآخرين. [/]
        [/]
        [][]نكلّم فقط أنفسنا. الآخرون شيء بعيد وغريب، [/]
        [/]
        [][]لا نراه ولا نعرفه، وتقريبًا ليس موجودًا.
        لم يكن الكلام غير عزلة، لم يكن غير صمت.
        مع ذلك أريد أن أتكلَّم الآن، أريد أن أكرِّر عزلتي...
        [/]
        [/]
        [][]ولكن، ماذا يقول لنفسه من هو ميت؟!
        إنهما الآن هنا، الذاكرة التي أوصدت وراءها الباب،
        [/]
        [/]
        [][] والنسيان الواقف على العتبة. هنا يتحلَّقان حول طيف روح،[/]
        [/]
        [][] سقط الروح من النافذة ولاقاه طيفه إلى الباب. [/]
        [/]
        [][]وأكتبُ كي أتذكَّر جسد هذا الروح. [/]
        [/]

        [][]كي أتذكَّر أنْ كان لي جسد. أنْ كان لي وبر على جسدي[/]
        [/]
        [][] لا أعرف أين صار. كي أتذكَّر بالأحرى أنَّ ما كان[/]
        [/]
        [][] لي هو وبرٌ لا جسد، وأني لم أفعل طوال أيامي [/]
        [/]
        سوى البحث عن جسدي.
        يخالجني أحيانًا شعور بأن البشر يعيشون بلا جسد.

        [][]يستمرُّون في الحياة ما داموا يبحثون عن جسدهم،[/]
        [/]
        [][] وحين ييأسون من العثور عليه يموتون.
        أنا، نفسي، عشت بلا جسد. كنت طافحًا بالروح
        [/]
        [/]
        [][]لكني كنت بلا جسد. بَحَثَ روحي عن جسدي طويلاً. [/]
        [/]
        [][]مشى أعرج ضالاً مجنونًا. و ظلّ وحيدًا، ظلَّ هباء، [/]
        [/]
        [][]روحًا يابسًا يبحث عن قطرة. وحين رمى نفسه [/]
        [/]
        [][]من النافذة كان فقط لرؤية قطرة دم. [/]
        [/]

        [/]
        [/]

        تعليق


        • #49
          دمٌ يقال إنه يسري في الأجساد!

          لكنَّ قطرة الدم ظلَّت فوق، على الحافة،

          بين الداخل و الخارج، على الحدود التي ليست لأحد.
          كنت أريد شيئًا يطير، شيئًا يخرج من النافذة.
          لم يكن لي جسد. لكنَّ شيئًا غريبًا كان يلتصق بي.
          هل كان ذاك الغريب جسدي؟
          فلنضحكْ، لنفتحْ عظْمتي فكَّيْنا ونضحك. ضحكتكَ الخارجة من عظمتين فارغتين
          ستكون أجمل ما في هذا النصّ، صدِّقني.
          أنتَ بطل هذا النصّ، وإنك بطل ميّت.
          لكن حين أريدك حيًّا يجب أن تحيا.
          الكتَّاب يحرّكون شخوصهم كما يريدون،
          وعليك أن تتحرَّك كما أريد حتى لو كنت ميتًا.
          لا تقلْ إن النعش ضيّق وصرتَ ترابًا.
          على الكتَّاب أن يحرّكوا التراب ويوسعوا النعوش.
          وعليهم أن يعيدوا الأموات إلى الحياة أيضًا.
          كنتَ متمردًا دائمًا. قطعتَ حياتك بعصبية،
          كمن يقطع غصنًا فوق رأسه بسيف.
          وكنا، أنت و أنا، في جبهتين: علينا أن نتقاتل بشراسة،
          وأن نتفاوض بخداع. ولم نصل إلى سلام، ولا إلى هدنة.
          أنت ميت أمامي الآن وأريدك أن تعترف بأنك كنت عدُوِّي،
          وكان عداؤنا لنفسنا أشرس من عدائنا للآخرين.
          الآخرون شيء آخر. يمكنك أن تنساهم إذا عجزتَ عن قتلهم.
          ولكن كيف تنسى نفسك؟ أمامك حلٌّ وحيد:
          أن تقتلها!وقتلتَها.
          فلنضحكْ إذن أمام هذا الانتصار. أمام قطرة الدم الخفيَّة.
          ولنتذكَّر جسدنا الذي كان ملفوفًا بجلد مقفَل.
          جسدُنا، ظلامُنا الداخليُّ المرعب!
          وأفكّر الآن كيف كان الدم يبصر طريقه في العروق!
          وكيف عاشت هذه الأحشاء سنوات من دون أن ترى شيئًا!
          جسدنا كان قتيلاً. قتيلٌ بعماه، وقتيل برغبة الرؤية.
          ظلامُه وضوؤه قاتلاه. الظلامُ والضوء اللذان يستدعيان،
          كلاهما، سكينًا، لفتح كوَّة.
          من هذه الكوَّة أراك الآن. الكوّة التي فتحتها أنت بنفسك.
          لم تتحمَّل ظلامك الداخلي. كنت تريد
          للدم ضوءًا وللأحشاء رؤية.... وأشعلت ضوءًا:
          للجلد، والدم، والأحشاء، وللموت أيضًا.
          رفاقنا كانوا يصفون الأمل بالضوء.
          يقولون "ضوء الأمل". أما أنت فاخترت ضوء الموت.
          اخترعوا صفات لكلّ شيء، وأرادوها حلوةً وبليغة،


          وأن يكون لها صدىً! كمن يصرُّ على
          اختراع صوت، لخطوات ناسٍ غابوا.
          في البدء كانت صفات، وكان علينا نحن
          أن نخترع أشياء تنطبق عليها.
          كان علينا أن نخلق كونًا من مجرَّد نُعوت!
          وخلقنا كونًا، ووضعنا فيه حياة.
          لكن ما جَمَعَنا ليست الحياة بل الموت.
          الحياة كانت للتفرقة. وتصالحنا لأوَّل مرَّة حين متنا.
          لستُ أبحث الآن عن ضوء الحياة.
          لا. بل عن نار تدفئ.
          في السماء أرواح ترتجف من البرد.
          أريد أن أشعل لها نارًا. أريد أن أبكّل أزرار قمصانها.
          كنا نملك صراخًا قليلاً. وبهذا الصراخ قلنا ذات يوم للحياة نحبّك

          تعليق


          • #50
            مشينا نبحث عن أصدقاء،
            عن ناس عن نبات عن حجارة،

            نلهج لهم بحبنا. مشينا حتى تفلَّع قلبنا.
            رأينا أمكنة لكل شيء.
            للنمل للشجر

            للطير للأرض للنجوم...
            أين مكان حبّنا؟
            أين نَضعُ هذا الحبَّ أين نُسْكن هذا الحيوان؟ تخلَّعَتْ أكتافنا.
            مشينا الشوارعَ كلَّها الأمكنةَ كلَّها وكلُّها ملأى.

            الأرض امتلأت قبل وصولنا

            وصار ما نحمله بلا مكان.

            صرنا المكان الوحيد لحمْلنا،

            صرنا وهمَ مكانه.

            مكانُهُ وهْمُنا ومكانُنا وهْمُه.

            صار هو، ونحن، والمكان، وهمًا.
            في البدء كان الوهم.
            والوهم صار أرضًا حَلَلْنا فيها.
            وَهْمُ الأرض وَلَدَ وهمَ الرغبة.
            ووهمُ الرغبة وَلَد وهمَ الحبّ.

            ووهمُ الحبّ وَلَدَ وهمَ الولادة.
            ووهمُ الولادة وَلَدَ وهمَ الحياة.

            ووهمُ الحياة وَلَدَ وهمَ النسيان.

            ووهمُ النسيان وَلَدَ العزلة...
            ومن وَهْم الأرض إلى
            وهم الحبّ أربعة عشر وهمًا.

            ومن وهم الحبّ إلى
            وهم الحياة أربعة عشر وهمًا.

            ومن وهم الحياة إلى العزلة أربعة عشر وهمًا...
            في البدء كان الوهم.
            والوهم صار جسدًا وحلَّ فينا.
            آه مونيك، يا واهبة الأوهام جسدًا جميلاً.

            كنت تنامين على الأرض لئلاَّ يقال ارتفعت شبرًا

            نحو الأوهام، بل لكي تنزل هي إليك.
            ...........................................
            يا مونيك التي كانت تنام على
            الأرض أين أنت الآن؟

            أنا تحت مترين عن الأرض،

            وتحت عظامي حصاةٌ تزعجني.

            قولي لأحد كي يُزيح هذه الحصاة أريد أن أنام.
            مشينا كثيرًا، باحثين عن حُبّ قليل.

            مشينا بقامات قصيرة في شوارع طويلة،
            وكنا بالكاد نُرى.
            نريد حُبًّا، صرخنا، الحُبُّ يطيل قاماتنا.
            أعطتنا دلالُ قفلها المقدَّس،
            هدى مفتاحَ بوَّابتها،

            غادةَ مزلاجَها، وأورورُ أطفالاً.
            يا صاحبة القفل المقدَّس يا حارسة البوابة

            يا امرأة المزلاج يا أمّ الأطفال،
            نريد حُبًّا، نريد مكانًا.
            فلترتفع المياهُ ليضطرب الغَمْرُ
            ليستبدَّ الهَلَعُ بالأنهار العالية.

            أريد قليلاً من الماء.
            فقط لئلاَّ تموت هذه الأسماك في حوضي.

            إنني ميت كفاية،

            ومعي الوقت كي أنسج الأحلام.

            ميت كفاية كي أخترع الحياة التي كنت أريدها.
            ليس جميلاً يا وديع أن تستلقي
            هكذا في الأبدية من دون أن تحلم.

            ليس جميلاً، في الموت أيضًا،
            ألاَّ تعيش الحياةَ التي كنت تشتهيها.
            الموت فسيح، يتَّسع لكل شيء.
            انسَ الأرضَ الكوكبَ الضيّق.
            وتَهادَ في فضائك الواسع،
            في عدمك. واضحكْ طويلاً.
            العدم فسيح.
            وتستطيع أن تمدَّ فيه ضحكتك إلى الأبد

            تعليق


            • #51
              نصُّ الغياب 1999

              إنها الكلمات الأخيرة وها أنا أهْجرها

              هل أقول الوداع للكتابة؟
              أقول الوداع.
              حوار الكتابة حوار الصمت.

              زمن الكتابة زمن الغياب. مكان الكتابة عدم المكان.
              لا حياة بالكلمات. الحياة قد تكون هناك، خارجها.

              هناك قد يكون الآخرون، وأنا أيضًا.

              في المقلب الآخر من الكلام، خارج النَصِّ.
              الكتابة غياب الحياة. الحياة قد نصادفها بالمشي،

              قد نصادفها بالجلوس، تحت شجرة أو على رصيف.

              ربما تأتي سهوًا، بقبلةٍ أو برصاصة، لكن ليس بالكتابة.
              أَرشُّ على هذا الثوب الذي أرتديه سُمًّا للكلمات

              وأركض مجنونًا باحثًا عن الحياة.

              تسميم الكلمات هو الطريق القويم.

              موت الكلمات هو كلمة الحياة الأولى. لثغها الأول.
              يا طالعةً من فمي إنكِ تقتلينني!
              ليس بخنجر الخيانة وحده بل بسيف الشطْب هذا القتل.

              بالرمي من السطح النيّر إلى لجَّة المتوهَّم الغامض المستحيل.

              بوقد النار في القلب والأعضاء، وتوزيع المفاصل في الشتات.
              مشيٌ على الغيم، والسقوطُ رذاذًا.
              دخولٌ في غرفة الموت، فيما الحياة تلعب على الطرقات.
              في رحلة الصيد الطويلة لم أكن غير كشَّاشٍ لأرواح الكلمات.

              النصوصُ حمائم جافلة تطير من أمام المؤلِّفين.
              سرابٌ يمدُّ دربًا لا بيت على جوانبها،

              ولا شيء في خاتمة المطاف. يمدُّ حبال مشانق للسائرين.
              وما دمتُ عرفت، لماذا عليَّ أنا النحيل أن أبقى معلَّقًا بهذه الحبال،

              لا ميّتًا ولا حيًّا؟ نحيلٌ لا يُميتني الحَبْلُ، ومعلَّقٌ أبْعدَ قليلاً من يد الحياة!
              أنا الذي لا يُستساغ لقمةً، لماذا عليَّ أن أبقى فريسةَ

              ما لا يُستساغُ أن يكون صاحب الوليمة؟
              معلَّقٌ على حبل، معلَّقٌ على ورقة،

              منتظرًا حياةً تطلع من شقوق الكلمات.
              لا أعرف حياةً طلعتْ إلى كتَّابها من هناك.

              أعرفُ كتَّابًا ماتوا على الحروف، وكتَّابًا ماتوا على النقاط،

              وكتَّاباً ماتوا على هامش الورقة...

              ماذا أنتظر من الكلمات؟ أريد البياض.
              بحثٌ متوهَّم عن حياةٍ متوهَّمة، الكتابة.

              ليس صحيحًا إمكانُ استحضارِ غيابٍ بِنَصٍّ.

              لا الميّت ولا الحيّ. ليس صحيحًا ما اعتقدتُه

              في رحلة هذا الوهم الطويلة. الغيابُ عدَمٌ والموتُ عدم،

              لا يمكن استحضارهما. نصير غيابًا، نصير موتًا،

              في رحلة هذا الوهم.
              الكتابة، مرادفٌ للموت.

              كنتُ أظنُّ أني سأبني وجودًا من خيال.

              أنَّ التخيُّل يُحيلُ الخيالَ جسدًا، والكلماتِ تبني بيتًا،

              أكون فيه لا قُبالتَهُ.
              مشيتُ طويلاً في خيال اللغة، حتى انكسرتُ في وهمها.

              مشيتُ في اللغة بحثًا عن موطني، حتى اكتشفتُ أني أبحث عن وهم.

              ولأنّ اللغة كانت هي موطني، فإني ما سكنتُ إلا في الغياب.
              لم أكن غير كشّاشٍ لأرواح الكلمات. تلك التي خرجتْ من فمي،

              وروحي، وغابت بعيدًا. أتذكّرُ منها الآن

              النقطة الأخيرة الواهية في الأفق القصيّ

              أتذكر منها عيونًا خرجت فجأة،

              التفتتْ إليَّ بلومٍ وغابت سريعًا. أتذكّر ريشًا تناثر بطلقات،

              وريشًا مستعجلاً للهرب،

              وخطًا دقيقًا رَسَمَه هذا الهروب في الفضاء،

              وامّحى بلحظة.
              لم أكن غير كشّاشٍ فاشل لأرواح الكلمات.
              لا مكان للكلمات، إنها حالة غياب. حالة استحالة.

              تأتي كانما ظِلٌّ أتى وتذهب كأنّما ظِلٌّ ذهب،

              ولا وجه لها أو قامة أو مكان.
              ظلالٌ، ظلال، و لا أثر.
              كلماتٌ كثيرة، ولكن يُستحالُ قولُ أيّ شيء.
              ظلٌّ يمرُّ أحيانًا، يمرُّ دائمًا، لكن لا صاحب له
              ولا مقعد، ولا معبر، ولا كلام مع العابرين.
              الكلام هو خيانة المكان.
              والمكان هو خيانة الكلام أيضًا.
              فلأمضِ إذن. لا كلام ولا مكان لي.
              كنتُ ظلاًّ، كنتُ كلامًا خائنًا، فلأمضِ

              تعليق


              • #52
                الرغبات ترتدُّ على أصحابها. فلأمشِ بلا رغبة


                فوق هذا الجسر النحيل لأنَّ أيَّ سهم سيُسقطني.


                أيُّ سهم وربما هبوبُ نسيم. صائدو الرغبات طرائدُها،


                يَسقطون الواحد تلو الآخر كأنَّما العبور فقط لغير الراغبين.
                فلأمشِ، ولكن ببطءٍ، بلا رغبة. فلأمش فارغًا، ربما أصلُ سليمًا.

                الحمولة تزيد من ثقلي،
                فيهوي سريعًا هذا الجسر.
                على الذين يريدون العبور أن يتجرَّدوا،
                لا من ثيابهم وحدها بل من نفوسهم أيضًا!
                لذلك، لا عبور..
                كنتُ، فقط، أحاول العبورَ بالكلمات:

                إرسالَ صوتٍ ليعبر عنّي فوق هذا الجسر.

                لكنَّ الصوت لم يكن يعبر،

                وكان صداه يرتدّ، ليقتلني!
                كنتُ تقريبًا ميّتًا دائمًا. كنت مجموعة موتى:

                ضحيةَ كل صوت وكل صدى.

                ميّتٌ حين أُرسل الكلام

                وميّت حين أتلقّى صداه.

                ولأني تكلمت كثيرًا،

                متُّ كثيرًا... والآن أريد الصمت، أريد أن أحيا.

                أضعُ أمامي المرآة وأنظر، أنا الميّت!...

                ماذا لا أرى غير عينيَّ،

                وغير يديَّ ووجهي وروحي؟

                النسماتُ هناك، وارتطامُ الفضاء بها.
                الشَعرُ قربَ الضباب.

                الجنون قرب الماء. الغناء تحت الغيمة.
                البحر فوق القلب.

                النبع ناحيةَ الغبار. الوقت مع الحجر.

                الدمُ مع الآية.

                الضوءُ النائسُ في خيمة الثعبان.

                صوتي هناك يحاول وحدَه عبُورَ الجسر،

                حَذِرًا مرعوبًا، موازيًا طرفيه،

                متجرّدًا من كلّ ثقلٍ حتى من صداه...

                يحاول، علَّه يعبر.
                صوتي هناك وأنا هنا.
                حتى لو عبر، هو هناك وأنا هنا.

                مفصولان مقطوعان مقطَّعان لا كلام بيننا ولا قرابة ولا نظرة.
                كان ذات يومٍ، ربما، صوتي.
                لكنه وحده هناك،

                على ذاك الجسر، ووحدي هنا،
                في خيمة الثعبان.
                لا عبور، حتى بالكلمات!

                لكأنَّ الخطوة الأولى هي الأخيرة.

                لكأنَّ الوقوف هو كلُّ المسافة، كلُّ الطريق!
                كانا، ذات يوم، رفيقين، الصوتُ والثعبان.

                لعبا على التلال،
                تراشقا بنقاط الندى التي تكاد لا تُرى.
                كان الصوت والثعبان رفيقين يتراشقان بالندى...

                وأصابت الصوتَ نقطة، فاستردَّه الفضاء!
                عاش وحيدًا هناك. وكانت دموعه تنزل،

                تقطع المسافات النائية، إلى فم الثعبان.
                للصوت رفيق واحد: الثعبان.
                يلعبان معًا، ويَقتُلان معًا!.

                يا طالعةً، رديئةً، من فمي.
                يا طالعةً لكي تلعبي مع الثعبان وتقتليني.
                لديَّ ندىً. على العشب في حديقتي الخلفية.
                ليكنْ تراشقكما بالندى في الليل.
                فلا يراكِ الفضاء فيستدعيكِ.

                والعَبا همسًا. واقتلا همسًا.
                فربما الجيران يريدون أن يناموا.
                كنا ننام تحت صوف الهندباء، ننام صامتين.

                عوض الأصوات نُطْلق حياءَ الوقت،

                فيمشي بين النعوش و الذاكرة. وعلّنا نطير،

                نشرب خمرًا من حناجر عصافير ميّتة.
                الآن، خيمةُ الثعبان. الغصنُ اليابس أمامها،

                من بقايا غابة سحيقة، يَفتح و يُغلِق الباب.
                الآن شمالُ الخرابِ جنوبُ الرماد،

                المشنقةُ التي احتفظت بالقميص!.
                الغصن أعلى قليلاً من قامتي.
                لذلك لن أصطدم به،

                سأدخل، من دون أن أحني رأسي.
                الآن وقتُ العظام. وقتُ البياض في الجسد.

                وقتُ المنسحب على مهلٍ من اللحم.

                الذي يُرمى و ينزوي،

                شاهدًا وحده أنه كان، أنه لم يكن.

                وقتُ غبار العدم. وقتُ العدم بلا غبار.
                المنسحبُ بخفّةٍ من يد الوقت،
                من طيف المكان،من ظلّ الملاك.

                الذي كان سنبلةً بحبوبِ عيونٍ غريبة.

                المنسحبُ من

                الحقل أبيضَ، ناصعًا،

                إلى الحدّ الذي لا تطاله الرؤية، إلى حدّ العدم.
                لم يكن لدى العظام كلام.

                كان هناك شيءٌ هيوليٌّ لزج،
                حائرٌ معدَم، تريد الجهْرَ به. تبحث له عن لغةٍ علَّه يحيا فيها

                تعليق


                • #53
                  []
                  []في ذاك المكان النائي. على سرير صغير، بدأت حيرةُ العظام. [/]

                  []هناك بدأ خَرَسُها و بحثُها عن لغة.[/]
                  [] في ذاك المكان [/]

                  []حيث اللغة لم تكن وُلدت بعد،[/]
                  [] و حيث كانت شجرة، [/]

                  []تَسقط أوراقُها واحدةً بعد أخرى، بصمت.
                  لم يكن للكلمات مكان..
                  [/]
                  []في البدء لم يكن كلام،كان الصمت.[/]
                  [] وحين انبثقت الكلمات بدأ طريقُ الموت.
                  [/]
                  [] أحملُ الآن هذه العظام الحائرة البيضاء،[/]

                  [] وأرميها في صمتها الأول.
                  أضعها في انعدام اللغة، في السرير الصغير.
                  كلُّ ما تعلَّمتُه من كلمات،
                  [/]
                  [] ما رفعتُه من آبار الأجداد،[/]

                  [] ما برقَ و ما انحجب وما أُرسلَ في الجهات، [/]

                  []أعيده إلى صمته.
                  أمدُّ إشارات يدي إلى الأصوات التي صارت بعيدة،
                  [/]

                  []وأُعيدها إلى الحنجرة.[/]

                  [] أفرشُ لها قميصًا تحت صوف الهندباء،[/]
                  [] وأنام قربها.
                  في هذا المكان الضيّق،
                  [/]

                  []حيث يلعب النيامُ والموتى الورق، ويتبادلون الأدوار.

                  بحثٌ متوهَّم عن المكان، الكتابة.
                  [/]
                  [] بحثٌ متوهَّم عن الزمن، [/]

                  []عن الحياة، عن الحريَّة... بحثٌ متوهَّم.

                  الكتابة لا تسكن في الحياة.
                  [/]
                  [] مسكنُها في مكان آخر.[/]

                  [] على الحافة. في المتوهَّم.

                  الكتابة مسكنها وراء الباب.
                  [/]
                  [] تطرق لكن لا يُفتح لها. [/]

                  []ربما لأن لا أحد في الداخل.
                  [/]
                  []ربما لأنَّ الداخل فراغ.[/]
                  [] ربما لأنْ لا داخل.
                  أين الحياةُ و المكان والزمان؟
                  [/]
                  []إذا كانت في الخارج لماذا، [/]

                  []ونحن في الخارج، لا نراها؟ [/]

                  []وإذا كانت في الداخل لماذا لا ينفتح الباب؟
                  أنا الكاتب أعترف:
                  [/]
                  []
                  بحثتُ في الكتابة طويلاً عن الحياة ولم أجدها. [/]

                  []لم أجد الحياة ولا الزمن ولا المكان ولا الحرية. الحرية؟
                  بديهيٌ أن لا حرية. الحرية؟
                  [/]
                  []
                  كيف تكون حرية ما دام لا حياة؟ [/]

                  []نخترعهما، قالوا. صحيح، وها نحن نخترعهما. [/]

                  []ولكن من موادّ وهمية غير قابلة،
                  [/]
                  []هي أيضًا، للحياة.
                  لماذا أكتب إذن؟ ما دمتُ عرفت،
                  [/]

                  [] ما دمتُ اكتشفتُ هذا الوهم،
                  [/]
                  []هذه الكذبة، لماذا أكتب؟
                  عليَّ، على الأرجح، أن أعيد تركيب نفسي.
                  [/]
                  []
                  أفكّكها قطعةً قطعة، [/]

                  []أرمي اللعين منها وأُركّبها من جديد.
                  [/]
                  []لو أن النفس آلة، [/]



                  لو أني فقط أرى قِطَعَها.
                  تائهٌ في العاصفة وأبحثُ عن آلة! تائهٌ ومنهوب.


                  [] نهبتني الريح وأريد استرداد ممتلكاتي.
                  أريد الحلية التي وَهبتْها لي أمي.
                  [/]
                  [/]

                  تعليق


                  • #54
                    []
                    []أريد الطير الذي جلبه لي أبي. أريد ريشة الروح،[/]

                    [] حدقةَ الفضاء أمام الباب، [/]

                    []حليبَ الحجر الذي كان يدفق من نظرتي.
                    وإذا كانت هذه كلُّها من المنهوبات،
                    [/]

                    []ألم تكن لي في الماضي على الأقل نفسي؟
                    الآن إذًا أريدها.
                    وإن لم تكن لي، أريد زهرة، لجثمانها.
                    أريد استرداد ممتلكاتي: الدربَ الأولى،
                    [/]

                    []غبارَها الذي علقَ على قدميَّ فصار لي،[/]

                    [] نجمةَ الوعود إذ يأتي الغروبُ وأنا نائمٌ تحت لوزة.[/]

                    [] ممتلكاتي: نظراتي التي أرسلتُها بحنانٍ ولا أزال أنتظر عودتها،[/]

                    [] يدي التي العابرون ظنّوها كمانًا، لهاثي الذي امتزج بنسيمٍ خفيف، [/]

                    []ثم تحوَّل ريحًا ترتدُّ الآن إليَّ وتنهبني.
                    كم الساعة الآن؟
                    أعرفُ أن المرضى في الغروب يهلوسون هكذا.
                    [/]

                    []أنَّ الحُفَرَ التي تركتها ضواري النظرات ستبقى فارغة.[/]

                    [] وأنَّ رصاصة الجنون، ورصاصة الحكمة، [/]

                    []كلاهما تصيبان المقتل نفسه.
                    لم أكن في الماضي أعرف كلَّ هذا.
                    [/]
                    [] كانت الأرض مستديرة،[/]

                    [] لا أرى مقلبها. الآن الأرضُ مستطيلة،[/]
                    [] صحراءُ شاسعة، [/]

                    []وقوافلُ طويلةٌ من البشر والشجر والبغال،[/]
                    [] موتى فوقها.
                    خطٌّ واهٍ في البعيد، خيطٌ مشنوق، أريد عبوره.
                    [/]

                    [] وكلَّما خرج من الخيط نسلٌ، ظننتُه أولادي.
                    أحيانًا تحدّثني الذاكرة عن الأرض أنا العاري،
                    [/]

                    []فأمدُّ يدي إلى معطفها المرميّ على كرسيّ قديم، [/]

                    []وأحاول أن أتدثّر به.
                    أُجرّب أن أقنع نفسي بأني،
                    [/]
                    []من هذه الخيوط البالية، [/]

                    []سأصنع كنزةً لأولادي.
                    أين المقيمون في البرْد؟ فليجتمعوا الآن في طابور،
                    [/]

                    []والمقيمون في الحرارة في طابور آخر: [/]

                    []يجب فرْزُ الناس وحراراتهم،[/]

                    [] يجب خلق التوازن بين صقيع البشرية وحرارتها.
                    التوازن بين المعطف والكنزة المكرورة.
                    [/]
                    []وإلاّ الأرض ستقع.
                    كلامٌ بكلام. فقط كلام قليل للاجدوى كثيرة.
                    [/]

                    []كلامٌ للريح، للنظرة، للظلّ، للثعبان.[/]
                    [] للخيط المسرِّح نسلَه،[/]

                    [] للمشنقة المحتفظة بالقميص.
                    [/]
                    []كلامٌ للذين لا يسمعون.
                    اعطني النعشَ في الصباح اعطني الغيمةَ إلى الوسادة.
                    [/]

                    []طُلَّ من الشبَّاك واقطعْ رأسَ الزنبقة. [/]

                    []صِدِ الثوبَ الخائن في الفضاء.
                    [/]
                    []صِدِ المجنونَ المنحني على النبع.
                    إقطعْ عنقَ اللعة. أَرْهبِ الكلمات،
                    [/]
                    []شَرْذِمْها وشرِّدْها. [/]

                    []اخنقِ الأسلوب. فظِّعْ بالأصول والمنطق وبأعدائهما. [/]

                    []خذ الصوتَ إلى الحديقة، خذه في نزهة، [/]
                    مع الجُمَل، وارمهما في النهر.


                    []لا، لا. دَعْ بطنَ اللغة تحبل بكلماتٍ بَعد. [/]

                    []كلمات يظنُّ آباؤها وأمهاتها
                    [/]
                    []أنهم سيداعبونها كالأطفال، [/]

                    []يغسلون وجهها ويمشطون شعرها
                    [/]
                    []ويجلبون لها الألعاب... [/]

                    []دع آباء اللغة وأمهاتها يحلمون بأولاد،
                    [/]
                    []هذه سعادتهم لا تخرّبْها. [/]
                    فبطن اللغة حابلٌ بكلمات تولد ميتة، دعْهم على مهلهم يعرفون[/]

                    تعليق


                    • #55
                      []
                      []دع الوهمَ يُسعد قلوبهم، واتركْ للَّغة شأنها: [/]

                      []التلاقح من الصمت والاستحالة، [/]

                      []من الغياب والغيبوبة، من الموت والموت.
                      العتمةُ وحدها قد تكون الحياة،
                      [/]

                      []الخصوصيُّ الذي لا يُرى، لا يُقال، لا يُفعل.
                      هل كان عليَّ قَفْلُ الأبواب وإسدال الستائر
                      [/]

                      [] وإطفاء الأضواء لكي تكون لي حياةٌ ولغة؟ [/]

                      []آنَ عَبَرتا العتبة واختلطتا مع خارجين كثيرين، [/]

                      []فقدتُهما... لكني، حقًا، لم أكن أجدهما في الداخل. [/]

                      []ظننتُهما في الخارج،[/]

                      [] في حانةٍ أو تحت شجرة أو على رصيف. [/]

                      []ولم تكونا لا في الخارج ولا في الداخل. أين الحياة و اللغة إذًا؟

                      الساعة تدقُّ دقّاتها وأنا واقفٌ تحتها،
                      [/]

                      []أسمع الرنّات تجري في الفضاء وتختفي.
                      واقفٌ تحت الساعة. لا أجري مع الرنين بل أسمعه
                      [/]

                      []وأُشيّعه وحسب. ثابتٌ في المكان وثابت في الوقت. [/]

                      []رنّاتٌ متواصلة سريعة لا أميّز بينها.[/]

                      [] الأولى شبيهةُ الثانية شبيهةُ الألف شبيهةُ المليون. [/]

                      []وأنا تحت الرنة الأولى شبيهي تحت كل الرنين. [/]

                      []واقفٌ في ساحة الأصوات في موج الأصداء جامد.
                      يحطُّ على رأسي طير كما يحطُّ على تمثال ويطير.
                      [/]

                      []تلمسني سمكةٌ وتمضي.

                      لا مكان للمشاعر كي تذهب إليه.
                      [/]

                      []لا فسحة لتحريك العواطف.[/]

                      [] لا مسافة بين الجدران.
                      ولا مكان للكلمات ولا زمان كي تتحرك أو تحيا.
                      هل المكان والزمان وهمان أيضًا نحاول أن نبني بهما ملجأ؟
                      [/]

                      []لكنْ لا قصب يكفي لنصْب هذه الخيمة. [/]

                      []لذلك نقعد ونعزف موتًا للهواء.
                      تعبر الريح تاركةً موتى على أبوابنا.
                      [/]

                      []ننادي من الداخل يائسين: من سيطمر موتانا؟ [/]

                      []أجدادنا الأوائل كانوا يدقّون الصخر ليلاً نهارًا[/]

                      [] لحفر حوض يزرعون فيه موتاهم.[/]
                      [] يزوّدونهم بالذهب والمال[/]
                      [] كي يدفعوا أجرة السفر إلى الخلود.[/]

                      [] نحن موتانا على الأبواب مَن يطمرهم؟ [/]

                      []ومَن يطمر موتانا في هذه الغرفة،[/]

                      [] الممدَّدين منذ مئات السنين فوق الإسمنت، [/]

                      []طبقاتٍ طبقات، حتى صار
                      [/]
                      []هذا البناء كلُّه من مادة الموت،[/]

                      [] وصرنا، نحن، نتاجَ جبلة الأموات.
                      أحاول أن أُطلَّ برأسي من فوق الردم.
                      [/]

                      []أن أُرسل صوتًا حادًا يخترق العظام واللحم البالي، [/]

                      []عَلِّي ألمح ما وراءها. فقط بوصة، [/]

                      []بوصةٌ واحدةٌ مضاءة، وراء هذا الموت، تكفي.
                      لكن، فَلأَنَمْ. كفنُ السماء ينزل على الغرفة ويغطِّيني.
                      [/]

                      []لأنمْ بالراحة نفسها التي للقطعان.[/]
                      [] التي للجماد، للرماد. [/]

                      []لأنمْ من أجل الجرح الذي لا يستطيع الحراك. [/]

                      []من أجل الحلم المُقعَد ومن أجل النسيان. [/]

                      []لأنمْ وأتدثَّرْ بما تبقَّى على
                      [/]
                      []الطاولات والكراسي من موتى.[/]

                      [] لأنمْ بتواضع ولا أذهبْ بعيدًا، فأظنَّ أني حي.
                      هناك كلمات تطلع من تحت التراب،
                      [/]

                      [] أَسمعُها تخرج من بين
                      [/]
                      []الفكوك العظمية المتناثرة لموتى،[/]

                      [] دُفنوا من ألف عام.[/]
                      [] فكوك تعوم فوق الثرى لتقول كلمة.[/]

                      [] وفكوك لتقدّم قبلةً لم يتسنَّ لها،
                      [/]
                      []في الحياة، أن تقدّمها.
                      عظامٌ تخرج لتضحك، وعظام تخرج لتلعب،
                      [/]

                      []وعظام لتتفقَّد أمكنتها الأولى،
                      [/]
                      []وعظام لتجيل نظرها [/]

                      []علَّها ترى الأرض التي عاشت فوقها،
                      [/]
                      []ولم تكن تراها.
                      تخرج العظام من تحت التراب
                      [/]
                      [] كي تفعل ما لم يكن[/]

                      [] أصحابُها يفعلون فوق التراب.
                      من هذه الكوَّة، من العظْمة،
                      [/]
                      [] أحاول أن أُطلَّ على العالم. [/]

                      []عَلِّي أفعل اليوم ما سأخرج من تحت التراب كي أفعله بعد ألف عام.[/]

                      [] عَلِّي أضحك الآن وألعب و أرى الأرض، [/]
                      وأقول الكلمة التي أرغب في قولها،
                      وأطبع قبلتي على فم الحياة.

                      قُبَلٌ كثيرة مطبوعةٌ على موتي.
                      لكنني أريد قبلة واحدة للحياة.


                      [/]

                      تعليق


                      • #56
                        [][]قيل، الحلمُ يشفي من مرض الكلام. [/][/]
                        [][]يجد الزمنَ الضائع ويوجِد المكان.[/]
                        [] قبلةُ الشبق الجميل، [/][/]
                        [][]رنَّةُ ساعةِ النبع الباهرة، وعينُ النهر.
                        وقيل، مهما خبا الحلم في العتمة مهما هُزم في
                        [/][/]
                        [][] الضوء سيصير ذات يوم، فَرَسَنا،[/]
                        [] أثاثَ بيتنا وكسوةَ جِلْدِنا. [/][/]
                        [][]سيصير لَحْمَنا نفسه، وعظامَنا.
                        وهْمٌ آخر يضاف إلى تراث الشعوب.
                        [/]
                        [] كلمةٌ أخرى خائنةٌ في اللغة.[/][/]
                        [][] خيمةٌ منكسرة، يحتمي بها المهزومون،
                        [/]
                        []في تاريخِ [/][/]
                        [][]حروبٍ طويلةٍ كلُّ مقاتليه منكسرون. [/][/]
                        [][]لتكن الأحلامُ عمياءَ فلا تراني
                        [/]
                        []وأنا ألقي مصيري بين السنابك.
                        وليكن خنْقُ الأحلام رايتي وأنا أخوض هذه المعركة،
                        [/][/]
                        [][] فأَصِلَ إلى الهزيمة وليس برفقتي كائنٌ بريء.
                        يحارب الكتَّابُ بالأحلام والكلمات،
                        [/]
                        [] ويسقطون تحتها. [/][/]
                        [][]ينهزمون بالأسلحة التي يحاربون بها.[/][/]
                        [][] يموتون في معركةٍ أعداؤهم فيها هم ذواتُهم نفسُها.
                        ينهزم الكتَّابُ بأطياف حَمَام الأحلام.
                        [/]
                        [] بزجاج الكلام الشفَّاف، [/][/]
                        [][]المشظَّى في أفواههم.[/]
                        [] حين يتلفّظون بكلمةٍ يُجرَحون، [/][/]
                        [][]يختنقون... حين يتكلَّم الكتَّابُ يبتلعون الزجاج.
                        أحملُ ثنيةَ ورقة، كتبتُ بضع كلمات عليها،
                        [/][/]
                        [][]محاولاً بها أن أهزم التاريخ!
                        ثنية ورقة، أحاول بها أن أوجد المكان والزمان.
                        [/][/]
                        [][] أن أمحو عدمي، وعدمَ آبائي وأجدادي، [/][/]
                        [][]وأجعلَ أحلامهم تولد وتلعب معهم،
                        [/]
                        []وعظامَهم تعود،[/][/]
                        [][] وفكوكهم المبعثرة تلتحم.ثنية ورقة!
                        وبين الطيّة والطيّة قصور ممالكنا،
                        [/][/]
                        [][]سبايا أمكنةٍ شَرَدَتْ ثم التقطناها ونحن نغنّي،[/][/]
                        [][] سفنٌ تبحر على لعاب رغباتنا، [/][/]
                        [][]ولهيبُ شَيِّ الأشرعةِ حتى لا يكون بعدنا بحر.
                        ثنيةُ ورقة، ثنية وهْم، غيمٌ بعيد،
                        [/]
                        []نحطّمه بأحجار عيوننا.
                        فليرأف الكتَّابُ بحياتهم،
                        [/]
                        []هذا الطائر الذي يحاول أن يلمسهم فيقتلونه.
                        ليرأفوا بحياتهم فلا يأخذوا البريء إلى المشنقة.
                        كان يمكن أن نأخذ حياتنا في نزهة.
                        [/][/]
                        [][]لكننا أخذناها فورًا إلى المعركة.
                        [/]
                        []حتى أننا لم ندعها [/][/]
                        [][]تقطف عن الطريق زهورًا[/]
                        [] كي يكون لها رفاق تحت الكفن.
                        كان يمكن أن نتسلّح بالجنون.
                        [/]
                        [] أن نقتل العقل لننجو.
                        رأينا في طريقنا مجانين سعداء وحيواناتٍ هانئة.
                        [/][/]
                        [][]ولم نسمع الشجر يصرخ تحت فؤوس الحطَّابين، [/][/]
                        [][]بل سمعنا الحطَّابين يئنُّون وهم يقطعون الشجر.
                        كان يمكن قتلُ الذاكرة ومرافقة الطيور.
                        [/][/]
                        [][]تطوافُ الأرض معها من دون ذاكرة الوصول.
                        كان يمكن قتل ذاكرة الرغبة، ذاكرة المكان،
                        [/][/]
                        [][] ذاكرة الخلاص، ذاكرة السعادة، [/][/]
                        [][]ذاكرة التاريخ... وذاكرة الحياة!.
                        كان يمكن قتل ذاكرة البحث عن
                        [/]
                        []الحياة وعيشُ الحياة نفسها.[/]
                        []كما هي.
                        [/]
                        []
                        [/][/]

                        تعليق


                        • #57
                          [][]من دون هواجس اختراع أوهام لتغييرها، [/]
                          []ولا ألوان لتجميلها، ولا أطر لاحتوائها، [/][/]
                          [][]ولا مكابح لانجرافها الفظيع.
                          كان يمكن عيش طوفان الحياة بلذَّة،
                          [/][/]
                          [][] فقط لو استسلمنا له صامتين، [/][/]
                          [][]بلا مقاومة و لا كلام و لا أحلام.
                          لا يحيا سوى الذين نسوا لغة أجدادهم.
                          [/][/]
                          [][] الذين كسروا زجاج الذاكرة وارتموا في النهر. [/][/]
                          [][]الذين نسفوا الملاجئ المقدسة وساروا في المتاهة.
                          لا يحيا سوى الذي رموا آباءهم في الآبار.
                          لم ارمِ أحدًا في البئر ولم أكسر شيئًا.
                          هل أنا ميّت إذًا؟
                          [/][/]
                          [][]عميقًا في العتمة، عميقًا في الحفرة،[/]
                          [] تعيش البذرة بالصمت.[/]
                          [][/]
                          [] [][]الصمت ينميها، الصمت يحفظ لها الحياة.[/][/]
                          [][] ما أن يُطلَّ برعمٌ منها على الأصوات حتى ييبس، [/][/]
                          [][]ما أن يُطلَّ على الضوء حتى يحترق.
                          في هذه الحياة الداخلية كان يجب العيش بلا عين، [/][/]
                          [][]بلا فم ولا أُذُنٍ ولا يد. الأشياء تكبر وتصغر [/][/]
                          [][]بلا إيماءة من أحد. بإيماءة العتمة وحدها، [/][/]
                          [][]العتمة التي لا تومئ.
                          هناك حاولتُ أن أبني بيتًا وتكون لي حديقة. [/][/]
                          [][]لكن الحجارة كانت دائمًا تنهار. ليست الأيدي[/][/]
                          [][] هناك ما يبني بيوتًا. هي سهوًا ترتفع، [/][/]
                          و إرادة البناء تهدمها.
                          كانت لي خيولٌ هناك، تأخذني في المجاهل الجميلة.
                          [][] تناديني بهمسٍ لا يُسمع، بإشارةٍ لا تُرى، فأمتطيها.... [/][/]
                          [][]وآنَ أردتُ سياسة خيولي، سقطتُ ميّتًا بحوافرها.
                          عميقًا في العتمة، هناك المكان. [/][/]
                          [][]حيث نحن الحديقة و البيت.[/][/]
                          [][] والآخرون اختراعُنا.
                          هناك نحن، وآلاتُنا الخفيَّة الغريبة التي تفقّس الغرباء.
                          لا ممرَّ للآخرين من هناك. فقط نخلقهم و ندفنهم. [/][/]
                          [][]نخترعهم بشرًا غير حقيقيين، لنلهو معهم، [/][/]
                          [][]ليكونوا لُعَبًا فقط، ثم ندفنهم.
                          بالآلة ذاتها التي تخترع الغرباء أُحاولُ اختراعَ نفسي أيضًا.[/][/]
                          [][] في هذا المكان المعتم العميق، [/][/]
                          [][]حيث لا إشارة لولادة ولا لموت. [/][/]
                          [][]حيث لا إشارة، حتى لمكان.
                          لكنْ، الآخرون وحدهم يمكن اختراعهم، أما ذاتُنا فلا.[/][/]
                          [][] هي تولد في مكانٍ بعيدٍ منا، [/][/]
                          [][]وتعيش في مكانٍ بعيدٍ وتموت في مكان بعيد.
                          يمكن، أحيانًا، إذا اقتربتْ، أن نلمحها.[/][/]
                          [][] نعيش قبالتها مغمضين،[/][/]
                          [][] ولا تنفتح أعينُنا على اتساعها إلا آنَ تقول الوداع.
                          هل الكلمة هذه، هل قولُ الوداع هو ما يجعلنا نرى؟
                          هل هذه الكلمة وحدها هي كلُّ الحوار وكلُّ الحضور؟ [/][/]
                          [][]كلُ الزمان والمكان والحياة؟[/][/]
                          [][] هل هذه هي الكتابةُ كلُّها والنَصُّ كلُّه؟
                          إذنْ، لا يكتبُ الكتَّابُ غيرَ غيابهم؟
                          لا يعيشون إلاّ غياب مكانهم وغياب زمانهم؟
                          و الرؤية، هل هي مجرَّدُ انعكاس الغياب؟
                          كيف لنا أن نبنيَ إذنْ وجودًا من هذا العدم؟
                          كيف للكتَّاب أن يكتبوا حضورًا لا غيابًا؟
                          وما يرونه، كلُّ هذا الذي يرونه، مجرَّدُ لمعانٍ[/][/]
                          [][] داخليٍّ متوهَّمٍ لعدمٍ يظنُّونه وجودًا؟
                          هل يعني هذا، بالأحرى، [/][/]
                          [][]أنَّ الكتَّابَ لا يكتبون غيرَ موتهم؟ [/][/]
                          [][]غيرَ وهْمِ وجودهم و حقيقةِ عدمهم؟
                          وإذًا، هل الكتَّابُ حقًا موجودون؟
                          [/][/]
                          [/][/]

                          تعليق


                          • #58
                            []بالآلة الغريبة ذاتها يحاول الكتَّابُ اختراعَ أنفسهم.

                            []فلا يخترعون غيرَ صورٍ لغرباء، صورٍ لغائبين.
                            الكتابةُ لا شيء إذًا سوى كتابة الغياب.
                            [/]

                            []الكتَّابُ هم: غيابُهم.

                            لأنزلْ إلى أسفل النبع و أغسلْ وجهي،
                            [/]

                            عَلِّي أصحو من هذا الغياب.
                            أطلقتُ أوهامي عاليًا جدًا،


                            []أعلى من هذا الفضاء الذي لي،[/]

                            [] فشردتْ و ضاعت مني.

                            لم أكن أملك غير هذه الأوهام.
                            [/]

                            []وحدها كانت ملكي.[/]

                            [] لكن حتى هي لم تعدْ لي. [/]

                            []فلأنزلْ إلى أسفل النبع وأغسلْ وجهي.
                            على البشر أن يحتفظوا بأوهامهم،
                            [/]

                            []أن يداروها فلا تغادرهم.[/]

                            [] سيحتاجون إليها لكي تؤنسهم.
                            على البشر ألاّ يزجروا أوهامهم.
                            [/]

                            []فَلْيحضنوها بحنان، وإلا ماذا يبقى لهم؟
                            الأوهام حياتُنا. فلنحتفظْ بها لكي تكون لنا حياة.
                            سباني الوهمُ صغيرًا وطار بي،
                            [/]

                            [] حتى خلتُ نفسي الطيرَ وكلَّ الأرض شجرتي.
                            أردتُ تقويمَ المناخاتِ و تقليمَ
                            [/]

                            []العواصفِ وجزَّ نتوءاتِ الجبالِ [/]

                            []ومجاهل الأدغالِ وعملتُ ليلاً نهارًا[/]

                            [] على ترويض الأرضِ موهومًا وسعيدًا.
                            هُزمتُ لكنَّ وهمي كان يسعدني.
                            وآنَ اكتشفتُ أنَّ وهمي وهمٌ،
                            [/]

                            []آنَ لم أعدْ أقنع نفسي بوهمي، [/]

                            []خررتُ صريعَ يأسي.
                            الوهمُ إذًا هو السعادة. والحقيقة هي اليأس.
                            فلنحتفظْ بأوهامنا ولْنزِدْها. لنبحثْ عن
                            [/]

                            []وهم آخر كلَّما ضاع وهم. لنخترعْ أوهامًا،[/]

                            [] وإلاَّ كيف يمضي كلُّ هذا الوقت!
                            الوهمُ نعمتُنا، إلهُنا الوحيد، فلنقدّسه.

                            الناسُ، هُمْ وهمُهم.

                            بعد كلّ هذا الدوران في فراغ،
                            [/]

                            []فلتخرجْ على الأقلّ كلمةٌ من فمي، [/]

                            []وتدلّني إلى الطريق.
                            لتسبقْني وتَدُلَّني إلى النبع، حيث عليَّ أن أغسل وجهي.
                            لتنطلقْ كلمةٌ حادَّة من فمي وتثقب العظْمة.
                            [/]

                            [] لتفتحْ كوَّةً إذا كان عليَّ أن أرى،[/]

                            [] منفذاً إذا كان يجب أن أخرج، دربًا إنْ هناك عبور.
                            كلماتٌ كثيرة خرجت من فمي. لك
                            [/]

                            []ن، ما جدواها؟ كلماتٌ لا تُحصى درات في فراغ. [/]

                            []لو رُصِفَتْ لكنتُ أملك جبلاً. ولكن من رماد.
                            ما جدوى جبال الكتَّاب المرمَّدةُ هذه؟ ما دام الرماد لا يدفئ،
                            [/]

                            [] لا يضيء، لا يصلح لبناء غرفة، ولا للمشي عليه.
                            أليس على الكتَّاب و الناس أن يتدفأوا بصمتهم؟
                            [/]

                            [] أن يعرفوا أن الصمت هو غرفتهم الوحيدة، [/]

                            []ووراءها لا حديقة ولا طريق؟ لماذا إذنْ يهدمون هذا الهيكل، [/]

                            []هذا الصمتَ المقدَّس، وينامون عراةً في الكلام، [/]

                            []مرتجفين من البرد وخائبين وخجولين؟
                            حين يتكلَّم الناس يبردون، يمرضون.
                            [/]

                            [] تتفتَّق المعاطف التي سترت أرواحهم، [/]

                            []وتتعرَّض أنفسهم لأوبئة الهواء وعوراتُهم للعوام.
                            حين يتكلَّم الناس يرصفون أمراضًا.
                            [/]

                            []يرصفون هلوساتٍ وسرطانات. [/]

                            []يسكنون فيها وتسكن فيهم ويبنون مدنًا.[/]

                            [] وتصير مدنُهم وسكَّانُها تحت نير ظلم الكلمات. [/]
                            .[/]

                            تعليق


                            • #59
                              []
                              []تصير مستعمراتٍ للأصوات. سبايا للنطق، وسبايا للرؤية،[/]

                              [] وسبايا للكتابة. تصير كلّ التعابير في محاكم التفتيش. [/]

                              []ويُعدَمون جميعهم في ساحات الكلام.[/]

                              [] في الساحة التي قالوا فيها كلماتهم،[/]

                              [] والساحة التي ظلّوا فيها صامتين.
                              جحافل كثيرة مرَّتْ حوافرُها فوق كلماتنا.
                              [/]

                              []دهَسَتْها قبل أن ننطق بها،[/]

                              [] دهَسَتْها حتى قبل أن تولد.
                              لذلك حين نتكلَّم لا نقول غيرَ الممعوس من أصوات الأجداد.
                              [/]

                              []نقول اللغةَ المغزوَّة، اللغةَ المسبيَّة، اللغةَ القتيلةَ التي[/]

                              لا يطلع من حنجرتها غيرُ حشرجات،

                              []غيرُ أصواتٍ ناقصة، وغريبة.
                              حين نتكلم، نرصف جثثًا.
                              ليست لدينا لغة. لدينا حشرجات، من لغةٍ قتيلة، غابرة.
                              شبهُ أصوات زحفتْ إلينا من موتانا، عبر المتاهات،
                              [/]

                              []عبر آلاف السنين، غامضةً وغريبة.
                              ليست لدينا لغة. ولذلك لا اتصال مع الآخرين.
                              [/]

                              []لا اتصال مع ذواتنا.
                              وإذا كنا لا نتّصل، لا نتلاقح، كيف تكون لنا ولادة؟
                              هل نحن إذًا نتاج ميتاتٍ متكررة، لا نتاج ولادات؟
                              [/]

                              [] ولن تكون لنا لغة، لن تكون لنا حياة، إلاّ بانبعاث القتلى؟
                              ألن تكون لنا لغتنا و حياتنا إلاّ إذا أعدنا الحياة إلى الذين قتلناهم،
                              [/]

                              []وقتلتهم اللغة، وقتلهم التاريخ؟
                              لكن، أليس في هذا الانبعاث ذاته ما يجدّد الحلمَ بالنوم الأبدي؟

                              هناك أحلام، أحلام صغيرة، قبضتُ عليها وأنا أقفز فوق النهر.
                              كنتُ أقفز تقريبًا مشتعلاً، وقِطَعُ أحلامي كانت نثارَ هذه النار.
                              [/]

                              []حاولتُ التقاط البقايا الحارقة لذاتي، الجمرَ الذي لم يصرْ[/]

                              [] رمادًا بعد، مُشكِّلاُ به صورةَ طيرٍ فوق نهر.
                              لم أكن أنا القافز فوق النهر بل الصورة.
                              [/]

                              [] الشبهُ المتخيَّل، المرجوُّ، الموهوم.
                              ولم يكن هذا النهر من ماء،
                              [/]

                              [] بل من لمعانِ صفيحِ روحي على الصحراء.
                              لا ماء هنا ولا طير. فقط حلمُ ريشٍ ورجاء طلّ.
                              [/]

                              [] ومَن كان واقفًا في هذا المكان ليس أنا. ولا شبهي ولا ظلّي. [/]

                              []والرطوبةُ هذه، العفونةُ هذه، ليست نداي. [/]

                              []والمتطاير، فوق، ليس جناحي.
                              هذا الشخص الذي ترونه الآن، الذي تقرأونه هنا، ليس أنا.
                              [/]

                              []هو شيءٌ آخر، مركَّبٌ من كلماتٍ قديمة رُصفتْ [/]

                              []خطأً بعضها فوق بعض. وَصَلَ إلى هنا، هكذا بالصدفة، [/]

                              []على حمَّالةِ لغةٍ مريضة. وَصَلَ إلى المرض،[/]

                              [] إلى المستشفى و المختبرات، وكان ذاهبًا إلى مكانٍ آخر،[/]

                              [] إلى الحقول، إلى الشواطئ، إلى المقاهي كي يشربَ نبيذًا ويغنّي.
                              كان في ظنّه أن الأصوات تولد للغناء لا للصراخ.
                              [/]

                              []للنشيد لا للحشرجة. وأنَّ الدروب تطلب رقصًا لا عبورًا.
                              ظنَّ الطريقَ لا للمشي بل للنوم. المشيُ يحدث وحده
                              [/]

                              []ونحن جالسون أو نيام. العبورُ يتمُّ بلا حركة،[/]
                              من دون انتقال، من دون يقظة.

                              [/]

                              تعليق


                              • #60
                                []
                                []ظنَّ أنه جاء من أجل أن يقعد لا من أجل أن يمشي.[/]

                                [] إذا كان عليه أن يمشي كلَّ الوقت ويُتعبَ قدميه [/]

                                []هكذا بلا جدوى، لماذا إذن يجيء؟ [/]

                                []المشيُ ليس مبرّرًا كافيًا للولادة.[/]

                                [] ثمة خطأ حدث بلا شك، [/]

                                []وولَّدَ سلسلةً طويلة من الأحداث الخطأ. [/]

                                []في البدء لم تكن الكلمة إذن، ولا الله، بل كان الخطأ. [/]



                                []والخطأ ولَّد أخطاء، كان منها الكون.
                                كيف يمكن أحدٌ كلّيُّ الكمال أن يخلق كونًا بهذا النقص الرهيب؟
                                [/]

                                [] قيل الكونُ صورتُه. أين هو أريد أن اراه، [/]

                                []أريد أن أعرف إنْ كان فعلاً بكل هذه البشاعة!
                                الخطأ انبثاقُنا ومكاننا. إنه لغتُنا ومُكلِّمنا،
                                [/]

                                [] وفي حنجرته قنبلةٌ تكاد تنفجر،[/]

                                [] أرضٌ حائرةٌ لا تعرف كيف ستدفن سكّانها.

                                عليَّ أن أعبرَ هذا الجسر. الكلمات التي أرسلتُها كي
                                [/]

                                []تعبر عني سقطتْ في النهر، ولستُ نائمًا كي يعبر حلمي عني.
                                كيف يمكن عقْد صُلْحٍ بين الإقامة والعبور،
                                [/]

                                []بين الجسر والسقوط، بين الكلام والماء؟
                                عليَّ أن أعبر، أو أن تكون لي
                                [/]

                                []ريشة الممسوسين فأرسم كونًا جديدًا،[/]

                                [] كائناتٍ تأتي وتذهب مثل نسيم، [/]

                                []لا آباء لها ولا أولاد، لا ترثُ ولا تورث.
                                ريشة ممسوسين ترسم اللهبة الرائعة لعدم استدعاء شيء،
                                [/]

                                []فيأتي على بريقها كلُّ شيء منتشيًا بالمجيء والنسيان.
                                كونٌ له بابٌ خفيف، تلمسه لمسًا خفيفًا فينفتح، تلمسه فينغلق،
                                [/]

                                []وأنت فيه غيرُ مرئيّ وجميل. أنت فيه خفيف[/]

                                [] فلا يُتعبك حَمْلُ ذاتك، [/]

                                []وغيرُ مرئيّ فلا تزيد رؤيةُ نفسك من حمولتك.
                                بريشة الممسوسين وحدهم، لا بريشة الأسوياء والعقلاء.
                                [/]

                                []كونٌ لا عقل له وليس سويًا. لا أخضر ولا أصفر ولا أحمر. [/]

                                []أبيضُ كي لا يرزح لونٌ تحت ثِقْلِ لونٍ آخر إذا عَبَرَ عليه.[/]

                                [] أبيض كي لا يكون تذكُّرُ ألوان. كي لا يكون تذكُّرُ عبور.
                                كونُ ممسوسين. لا هدف لهم إن أقاموا وإن عبروا.
                                [/]

                                []ممسوسين لا أصوات لهم،[/]

                                [] كي لا يرتطم صوتُ هذا بصوت ذاك. [/]

                                []كي تبقى الساحةُ فارغةً، صامتة وجميلة. ممسوسين [/]

                                []لا يرسلون أصواتًا، كي لا يكون لهم في الفضاء أولاد.
                                كي لا يبقى لهم أثرٌ ولا إرث.
                                بلا اصوات، لئلا يرث الآتون لغةَ الراحلين.
                                [/]

                                [] فيتحرر الآتي من كلام الذاهب ويخلقُ لغتَه بنفسه، [/]

                                []والراحلُ يذهب براحةٍ لأنه لم يترك أيَّ عبء.
                                لئلا يكون أحدٌ ابنَ أحد، ولا يكونَ آباء.
                                كونٌ يأتيك خلسةً دون أن تراه،
                                [/]

                                []وتذهب منه خلسةً دون أن يراك.
                                في الرؤية مرافقة، شخصٌ آخر، نظرات.
                                في الرؤية ضيوفٌ لا تتوقَّع مجيئهم وبيتك فارغ.
                                [/]

                                []في الرؤية واجبات، خجل، إدانة.
                                أرسمُ بريشة الممسوسين كونًا ممسوسًا، طيّبًا
                                [/]

                                []ونحيلاً يقعد تحت شجرة ويضحك. [/]

                                []يمتزج بالنسيم، يبتسم، ويموت.
                                كونٌ لا يُرسم بحبرٍ مرئي، بل بالبياض...
                                [/]
                                ولذلك لن يُرسم، ولن يكون.

                                [/]

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                                المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                                المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                                المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                                يعمل...
                                X