إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة في حياة الشاعر محمود درويش

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #91
    أقبية , أندلسية , صحراء

    فلتواصلْ نشيدكَ باسمي. هل اخترتُ أُمِّي وصوتَكَ؟ صحراءُ صحراءُ
    ولتكن الأرضُ أوْسعَ من شكلها البيضويِّ . وهذا الحمامُ الغريبْ
    حمامٌ غريب . وصدِّ رحيلي القصير إلى قرطبهْ
    وافتراقي عن الرمل والشعراء القدامى ’ وعن شَجَرٍ لم يكن اِمرأة.
    البدايةُ ليست بدايتنا, والدخانُ الأخيرُ لنا
    والملوكُ إذا دخلوا قريةً أفسدوها,
    فلا تبكِ , يا صاحبي , حائطاً يتهاوَى
    وصدِّق رحيلي القصير إلى قرطبهْ
    وواصلْ نشيدك باسمي . هل اخترتُ أُمي وصوتك؟ صحراءُ صحراءُ

    سَهْلٌ وصعبٌ خروجٌ الحمام من الحائط اللغويِّ’ فكيف سنمضي
    إلى ساحة البرتقال الصغيرةِ؟
    سَهْلٌ وصعبٌ دخولُ الحمام إلى الحائط اللغويِّ , فكيف سنبقى
    أمام القصيدة في القبو؟صحراءُ صحراءُ
    أذكر أني سأحلُمُ ثانيةً بالرجوع
    - إلى أين يا صاحبي ؟
    - إلى حيثُ طار الحمام فصفّق قمحٌ وشقّ السماء
    ليربط هذا الفضاءَ بسنبلةٍ في الجليلْ
    - هل نَجَوْتَ , إذن , يا صديقي؟
    - تدلّيتُ من شرفة الله كالخيط في ثوب أُمِّي الطويلْ
    وارتطمتُ بعوسجةٍ فانفجرتُ....

    - لماذا تريد الرحيلَ إلى قرطبهْ؟
    - لأنيَ لا أعرفُ الدرب , صحراءُ صحراءُ ,

    غنِّ التشابهَ بين السؤال الذي سيليه
    لعلّ انهياراً سيحمي انهياري من الانهيار الأخير
    أنا ألفُ عامٍ من اللحظة العربيَّةِ’ أبني على الرمل ما تحمل الريحُ
    من غَزَواتٍ ومن شهواتٍ وعطرٍ من الهند . أذكر درب الحرير
    إلى الشام . أذكر مدرسةً في ضواحي سمرقندَ, واِمرأةً
    تقطف التَمْرَ من كلماتي وتسقط في النهر
    - هل يقتلون الخيولْ؟
    - والبخارَ الذي يتسلّل من دمنا في اتجاه الصدى
    - هل تموتُ كثيراً؟
    - وأحيا كثيراً’ وأُمسكُ ظلِّي كتفّاحة ناضجةْ
    ويلتفّ حولي الطريق الطويلْ
    كمشنقةٍ من ندى
    وأوقنُ , يا صاحبي , أننا لاحقان بقيصرَ.. صحراءُ صحراءُ

    غنِّ انتشاري على جسَد الأرض كالفُطْر . إنّ الغجرْ
    يكرهون الزراعةَ.
    لكنهم يزرعون الخيول على وتَرَينْ
    ولا يملؤون التوابيتَ قمحاً كمصرَ القديمةْ,
    ولا يرحلون إلى الأندلسْ
    فرادى ،
    وغنِّ الحقولَ التي تركض الشمسُ والقلبُ فيها ولا يتعبان....وصحراءُ

    صحراءُ! من ألف عام أتيتُ إلى الضوءِ
    هُمْ فتحوا باب زنزانتي فسقطتُ على الضوءِ
    ضيِّقةٌ خطوتي , والمسافات بيضاءُ بيضاءُ , والبابُ نهرٌ
    لماذا تُقام السجون على ضفّة النهر في بَلَدٍ يشتهي الماء؟
    هم فتحوا باب زنزانتي فخرجتُ
    وجدت طريقً فسرتُ
    إلى أين أذهب ؟ في بادئ الأمر قلتُ : أُعلِّمُ حرّيتي المشيَ, مالتْ
    عليَّ, استندتُ إليها , وأسندتُها , فسقطنا على بائع البرتقال العجوز,
    وقمتُ , وكدّستُها فوق ظهري كما يحملون البلاد على الإبْلِ والشاحناتِ’
    وسرتُ وفي ساحة البرتقال تعبتُ , فناديتُ : أيتها الشرطة العسكريّةُ ! لا
    أستطيع الذهاب إلى قرطبهْ
    وأحنيتُ ظهري على عَتَبَةْ
    وأنزلتُ حُريتي مثل كيس من الفحم , ثم هربت إلى القبو,
    هل يشبهُ القبوُ أُمِّي وأُمك ؟ صحراءُ صحراءُ


    ما الساعةُ الآن؟
    لا وقت للقبوِ
    ما الساعة الآن؟
    لا وقتَ...
    في ساحة البرتقال تصدِّقنا بائعاتُ السيوف القديمة , والذاهبون إلى
    يومهم يسمعون النشيد ولا يكذبون على الخبز , صحراءُ في القلب’
    مزِّق شرايينَ قلبي القديم بِأغنية الغجر الذاهبين إلى الأندلسْ
    وغنِّ افتراقي عن الرمل والشعراء القدامى ’ وعن شَجَر لم يكن اِمرأة
    ولا تمتِ الآن , أرجوك ! لا تنكسر كالمرايا ’ ولا تحتجب كالوطنْ
    ولا تنتشرْ كالسطوح وكالأوديهْ
    فقد يسرقونك مثلي شهيداً
    وقد يعرفون العلاقة بين الحمامة والأقبيهْ
    وقد يشعرون بأن الطيور امتدادُ الصباحِ على الأرض
    والنهرَ دبُّوسُ شَعْرٍ لسيِّدَة تنتحرْ
    وانتظرني قليلاً لأسمع صوتَ دمي
    يقطع الشارع المنفجرْ
    كنتُ أنجو
    - ولا تنتصرْ!
    - وسأمشي
    - إلى أين يا صاحبي ؟
    - إلى حيث طار الحمام فصفق قمحٌ ليُسْند هذا الفضاء بسنبلة تنتظرْ.
    فلتواصل نشيدكَ باسمي
    ولا تبك يا صاحبي وتراً ضاع في الأقبيهْ
    إنها أُغنية
    إنها أُغنية !


    يتبع

    تعليق


    • #92
      مختارات من ديوان
      هي أغنية .. هي أغنية
      عام 1986

      يكتب الراوي: يموت


      ليس لي وجهٌ على هذا الزجاجْ

      الشظايا جسدي
      وخريفي نائمٌ في البحرِ
      والبحرٌ زواجْ.
      فلينم أصحاب هذا الوقت في ساعاتهم
      هذه الأجراس لا تأخذني اليومَ
      إلى أي لقاء أو وداع ..
      هذه الأجراسُ لا تعلن وقتي
      أنَّ وقتي من شعاع

      يكتبُ الراوي على الكورنيش
      والموج الممزَّقْ:
      ذهب المَوتُ إلى البحر
      وظلَّ البحر أزرق

      مُدنٌ تأتي وتمضي . هذه زنزانتي

      بين حوار الضوء والظلِّ
      جدارٌ وجدارْ...
      إن وجهي واحدٌ. والموت واحدْ.
      مدن تأتي .. وظلَّ يتمدَّدْ
      مدن تمضي ... وظلَّ يتبدد
      هذه حريتي
      بين حوار الظلِّ والضوء
      نهار وجدار
      إن وجهي واحدٌ ... والموت واحدْ.

      يكتب الراوي على السكينِ:

      من هذا النزيفْ
      طار عنقودُ حمامْ
      وعلى سطح الرغيفْ
      وجد العشَّ، ونامْ
      ليس لي وجه على مرآة هذا الوقت
      وجهي كبيوت الفقراء

      ((يشرب النسيان)) من ذاكرة القمحِ
      وحلم الأنبياء
      مُدُنٌ تأتي وتمضي. ساعةُ الحائطِ للعرضِ
      وللأرض أنا.. والشهداء

      وهنا بيروت في الصفر التجاريِّ وفي أقراص منع الحمل والحنطة
      - تبكي وقتها المكسور في الإعلان عن أقراص منع الوطن الأخر -
      تبكي وقتها المهدور في هذا المساء.
      ليس لي وجه على هذا الكفن

      فلينم أصحاب هذا الوقت في ساعاتهمْ
      ولينهضِ الموتى من الموت لترويض الزمن

      يكتُبُ الراوي على باب المدينة:

      من هنا مر الخريفْ
      في ثياب القَتَلَهْ
      وعلى كل رصيفْ
      حفلة للسنبلَهْ

      ليس لي وَجْهٌ على هذا الفراق

      الشظايا جسدي
      والمسافاتُ عناق
      آه، لو يبتعد الموتى عن الموت قليلا

      لأراهم في تفاصيل الأملْ
      آه, لو أسحب مني جثتي
      لأرى الفارقَ ما بين الصّدى والصوت

      والفكرة في بؤس العمل.
      كلُّ شيء قابل للاحتراقْ
      في احتمالات الكتابة
      كلُّ شيء في يد الراوي أو الشاعر

      شعرٌ وعناقْ ..
      الضحايا – صُوَرةٌ
      والدمُ – إيقاع قصيدهْ
      واندلاعُ الفجر في الغابةِ
      والماء الطليعيّ ..
      وعطرُ البرتقال الرحبُ...
      والموتُ دفاعاً عن حصان أو عقيدهْ
      في يد الشاعر شعرٌ وعناقْ!
      يا إلهي! أين إنسانيتي
      يا إلهي! كيف أنجو من مهارات اللغة!
      كل شيء قابل للاحتراق
      في احتمالات الكتابة
      المسافات عناق
      والتفاصيل عناق
      والعلاقات عناق

      ولذلك

      يكتب الراوي على كل البيوت:
      الحقيقيُّ يموت
      والحقيقيُّ يموت !

      تعليق


      • #93
        هذا خريفي كلّه


        فَتَّشْتُ عن نفسي، فأرجعني السؤالُ إلى الوراءْ
        لا شيء يأخذني إلى شيءٍ. وينسدلُ الفضاءْ علىَّ مشنقةً ويندسُّ المدى
        في ثُقْب إبرة عاشقهْ
        فَتَّشْتُ عن نفسي: سلامٌ للذين أُحبُّهم
        عبثاً؛ سلامٌ للذين يُضيئهم
        جرحي هواءٌ للهواءِ وأين نفسي بين ما
        يسطو على نفسي ويرفعها رُخاماً للهباءْ.
        هذا خريفي كُلُّهُ
        أعلى من الشجر المُذهَّب أين أذهب حين أذهبْ؟
        في حضن سَيِّدتي مكانٌ واسع لقصيدتينْ
        ولموتِ كوكب.
        كُلُّ الشوارع أوصلت غيري إلى طرف السماءِ
        فأين أذهب، أين أذهبْ؟

        كل الشوارع أوقعتهم في بياضٍ خادع بين البداية و النهاية.
        أُمِّي تُعدُّ لي الصباحَ على طَبَقْ
        من فِضَّةٍ أو سنديانٍ. ليس في أُمَّي سوى
        أمَّ هنالك تنتظرْ
        وهنا يدٌ تسطو على يومي وتسرقُ ما أُعِدُّ من الكلامْ
        يبسَ الكلامُ، وطار موَّالُ الحمامِ،
        ونامَ النومُ، نامَ،
        ولا جديدَ لدى النشيد ولا وصايا للضحايا
        لا بداية للنهاية, ولا نهاية للبداية
        أيها الشجر ارتفعْ أعلى و أعلى أيها الشجر استمعْ
        لتحكي مكسورةً كبيارقي الأُولى. ويا.. يا أيها الشجر الْتمعْ
        لأراك في فجرِ الرمادْ.

        وبحثتُ عن نفسي فأرجعني السؤال إلى بلاد لا بلاد لها. بلادٌ للبلادْ.
        لا لم أكن ما كنتُ لكن كُلَّما وقعت عن الأشجار غيمهْ.
        فتَّشتُ عن أرضٍ لأسندها .. بلادٌ للبلادْ.
        لا. لم أكن ما كنتُ لكن كلما ضيَّعْتُ نجمهْ
        ضاع الطريقُ إلى النجوم وضِعتُ في نفسي، ولكن أين مَنْ
        كانوا معي؟ أين انفجار اليأس في جسدين؟ أين الأنبياءْ؟
        يا أيها الشجر إندثرْ في .. اندثرْ
        لأصوغَ روحي من حطامي؛ أيها الشجر انكسرْ
        لأرى خُطاي مدايَ فيَّ. وأيها الشجر انفجرْ
        كي أفتحَ الشباك للشباك فيَّ ... وأنفجِرْ
        حريتي – لغتي
        سَلامٌ للذين أحبُّهم عبثاً
        سَلامٌ للذين يضيئهم جرحي
        سَلامٌ للهواءِ.. وللهواء

        تعليق


        • #94
          عزف منفرد


          لو عُدْتُ يوماً إلى ما كان، هلْ أجِدُ
          الشئَ الذى كانَ والشئَ الذى سيكون؟
          العزف منفردُ
          والعزفُ منفردُ

          من ألفِ أغنيةٍ حاولْتُ أن أُولَدْ
          بين الرماد وبين البحرِ. لم أجِد
          الأمَّ التى كانتِ الأمَّ التى تَلِدُ
          البحر يبتعدُ
          والعزفُ منفردُ

          صدَّقتُ روحىَ لمَّا قالتِ التصق
          بالحائط الساقطِ، استسلمتُ للشَبَقِ
          ولو كتبتُ على الصفصافِ نوعَ دمى
          لجاءتِ الريحُ عكسَ الريح فى وَرَقِ
          الصفصافِ، والصفصافُ يَتَّقدُ
          والعزفُ منفردُ

          لو عدْتُ يوماً إلى ما كان لن إجدا
          غيرَ الذى لم أجدْهُ عندما كُنْتُ
          يا ليتنى شجرٌ كى أستعيد مدى
          الراوي. وأُسندَ أُفقى حيثما مِلتُ
          وليتنى شَجَرٌ لا يستطيل سُدى..
          صَدَّقتُ حُلْمىَ؟ لا. صَدَّقْتُ ما يَرِدُ
          والعزفُ منفردُ

          بَحْرٌ أماميَ، والجدرانُ ترجمنى
          دعْ عنكَ نفسكَ واسلمْ أيها الولَدُ.
          البحر أصغرُ منِّى كيف يحملني؟
          والبحر أكبر مني كيف أحملهُ؟
          ضاقتْ بى اللغةُ، استسلمتُ للسُّفُنِ
          وغصَّ بالقلبِ حين امتصَّهُ الزَبَد
          بحْرٌ علىَّ.. وفىَّ الأبيضُ ـ الأَبَدُ.
          والعزفُ منفردُ

          بَعْدَ البعيد بعيدٌ كُلَّما ابتعدا
          صارَ البعيدُ قريباً من خطوط يديْ
          أُحِسُّهُ وأراهُ واحداً أحدا
          على هواءٍ لَهُ إيقاعُ أُغنيتى.
          أكلما اتسعتْ خطواتنا وَقَعَتْ
          سماؤنا فوقنا واستجمعت بَدَدا؟
          لو عدت يوماً إلى ماكان من بلدِ
          الزيتون، صحْتُ: تباطأ أيها البَلَدُ.
          والعزفُ منفردُ

          لو عُدْتُ يوماً إلى ما كان، لن أجدا
          الحُبَّ الذى كان والحبَّ الذى سيكونْ.
          من ألفِ زنبقة حاولتُ أن أَعدا
          القلبَ القديمَ بقلبٍ توامٍ، وجنون
          حبيبتى! يا امتثالَ الروحِ للجسدِ
          ويا نهاية ما لا ينتهى أبدا
          قطعتِ شريان موجى يا ابنةَ الزَبَدِ
          قطعتِ صوتىَ عن تاريخ أغنيتى.
          وددتُ لو أجد الإيقاع، لو أَجِدُ.
          والعزفُ منفردُ

          قلتُ: الوداع لما يأتى ولا يصلُ
          ورحتُ أبحثُ عمّا غابَ من قمري.
          دعْ عنكَ موتكَ، وارحل أيها الرجلُ
          وارحل وهاجرْ وسافرْ داخلَ السَفَرِ
          ليس المكان مكاناً حين تفقدُهُ.
          ليس المكان مكاناً حين تنشُدُهُ
          وكُلّما حطَّ دوريٌّ على حَجَرٍ
          بحثتَ للقلب عن حوَّاءَ تُرْشِدُهُ
          وكلما مالَ غُصْنٌ صحتُ: كم عَدَدُ
          الهجراتِ؟ كم عدد الأموات يا عَدَدُ.
          والعزفُ منفردُ

          ..وعابر فى بلاد الناس، لاذكرى
          تركتُ فيها ولا ذكرى حملتُ لها
          كأننى لم أكن فيها ولم أرها.
          خرجتُ أدخل أسمائى، فبعثرها
          النسيانُ، وانقسمتْ نفسى لتشهرها.
          أمر بالشئ كاللاشئ .. لا أجِدُ
          الشى الذى يُوجَدْ
          من ألف أغنيةٍ حاولتُ أن أُولدْ
          لوعدُتُ يوماً إلى نفسي فهلْ أجِدُ
          النفسَ التى كانت النفسَ التى كانت؟
          يا ليتنى وَلَدُ، يا ليتني وَلَدُ،
          والعزفُ منفرد

          تعليق


          • #95
            مختارات من ديوان ورد أقل
            عام 1986

            أنا يوسف يا أبي


            أَنا يُوسفٌ يَا أَبِي .
            يَا أَبِي إِخْوَتِي لاَ يُحِبُّونَني , لاَ يُرِدُونَني بَيْنَهُم يَا أَبِي .
            يَعْتَدُونَ عَلَيَّ وَيَرْمُونَني بِل حَصَى وَالكَلاَمِ .
            يُرِدُونَني أَنْ أَمُوت لِكَيْ يمْدَحُونِي .

            وَهُمْ أَوْصَدُوا بَاب َبَيْتِكَ دُونِي .
            وَهُمْ طَرَدُونِي مِنَ الَحَقْلِ.
            هُمْ سَمَّمُوا عِنَبِي يَا أَبِي .
            وَهُمْ حَطَّمُوا لُعَبِي يَا أَبِي .

            حَينَ مَرَّ النَّسيِمُ وَلاَعَبَ شَعْرِيَ غَارُوا وَثَارُوا عَلَيَّ وَثَارُوا عَلَيْكَ .
            فَمَاذَا صَنَعْتُ لَهُمْ يَا أَبِي .
            الفَرَاشَاتُ حَطَّتْ عَلَى كَتْفَيَّ , وَمَالَتْ عَلَيَّ السَّنَابِلُ ,
            وَ الطَّيْرُ حَطَّتْ على راحتيَّ .

            فَمَاذَا فَعَلْتُ أَنَا يَا أَبِي .
            وَلِمَاذَا أَنَا ؟

            أَنْتْ سَمَّيْتَِني يُوسُفاً , وَهُوُ أَوْقَعُونِيَ فِي الجُبِّ ,
            وَاتَّهَمُوا الذِّئْبَ ؛ وَ الذِّئْبُ أَرْحَمُ مِنْ إِخْوَتِي ...

            أَبَتِ !
            هَلْ جَنَيْتُ عَلَى أَحَدٍ عِنْدَمَا قُلْتُ إِنِّي :
            رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً , والشَّمْس والقَمَرَ ,
            رَأّيْتُهُم لِي سَاجِدِينْ ؟؟



            على هذه الأرض


            علَى هَذِهِ الأَرْض مَا يَسْتَحِقُّ الحَياةْ: تَرَدُّدُ إبريلَ,
            رَائِحَةُ الخُبْزِ فِي
            الفجْرِ، آراءُ امْرأَةٍ فِي الرِّجالِ،
            كِتَابَاتُ أَسْخِيْلِيوس، أوَّلُ الحُبِّ،
            عشبٌ
            عَلَى حجرٍ، أُمَّهاتٌ تَقِفْنَ عَلَى خَيْطِ نايٍ,
            وخوفُ الغُزَاةِ مِنَ الذِّكْرياتْ.



            عَلَى هَذِهِ الأرْض ما يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ: نِهَايَةُ أَيلُولَ،
            سَيِّدَةٌ تترُكُ الأَرْبَعِينَ بِكَامِلِ مشْمِشِهَا,
            ساعَةُ الشَّمْسِ فِي السَّجْنِ، غَيْمٌ يُقَلِّدُ سِرْباً مِنَ
            الكَائِنَاتِ، هُتَافَاتُ شَعْبٍ لِمَنْ يَصْعَدُونَ إلى حَتْفِهِمْ
            بَاسِمينَ, وَخَوْفُ

            الطُّغَاةِ مِنَ الأُغْنِيَاتْ.


            عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ:
            عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ الأُرْضِ،
            أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى

            فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي،
            أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ

            تعليق


            • #96
              نخاف على حلم

              نَخَافُ عَلَى حُلُمٍ : لاَ تُصَدِّقْ كَثِيراً فَراشَاتِنَا
              وَصَدِّقْ قَرَابِينَنَا إِنْ أَرَدْتَ. وَبوْصَلَة الخَيْلِ صَدِّقْ، وَحَاجَتَنَا لِلشّمَالْ
              رَفَعْنَا إِلَيْكَ مَنَاقِيرَ أَرْوَاحِنَا. أَعْطِنَا حَبَّةَ القَمْحِ يَا حُلْمَنَا. هَاتِهَا هَاتِنَا
              رَفَعْنَا إِلَيْكَ الشَّواطِئَ مُنْذُ أَتَيْنَا إِلَى الأَرْضِ مِنْ فِكْرَةٍ أَوْ زِنَا مَوْجَتَيْنِ
              عَلَى صَخْرَةٍ فِي الرِّمَالْ
              وَلاَشَيْءَ، لاَ شَيْء. نَطْفُو عَلَى قَدَمٍ مِنْ هَوَاءٍ...هَوَاءٍ تَكَسَّرَ فِي ذَاتِنَا
              وَنَعْرِفُ أَنَّكَ ترْتَدُّ عَنَّا، وَتْبنِي سُجوناً تُسَمَّى لَنَا جَنَّةَ البُرْتُقَالْ
              وَنَحْلُمُ... يَا حُلُماً نَشْتهِيه, وَنَسْرقُ أَيَّامَنَا مِنْ تَجَلِّيهِ في ما مَضَى مِنْ
              خُرَافَاتِنَا
              نَخَافُ عَلَيْكَ ومِنْكَ نَخَافُ. آتَّضَحْنَا مَعاً، لاَ تُصَدِّقْ إِذَنْ صَبْرَ زَوْجَاتِنَا
              سَيَنْسُجْنَ ثَوْبَيْنِ, ثُمَّ يَبِعْنَ عِظَامَ الحَبِيبِ لِيَبْتَعْنَ كَأسَ الحَلِيبِ لأَطْفَالِنَا.
              نَخَافُ عَلَى الحُلْم مِنْهُ وَمِنَّا. وَنَحْلُمُ يَا حُلْمَنَا. لاَ تُصَدِّقْ كَثِيراً فَرَاشَاتِنَا !




              هنالك ليل..

              هُنَالِكَ لَيْلٌ أَشَدُّ سَوَاداً... هنالك وَرْدُ أَقَلُّ
              سَيَنْقَسِمُ الدَّرْبُ أَكْثَرَ مِمَّا رَأَيْنَا, سَيَنْشَقُّ سَهْلُ
              وَيَنْهَدُّ سَفْحٌ عَلَيْنَا, وَيَنْقَضُّ جُرْحٌ عَلَيْنَا، وَيَنْفَضُّ أَهْلُ
              سَيَقْتُلُ فِينَا القَتِيلُ القَتِيلَ لِيَنْسَى عُيُونَ القَتِيلِ ... وَيَسْلُو
              سَنَعْرِفُ أَكْثَرَ مِمَّا عَرَفْنَا، وَنَبْلُغُ هَاوِيَةً بَعْدَ هَاوِيَةٍ حِينَ نَعْلُو
              عَلَى فِكْرَةٍ عَبَدَتْهَا القَبَائِلُ ثُمَّ شَوَتْهَا عَلَى لَحْمِ أَصْحَابِهَا حِينَ قَلُّوا
              سَنَشْهَدُ فِينَا أَبَاطِرَةً يَحَفِرُونَ عَلَى القَمْحِ أَسْمَاءَهُم كَيْ يَدُلُّوا
              عَلَيْنَا. أَلَمْ نَتَغَيَّرْ؟ رِجَالٌ عَلَى دِينِ خِنْجَرِهم يَذْبَحُونَ، وَرَمْلٌ لِيَكْثُر رَمْلُ
              نِسَاءٌ عَلَى دِينِ مَا بَيْنَ أَفْخَاذِهِنَّ وَظِلَّ لِيَصْغرَ ظِلُّ...
              وَلَكِنَّنِي سَأْتَابعُ مَجْرَى النَّشِيِد, وَلَوْ أَنَّ وَرْدِي أَقَلُّ





              صهيل على السفح

              صَهِيلُ الخُيُولِ عَلَى السَّفْحِ :
              إِمَّا الهُبُوطُ وَإِمَّا الصُّعُودُ
              أُعِدُّ لِسَيِّدَتِي صُورَتِي, عَلِّقِيهَا إذَا مُتُّ فَوْقَ الجِدَارْ
              تَقُول: وَهَلْ مِنْ جِدَارٍ لَهَا؟
              قُلْتُ: نَبْنِي لَهَا غُرْفَةً. _ أَيْنَ... فِي أَيِّ دَارْ؟
              صَهِيلُ الخُيُولِ عَلَى السَّفْح: إِمَّا الهُبُوطُ ، وَإِمَّا الصُّعُودُ
              أَتحْتَاجُ سَيِّدَةٌ فِي الثَّلاثِينَ أَرْضاً لِتَجْمَعَ
              صُورَةَ فَارِسهَا فِي إِطَارْ؟
              وَهَلْ أَسْتَطِيعُ الوُصُولَ إلىَ قِمَّةِ الجَبَلِ الصَّعْبِ؟
              وَالسَّفْحُ هَاوِيَةٌ أَوْ حِصَارْ
              وَمُنْتَصَفُ الدَّرْبِ مُفْتَرقٌ...
              آهِ مِنْ رِحْلَةٍ كَانَ يَقْتُلُ فِيهَا الشَّهِيدَ الشَّهِيدُ !
              أُعِدُّ لِسَيِّدتِي صُورَتي.
              مَزِّقِي صُورَتِي حِينَ يَصْهَلُ فِيكِ حِصَانٌ جَدِيدُ
              صَهِيلُ الخُيُولِ عَلَى السَّفْحِ :
              إِمَّا الصُّعُودُ... وَإِمَّا الصُّعُودُ





              القطار الأخير توقف


              القِطَارُ الأَخِيرُ تَوَقَّفَ عِنْدَ الرَّصِيفِ الأَخِيرِ.
              وَمَا مِنْ أَحَدْ

              يُنْقذُ الوَرْدَ. مَا مَنْ حَمَامٍ يَحُطُّ عَلَى امْرأَةٍ مِنْ كَلاَمْ
              وَانْتَهَى الوَقْتُ. لَا تَسْتَطِيعُ القَصِيدَةُ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَطَاعَ الزَّبَدْ.
              لَا تُصَدِّقْ قِطَارَاتِنَا -أَيُّهَا الحُبُّ- لَا تَنْتِظرْ
              أَحَداً فِي الزّحَامْ.

              القِطَارُ الأَخَيرُ تَوَقَّفَ عِنْدَ الرَّصَيفِ الأَخِيرِ؛
              وَمَا مِنْ أحَدْ

              يَسْتَطِيعُ الرُّجُوعَ إلَى مَا تَرَاجَعَ مِنْ نَرْجِسٍ
              فِي مَرَايَا الظَّلَامْ.

              أَيْنَ أَتْرُكُ وَصْفِي الأَخِيرَ لِمَا حَلَّ بِي مِنْ جَسَدْ؟
              وَانْتَهَى مَا انْتهَى. أَيْنَ مَا ينتهي ؟
              أَيْنَ أُفْرِغُ مَا حَلَّ بِي مِنْ بَلَدْ؟

              لاَ تُصَدِّقْ قِطَارَاتِنا- أَيُّهَا الحُبُّ-
              طَارَ الحَمَامُ الأَخِيرُ وَطَارَ الحَمَامْ

              وَالقِطَارُ الأَخِيرُ تَوَقَّفَ عِنْدَ الرَّصِيفِ الأَخِيرِ...
              وَمَا مِنْ أَحَدْ..

              تعليق


              • #97
                يحق لنا أن نحب الخريف

                نَحْنُ، يَحِقُّ لَنَا أَنْ نُحِبَّ نِهَايَاتِ هَذَا الخَريف،
                وَأَنْ نَسْأَلهْ وَ

                أَفِي الحَقْلِ مُتَّسَعٌ لِخَريفٍ جَديدٍ،
                وَنَحْنُ نُمَدِّدُ أَجْسَادَنَا فِيِه فَحْما ؟

                خَريفٌ يُنَكَّسُ أَوْرَاقَهُ ذَهَباً. لَيْتَنَا وَرَقُ التِّين،
                يَا لَيْتَنَا عُشْبَةٌ مُهْمَلهْ

                لِنَشْهَدَ مَا الفَرْقُ بَيْنَ الفُصُول.
                وَيَا لَيْتَنَا لَمْ نُوَدِّعْ جَنُوبَ العُيُونِ لنَسْأَل عَمَّا
                تَسَاءل آبَاؤنَا حِين طَارُوا عَلَى قِمَّةِ الرُّمْحِ.
                يَرْحَمُنَا الشِّعْرُ و البَسْملَهْ

                وَنَحْنُ يَحقُّ لَنَا أَنْ نُجَفِّف لَيْلَ النِّساءِ الجَميلاَت،
                أَنْ نَتَحَدِّث عَمَّا

                يُقَصِّر لَيْلَ غَريَبيْن يَنْتَظرَانِ
                وُصُول الشَّمال إلى البَوْصَلهْ

                خَريفٌ. وَنَحْنُ يَحقُّ لَنَا أَنْ نَشُمَّ
                رَوَائحَ هَذَا الخَريف، وَأَنْ نَسْأَلَ اللَّيْلَ حُلْما

                أَيَمْرضُ حُلْمٌ كَمَا يَمْرضُ الحَالِمُون ؟
                خَريفٌ خَريفٌ. أَيُولَدُ شَعْبٌ على مِقْصلَهْ

                يَحِقُّ لَنَا أَنْ نَمُوتَ كَما نَشْتَهِي أَنْ نَمُوت،
                لِتَخْتَبِئ الأَرْضُ في سُنْبُلهْ




                سأمدح هذا الصباح

                سَأمْدَحُ هذَا الصَّباحَ الجَديد، سَأَنْسَى اللَّيَالَي،
                كُلَّ اللِّيَالي

                وَأَمشِي إلَى وَرْدَةِ الجَار،
                أَخْطفُ مِنْهَا طَريقَتَهَا فِي الفَرَحْ

                سَأقْطِفُ فَاكهَة الضَّوْء مِنْ شَجرٍ
                واقفٍ للْجَميعْ
                سَأَمْلكُ وَقْتاً لأسْمَعَ لحن الزّفاف على
                ريشِ هذَا الحمامْ
                سلامٌ على كُلِّ شَيْءٍ...
                شوارعُ كالنَّاس واقفةٌ بَيْن يوْمَيْن
                لا تملك الأرْض غَيْرُ الطُّيوْر التي
                حَلَّقتْ فَوْقَ سَطْح الغناء،
                ولا يَمْلك الطَّيْرَ غَيْرُ الفَضَاءِ المُعَلَّقِ
                فوق أَعَالي الشَّجَرْ
                سلامٌ عَلَى نَوْمِ مَنْ يَمْلكُون من الوَقْتِ
                وَقتاَ لِكَيْ يَقْرأْوا.. وسلام على المُتْعبَينْ

                أَفي مِثْلِ هَذَا الصَّبَاح القَويَّ تَقُولينَ لِي :
                سَأَعُودُ إلَى بَيْتِ أْمِّي؟
                أَفِي مِثْلِ هَذَا الصَّبَاح تُعِيدينَ قَلْبِي
                عَلَى طَبَقٍ مِنْ وَرَقْ؟




                علمني الحب أَلا أحب

                يُعلِّمُني الحُبُّ ألاَّ أحِبَّ، وَأَنْ أفْتَحَ النَّافِذَهْ
                عَلَى ضِفَّة الدَّرْبِ.
                هَل تَسْتَطيعين أنْ تَخْرُجي مِنْ نداءِ الحَبَقْ
                وَأَنْ تقسمِيني إلى اثْنَيْن :
                أَنْتِ، وَمَا يَتَبِقَّى مِنَ الأُغْنِيَهْ ؟
                وَحُبٌ هو الحُبُّ.
                فِي كُلِّ حُبِّ أرى الحُبَّ مَوْتاً لِمَوْتٍ سَبَقْ،
                وَريحاً تُعَاوِدُ دَفْعَ الخُيُول إلَى أمِّهَا الرِّيحِ
                بَيْنَ السَّحَابَة والأوْدِيَهْ
                أًلا تَسْتَطِيعينَ أَنْ تَخْرُجِي مِنْ طَنينِ دَمي
                كَيْ أْهَدْهِدَ هَذَا الشَّبقْ ؟
                وكَيْ أُسْحَبَ النَّحْلَ مِنْ وَرَق الوَرْدَةِ المُعْدِيهْ ؟
                وَحُبٌ هو الحُبُّ، يَسْأًلُنِي :
                كَيْفَ عَادَ النَّبِيذُ إلَى أْمِّه واحْتَرقْ
                وَمَا أًعْذَبَ الحُبَّ حِينَ يُعذب،
                حِينَ يُخرِّب نَرْجسَةَ الأْغْنيهْ

                يُعَلِّمُني الحُبِّ أن لاَ أُحِبَّ،
                وَيَتْرُكُني في مَهَبِّ الوَرَق

                تعليق


                • #98
                  أريد مزيداً من العمر

                  أُرِيدُ مَزِيداً مِنَ العُمْرِ كَيْ نَلْتَقِي،
                  وَمَزِيْدَاً مِنَ الاغْتِرَابْ
                  وَلَوْ كَانَ قَلْبي خَفِيفاً لأَطْلقْتُ قَلْبِي عَلَى كُلِّ نَحْلَهْ.

                  أُرِيدُ مَزِيداً مِنَ القَلْبِ كَيْ
                  أستَطِيعَ الوُصُولَ إِلَى سَاقِ نَخْلَهْ.
                  وَلَوْ كَانَ عُمْرِي مَعِي لَانْتَظَرْتُكِ خَلْفَ زُجَاجِ الغِيَابْ.
                  أُرِيدُ مَزِيداً مِنَ الأُغْنيَاتِ لأَحْمِلَ مَلْيُونَ بَابٍ... وَبَابْ
                  وَأُنْصبَهَا خَيْمَةً فِي مَهَبِّ البلاَدِ، وَأسْكُنَ جُمْلَهْ.
                  أُرِيدُ مَزِيداً مِنَ السَّيِّدَاتِ لأَعْرِفَ آخِرَ قُبْلَهْ،
                  وَأوَّلَ مَوْتٍ جَمِيلٍ عَلَى خِنْجَرٍ مِنْ نَبِيذِ السَّحَابْ.
                  أُرِيدُ مَزِيداً مِنَ العُمْرِ كَيْ يَعْرِفَ القَلْبُ أهْلَهْ،
                  وَكَيْ أَسْتَطِيعَ الرُّجُوعَ إِلَى... سَاعَةٍ مِنْ تُرَابْ.

                  بقاياك للصقر

                  بقاياك للصقر
                  بَقَايَاكَ لِلصَّقرِ.
                  مَنْ أَنْتَ كَيْ تَحْفرَ الصَّخرَ وَحْدَكْ،
                  وَتَعْبرَ هَذَا الفَرَاغَ النِّهَائِيَّ،
                  هَذَا البَيَاضَ النِّهائيَّ؟ مَرْحَى!
                  سَتَصْطَفُّ حَوْلَكَ خَرُّوبَتَانِ، وَأَرْمَلَتانِ،
                  وَصَمْتُ الفَضَاءِ المُجَوَّفِ بَعْدَكْ
                  شُهُوداً عَلَى العَبَثِ البَشَرِيِّ؛
                  شُهُوداً عَلَى المُعْجِزَهْ.
                  أَفِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ تُصَدِّقُ ظِلَّكَ،
                  فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ تُصَدِّقُ وَرْدَكْ؟
                  وَتَلْفظُ اسْمَكَ واسْمَ بِلادِكَ واسْمِي مَعاً
                  بِلا خَطَإٍ؟ يَا رَفِيقِي، كَأنّكَ تَمْلِكُ شَيْئاً،
                  كَأنّك تَمْلِكُ وَعْدكْ!
                  سنُخْلِي لَكَ المَسْرَحَ الدَّائِرِيَّ.
                  تَقدَّمْ إِلَى الصَّقرِ وَحْدَكْ،
                  فَلاَ أَرْضَ فِيكَ لِكَي تَتَلَاشَى،
                  ولِلصَّقرِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْكَ،
                  ولِلصَّقْرِ أَنْ يَتَقَمَّصَ جِلْدَكْ.

                  قريباً من السور

                  قَرِيباً مِنَ السُّورِ، سُورِ المَدِينَةِ,
                  أَمْنَعُ نَفْسِي مِنَ الاعْتِرَافْ
                  بِأَنِّي رَأَيْتُ الذِينَ سَيَأُتُونَ بَعْدَ قَلِيلٍ,
                  سَيَأتُونَ بَعْدَ قَلِيلْ،
                  وَيَبْنُونَ أَسْوَارَهُمْ حَوْلَ سُورٍ قَديِمٍ
                  يُحِيطُ بسُورٍ قَدِيمْ.
                  وَأَنِّي رَأَيْتُ الذِينَ مَضَوْا مِنْ هُنَا،
                  وَمَضَوْا مِنْ هُنَا، بَعْدَمَا
                  بَنَوْا سُورَهُمْ حَوْلَ سُورٍ قَدِيمٍ
                  يُحِيطُ بسُورٍ قَدِيمْ.
                  قَرِيباً من السُّورِ,
                  أَرْسُمُ سِلْسِلَةً مِنْ نُجُومٍ وَدَائِرةً مِنْ نُجُومْ.
                  وَأَبْحَثُ عَنْ حَاضِرٍ كَانَ,
                  أَوْ حَاضِرٍ كَانَ، أَوْ حاضِرٍ سَيَكُونْ:
                  أَفِي وُسْعِنَا أَنْ نَكُونَ هُنَا...الآنَ؟
                  فِي وُسْعِنَا أَنْ نَكُونْ؟
                  وَنَبْنِيَ أَسْوَارَنَا، هَهُنَا... هَهُنَا،
                  حَوْلَ سُورٍ قَدِيمْ؟
                  سَأَلْتُ القَصِيدَةَ, فَاغْرَوْرَقَتْ بِالغُيُومْ

                  أنا من هناك

                  أَنَا مِنْ هُنَاكَ. وَلِي ذِكْريَاتٌ.
                  وُلِدْتُ كَمَا تُولَدُ النَّاسُ. لِي وَالِدَهْ
                  وبيتٌ كثيرُ النَّوافِذِ. لِي إِخْوَةٌ. أَصْدِقَاءُ.
                  وَسِجْنٌ بِنَافِذَةٍ بَارِدَهْ.
                  وَلِي مَوْجَةٌ خَطَفتْهَا النَّوارِسُ.
                  لِي مَشْهَدِي الخَاصُّ. لِي عُشْبَةٌ زَائِدَهْ
                  وَلِي قَمَرٌ فِي أقَاصِي الكَلاَم، وَرِزْقُ الطُّيُورِ،
                  وَزَيْتُونَةٌ خَالِدَهْ
                  مَرَرْتُ عَلَى الأَرْضِ قَبْلَ مُرُور السُّيُوفِ عَلَى
                  جَسَدٍ حَوَّلُوه إِلَى مَائِدَهْ.
                  أَنَا مِنْ هُنَاكَ.
                  أُعِيدُ السَّمَاءَ إِلَى أُمِّهَا حِينَ تَبْكي السَّمَاءُ عَلَى أمَّهَا،

                  وَأَبْكِيِ لِتَعْرفَنِي غَيمَةٌ عَائِدَهْ.
                  تَعَلّمْتُ كُلِّ كَلامٍ يَلِيقُ بمَحكَمَةِ الدِّم كَيْ أُكْسِرَ القَاعِدهْ.
                  تَعَلّمتُ كُلِّ الكَلاَمِ ،
                  وَفَكَّكْتُهُ كَيْ أُرَكِّبَ مُفْرَدَةً وَاحِدَهْ
                  هِيَ: الوَطَنُ...


                  يتبع

                  تعليق


                  • #99
                    مأساة النرجس , ملهاة الفضة
                    1987
                    عادوا...
                    من آخر النفَق الطويل إلى مراياهم..
                    وعادوا
                    حين استعادوا مِلْحَ إِخواتهمْ ,
                    فرادى أَو جماعاتٍ , وعادوا
                    من أَساطيرِ الدفاع عن القلاع إِلى
                    البسيط من الكلامْ
                    لن يرفعوا ’ من بعدُ ’ أَيديَهُمْ
                    ولا راياتِهمْ للمعجزات إِذا أَرادوا
                    عادوا ليحتفلوا بماء وجودهم ،
                    ويُرتِّبوا هذا الهواءْ
                    ويزوِّجوا أَبناءهم لبناتهم ،
                    ويرقِّصوا جَسَداً توارى في الرخامْ
                    ويُعَلِّقوا بسُقُوفهمْ بَصَلاً ’ وباميةً ’ وثوماً للشتاءْ
                    وليحلبوا أَثداء مَاعِزِهمْ ’ وغيماً سالَ من ريش الحمامْ
                    عادوا على أَطراف هاجسهم إلى جُغرافيا السحرِ الإِلهي
                    وإلى بساط الموز في أَرض التضاريس القديمةْ:
                    جبلٌ على بحرٍ ,
                    وخلف الذكريات بحيرتان ,
                    وساحلٌ للأنبياء –
                    وشارعٌ لروائح الليمون .
                    لم تُصَب البلاد بأَيَّ سوءْ
                    هَبَّتْ رياح الخيل , والهكسوس هبُّوا ’
                    والتتَار مُقَنَّعينَ وسافرينَ .
                    وخلَّدوا أَسماءهم بالرمح أَو بالمنجنيق ...
                    وسافروا لم يحرموا إِبريل من عاداته :
                    يلدُ الزهور من الصخور
                    ولزهرة الليمون أَجراسٌ ,
                    ولم يُصب التُرابُ بأي سوءٍ-
                    أَيَّ سوء ’ أَيَّ سوءٍ بعدهم .
                    والأَرضُ تُورَثُ كاللغةْ
                    هَبَّتْ رياحُ الخيل وانطفأَت رياحُ الخيل ’
                    وانبثق الشعير من الشعيرْ
                    عادوا لأنهمُ أَرادوا واستعادوا النارَ في ناياتهم ,
                    فأتي البعدُ
                    من البعيد , مُضَرَّجاً بثيابهم وهشاشة البلور ’
                    وارتفع النشيدُ-
                    على المسافة والغياب .
                    بأَيَّ أَسلحة تُصَدُّ الروح عن تحليقها؟
                    في كل منفى من منافيهم بلادٌ لم يصبها أَي سوءْ...
                    صنعوا خرافَتَهُمْ كما شاءوا ’
                    وشادوا للحصى أَلَقَ الطيور .
                    وكُلَّما مَرُّوا بنهرٍ.. مَزَّقوهُ ,
                    وأَحرقوهُ من الحنين ...
                    وكُلّما مَرُّوا بسَوْسَنَةٍ بكوا وتساءلوا :
                    هل نحن شعب أَم نبيذٌ للقرابين الجديدةْ؟
                    يا نشيدُ ! خذ العناصر كُلَّها
                    واصعدْ بنا

                    سفحاً فسفحاً
                    واهبط الوديان –
                    هيّا يا نشيدُ
                    فأَنت أَدرى بالمكانِ
                    وأَنت أَدرى بالزمانِ
                    وقُوَّةِ الأَشياء فينا..
                    لم يذهبوا أَبداً ولم يصلوا ’
                    لأَن قلوبهم حَبَّتُ لَوْزٍ في الشوارع . كانت
                    الساحاتُ أَوسعَ من سماء لا تُغَطِّيهم .
                    وكان البحر ينساهم وكانوا يعرفون شمالهم
                    وجنوبهم ’ ويطِّيرون حمائمَ الذكرى إلى
                    أَبراجها الأُولى ,
                    ويصطادون من شهدائهم نجماً
                    يُسَيِّرهم إلى وحشِ الطفولةِ كلما قالوا :
                    وصلنا ... خرَّ أَوَّلُهُمْ على قوسِ البدايةِ .
                    أَيها البطلُ ابتعدْ عنا لنمشي فيك
                    نحو نهاية أُخرى ’ فتبّاً أُخرى ’ فتبّاً للبدايةِ
                    أَيها البطل المضرّج بالبدايات الطويلةِ قُلْ
                    لنا :
                    كم مرةً ستكون رحلتُنا البدايةَ؟
                    أَيها البطل المُسَجَّى فوق أَرغفة الشعير
                    وفوق صوف اللوز ’ سوف نحنِّطُ الجرحَ الذي
                    يمتصُّ روحك بالندى :
                    بحليبِ ليلٍ لا ينامُ , بزهرة الليمونِ ’
                    بالحجر المُدَمَّى , بالنشيد – نشيدنا ,
                    وبريشةٍ مقلوعة من طائرِ الفينيق-
                    إِنَّ الأَرضَ تُورَثُ كاللغةْ !
                    ...ونشيدهم حَجَرٌ يَحُكُّ الشمسَ .
                    كانوا طيِّبين وساخرينْ
                    لا يعرفون الرقص والمزمار إِلاَّ في
                    جنازاتهم الرفاق الراحلينْ
                    كانوا يُحبُّون النساء كما يحبون
                    الفواكه والمبادئ والقططْ

                    تعليق


                    • كانوا يَعُدُّون السنين بعمر موتاهم .
                      كانوا يرحلون إِلى الهواجسْ :
                      ماذا صنعنا بالقرنفل كي نكون بعيدَهُ؟
                      ماذا صنعنا بالنوارسْ
                      لنكون سُكَّانَ المرافئ والملوحةِ في هواءٍ يابسٍ :
                      مستقبلين مُوَدِّعينْ؟
                      كانوا , كما كانوا , سليقةَ كلَّ نهرِ لا يفتِّش عن ثباتْ
                      يجرون في الدنيا لعلَّ الدرب يأخذهم إلى
                      درب النجاة من الشتاتْ
                      ....ولأنهم لا يعرفون من الحياة سوى
                      الحياة كما تقدِّمها الحياة
                      لم يسألوا عما وراء مصيرهم وقبورهم .
                      ما شأنهم بعد القيامهْ ؟
                      ما شأَنهم إن إِسماعيل أَمْ إِسحقُ شاةً للإِلهْ؟
                      هذي الجحيم هي الجحيمُ .
                      تعوَّدوا أَن يزرعوا النعناعَ في قمصانهم
                      وتعلَّموا أَن يزرعوا اللبلابَ حول خيامهم ,
                      وتعوَّدوا حفظ البنفسج في أَغانيهم
                      وفي أَحواض موتاهم..,
                      ولم يُصَب البناتُ بأَيَّ سوءٍ ’ أَيَّ سوء ’
                      حين جَسَّدهُ الحنينُ لكنهم عادوا قبيل غروبهم ،
                      عادوا إلى أَسمائهم
                      وإلى وضوح الوقت في سَفَر السنونو
                      ...وأَمَّا المنافي ’ فهي أمكنةٌ وأَزمنةٌ تُغيِّر أَهلها
                      وهي المساءُ إِذا تدلَّى من نوافذَ لا تطلُّ على أَحدْ
                      وهي الوصولُ إلى السواحل فوق مركبة أَضاعتْ خليها
                      وهي الطيورُ إذا تمادت في مديح غنائها ’ وهي البلدْ
                      وقد انتمى للعرش ...واختصر الطبيعة في جَسَدْ
                      ...لكنهم عادوا من المنفى ’ وإن تركوا هناك خيولَهُمْ
                      فلأَنهم كسروا خرافتهم بأَيديهم لكي يتسربوا منها
                      وكي يتحرروا ويفكَّروا بقلوبهم .
                      عادوا من الأسطورة الكبرى يتذكروا أَيامهم وكلامهم .
                      عادوا إلى المألوف فيهم وهو يمشي
                      فوق الرصيف
                      ويمضغ الكسَلَ اللذيذ ووقتَهُ من غير غاية
                      ويرى الزهورَ كما ترى الناسُ الزهورَ..بلا حكاية
                      من زهرةِ الليمون تُولَدُ زَهْرةُ الليمون ثانيةً وتفتح في الظلامِ
                      نوافذَ الدورِ القديمةِ للمدى ..وعلى سلام العائلة
                      ..
                      وكأَنهم عادوا , لأَن الوقت يكفي كي تعود القافلة
                      من رحلة الهند البعيدة .
                      أَصلحوا عرباتهمْ وتقدموا قبل الكلامْ
                      وعلى نوافذ آسيا الوسطى أَضاءوا نجمةَ الذكرى ,
                      وعادوا وكأَنهم عادوا من شمال الشام عادوا
                      وكأَنهم عادوا من الجُزر الصغيرة في المحيط
                      الرحب , عادوا من فتوحات بلا عَدَدٍ
                      ومن سَبي بلا عدد , وعادوا
                      وكأَنهم عادوا كعودة ظلّ مئذنة
                      إلى صوت المؤذّن في المغيبْ
                      لم تسخر الطرقاتُ منهم مثلما
                      سخر الغريبُ من الغريبْ

                      تعليق


                      • النهر هاجسهم , تَلَعْثَمَ أمْ فاض النهَرْ
                        ولراية الصفصاف عرَّافٌ يُعَلِّقُها على
                        ما سال من ذهبِ القمرْ
                        ...ولهم حكايَتُهُمْ .
                        وآدَمُ – جَدُّ هجرتهم بكى ندماً وللصحراء هاجَرْ
                        والأَنبياء تشرَّدوا في كل أرض ’
                        والحضارةُ هاجَرَتْ ’
                        والنخل هاجرْ لكنهم عادوا قوافلَ,
                        أَو رُؤى
                        أَو فكرةً,
                        أَو ذاكرهْ

                        ورأوا من الصَور القديمة فتنةً
                        أَو محنةً تكفي لوصف الآخرة
                        هل كانت الصحراءُ تكفي للضياع الآدميِّ؟
                        وصَبَّ آدمْ
                        في رَحْمَ زوجته ’ على مرأى من التُفَّاح ’
                        شَهْدَ الشهوةِ الأُولى وقاومَ موتَهُ .
                        يحيا ليعبد رَبَّهُ العالي ليحيا
                        هل كان أَوَّلُ قاتٍل – قابيلُ – يعرف أَن
                        نومَ أَخيه مَوْتْ؟
                        هل كان يعرف انه لا يعرف الأسماء, بعد, ولا اللغة
                        هل كانت إمرأة يغطَّيها قميص التوت أَوِّل خارطة ؟
                        لا شمسَ تحت الشمس إلا نور هذا القلب يخترق الظلالْ
                        كم من زمانٍ مرَّ كي يجدوا الجوابَ عن السؤالْ .
                        وما السؤال إلا جوابٌ عن السؤال إلا جواب
                        لا سؤال له . وكانت تلك أسئلة الرمالُ إلى الرمالْ
                        نُبُوءةً ويغافل الصوفيُّ إمراةً ليغزل صوف عتمتِهِ
                        بلحيته , ويعلو جَسَداً من البلور .
                        هل للروح اردافٌ وخاصرةٌ وظلُّ ؟
                        في الاسر مُتَّسع لشمسِ الشكِّ منذ صاروا سكارى
                        الباب – حُرّباتُهُم هي ماتسقط من فضاء المُطَلق
                        المكسور حول خيامهم :
                        خوذ , صفيح , زُرْقَةٌ , إبريقُ ماء , اسلحهْ
                        اثار انسانٍ , غرابٌ , ساعةٌ رمليةٌ ,
                        عشبٌ يغطي مذبحهْ .
                        هل نستطيع بناء بناء معبدنا على متر من الدنيا ...
                        لنعبدْ خالق الحشرات والاسماء والاعداء والسر
                        المُخَبإ في ذبابة ؟
                        هل نستطيع اعادة الماضي الى اطراف حاضرنا ,
                        لنجسدْ فوق صخرتنا لمن كتب الزمان
                        على الكتاب بلا كتابهْ ؟
                        هل نستطيع غناء أْغنيةٍ على حجر سماويَّ لنصمدْ ؟
                        للأساطير التي لم نستطع تغييرها الا بتاويلِ السحابة ؟
                        هل يستطيع بريدُنا المائيُّ أَن يأَتي على منقار هُدْهُدْ
                        ويعيدَ من سَبَإِ رسالتَنَا ’ لنؤمن بالخُرافةِ والغرابهْ؟
                        ..في التيه مُتَّسع لأحصنة تشبُّ من السفوح إلى الأعالي
                        ومن السفوح تخر صوب القاع ،
                        مُتَّسعٌ لفرسان يحثون الليالي
                        إن الليالي كُلَّها ليلٌ وإن الموت قتلٌ في الليالي
                        ...يا نشيدُ ! خُذِ العناصرَ كُلَّها
                        واصعدْ بنا دهلااً فدهراً
                        كي نرى من سيرة الإنسان ما سيُعيدُنا
                        من رحلةِ العبث الطويل إلى المكان
                        – مكانِنَا ,
                        واصعد بنا قِمَمَ الحراب لكي نُطلَّ على المدينةِ –
                        أَنتَ أدرى بالمكان , وقُوَّة الأَشياء فينا
                        أَنت أدرى بالزمان..

                        تعليق


                        • خذني إِلى حَجَرٍ –
                          لأجلس قرب جيتار البعيدِ
                          خذني إلى قَمَرٍ –
                          لأعرف ما تبقَّى من شرودي
                          خذني إلى وَتَرٍ –
                          يَشُدّ البحرَ للبرِّ الشريدِ
                          خذني إلى سَفَرٍ –
                          قليلِ الموت في شريانِ عودِ
                          خذني إلى مَطَرٍ –
                          على قرميد منزلنا الوحيدِ
                          خذني إليَّ لأَنتمي لجنازتي في يوم عيدي
                          خذني إلى عيدي شهيداً في بنفسجة الشهيدِ
                          عادوا , ولكن لم أَعُدْ..
                          خذني هناك إلى هناك من الوريد إلى الوريدِ
                          ..عادوا إلى ما كان فيهم من منازلَ , واستعادوا
                          قَدَمَ الحرير على البحيرات المضيئة ’ واستعادوا
                          ما ضاع من قاموسهم :
                          زيتونَ رُومَا في مخيّلة الجنودِ
                          توراةَ كنعانَ الدفينةَ تحت أنقاض
                          تحت أنقاض الهياكل بين صُورَ وأورشليم
                          وطريقَ رائحةِ البخور إلى قُرَيْشَ تهبُّ من شامِ الورودِ
                          وغزالةَ الأبد التي زُفّت إلى النيل الشماليِّ الصعودِ
                          وإلى فحولةِ دجلةَ الوحشيِّ وَهْوَ
                          يَزُفُّ سُومَرَ للخلودِ
                          كانوا معاً
                          كانوا معاً يتحاربون , ويَغْلِبون , ويُغْلَبونْ
                          كانوا معاً
                          يتزوَّجون وينجبون سُلالةَ الأَضدادِ
                          أَو نسلَ الجنونْ
                          كانوا معاً
                          يتحالفون على الشمال ’ ويرفعون على الجحيمْ
                          جسرَ العبور من الجحيم إلى انتصار الروح فيهم كُلِّهم
                          ويعاودون الحربَ حول العقل .
                          مَنْ لا عَقْلَ في إِيمانِهِ
                          لا روح فيه..
                          هل نستطيع تناسخَ الإبداع من جلجامشَ المحروم
                          من عُشْبِ الخلودِ
                          ومن أثينا بعد ذلك ؟ أين نحن الآن !
                          للرُّومان أَن يجدوا وجودي في الرخام ’
                          وأَن يعيدوا نقطةَ الدنيا إلى روما ’
                          وأَن يلدوا جُدودي
                          من تفوُّق سيفهم
                          لكنًّ فينا من أَثينا
                          ما يجعل البحر القديمَ نشيدَنا
                          ونشيدُنا حَجَرٌ يَحُكُّ الشمسَ فينا
                          حَجَرٌ يشعُّ غموضَنا أقصي الوضوحِ هو الغموضُ ,
                          فكيف ندرك ما نسينا؟
                          عاد المسيحُ إلى العشاء ’ كما نشاء ’
                          ومريٌ عادتْ إِليهِ
                          على جديلتها الطويلة كي تُغَطَّيَ مسرحَ الرومان فينا
                          هل كان في الزيتون ما يكفي من المعنى ..
                          لنملأ راحيتهِ
                          سكينةً وجروحَهُ حَبَقاً ’ وندلق روحَنَا أَلَقاً عليهِ؟
                          ..ويا نشيدُ , خذِ المعاني كلَّها
                          واصعدْ بنا جرحاً فجُرحاً
                          ضمِّدِ النسيانَ

                          تعليق


                          • واصعدْ ما استطعتَ بنا إلى الإنسانِ
                            حولَ خيامهِ الأْولى
                            يُلَمِّعُ قُبّةَ الأفقِ المُغَطَّى بالنحاسِ
                            لكي يَرَى
                            ما لا يَرَى
                            من قلبِهِ
                            واصعد بنا ’ واهبط بنَا نحو المكان
                            فأَنتَ أَدرى بالمكان ,
                            وأَنتَ أدرى بالزمان
                            ...وفي الممرات استعدُّوا للحصار .
                            نياقُهم عطشتْ وقد حلبوا السرابْ
                            حلبوا السرابَ ليشربوا لَبَنَ النبوءةِ من مخيّلة الجنوبْ
                            في كل منفى قلعةٌ مكسورةٌ أَبوابُها لحصارهمْ ’ ولكُلِّ بابْ
                            صحراءُ تكملُ سيرةَ السفر الطويل من الحروب إِلى الحروبْ
                            ولكل عَوْسَجَةٍ على الصحراءِ هاجَرُ هاجَرَتْ نحو الجنوبْ
                            مروا على أسمائهم منقوشةً فوق المعان والحصى
                            لم يعرفوها ....فالضحايا لا تصدِّق حَدْسها..
                            لم يعرفوها...
                            مَمْحُوَّةً بالرمل أَحياناً , وأَحياناً تغطيها نباتاتُ الغروبْ
                            تاريُخنا تاريخيهم , لولا اختلافُ الطير في الرايات
                            وحَّدتِ الشعوبُ – دروبَ فكرتها .
                            نهايتُنا بدايتنا...
                            وإِنَّ الأَرضَ
                            تُورَثُ
                            كاللغهْ
                            لو كان ذو القرنين ذا قرن ’ وكان الكونُ أَكبرْ
                            لتشرَّقَ الشرقيَّ في أَلواحِهِ ..
                            وتغرَّبَ الغربيُّ أَكثرْ
                            لو كان قصيرُ فيلسوفاً كانت
                            الأرضُ الصغيرةُ دارَ قيصرْ
                            تاريخُنا تاريخنا...
                            ولنَخلة البدويَّ أن تمتدِّ نحو الأَطلسيِّ
                            على طريق دمشقَ كي نشفى من
                            الظمأ المميت إلى غمامهْ
                            تاريخُنا تاريخهم
                            تاريخهم تاريخُنا
                            لولا الخلافُ على مواعيد القيامهْ !
                            من وحَّد الأَرضَ العنيدة خارج السيفِ المُرَصَّع بالحماسةِ؟
                            لا أَحدْ...
                            من عاد من سَفَرٍ إلى حَبَقِ الطفولةِ؟
                            لا أَحَدْ
                            من صاغَ سيرته بمنأى عن هُبُوب نقيضها
                            وعن البطولةِ؟
                            لا أَحدْ...
                            لا بُدَّ من منفى يَبيضُ لآلئ الذكرى ويختزلُ الأَبَدْ
                            في لحظة تسعُ الزمانَ ,
                            ...لعلَّهم كتبوا على أَسمائهم أسماءَهم ,
                            وتذكروا في فضة الزيتون أَوَّلَ شاعرٍ
                            سَجَّى هناك سماءهم
                            يا بحر إِيجةَ ’ عُدْ بنا يا بحرُ..قد نبحتْ كلابُ العائلاتْ
                            لتعيدَنا من حيث هَبَّتْ ريحُنا ...فالنَّصْرُ مَوْتْ
                            والموتُ نصرٌ في هِرَقْلَ...وخطوةُ الشهداء بَيْتْ
                            نجن الذين أتو لكي يأتون وينتصروا ...رمتنا الكاهناتْ
                            بشمال غربتنا ولم يَسْأَلنَ عن زوجاتنا .
                            من ماتَ ماتَ,
                            ومن تذكَّر بيتَهُ قتل المزيد من العجائر والبناتْ
                            أَلقى بأَطفال المدينة من أسرتهم إلى
                            الوادي السحيق
                            ليعود قبل الوقتِ من الشيطان،
                            هل خُنَّا نظامَ ضميرنا
                            لتخوننا زوجاتُنا ؟
                            كان الضميرُ إليهنَّ البخورَ وعطرَ هيلينَ الجميلة
                            النصر موت كالهزيمة ’
                            والجريمة قد إلى الفضيلة يا بَحْرُ !
                            أَنتَ تُزيَّنُ القتلى بقاتلهم ’ أَعِدْنَا أيها البحرُ القديمُ
                            إلى نُباح كلابنا في أَرضنا الأولى

                            تعليق


                            • وتابعْ أَيها البحرُ القديمُ
                              مغامرات البحث عمَّا ضاعَ من أسطولنا ...
                              وزوارق الصيد القديمةِ ،
                              عن رجال أَصبحوا شجراً من المرجان في القيعانِ,
                              أَما نحن , فاحملْنا لنرجعَ
                              من حروب الذَّودِ عن عرشَ السرير إلى فراشِ نسائنا
                              وإلى قماش الحور أَخضرَ في الرمادِ وفي رؤى شعرائنا
                              لا بد من بَرِّ لنرسُوَ فوق خطوتنا وبُنْدُقِ دارنا
                              فالضوء – هذا الضوء ’
                              لا يكفي لنقطف فيه توتَ ديارنا
                              ....كانوا هناك يحاورون الموجَ كي يتشبَّهوا
                              بالعائدين من المعارك تحت قوس النصر .
                              لم تذهب منافينا سدى أَبداً ’
                              ولم نذهب إلى المنفى سدى .
                              سيموت موتاهم بلا ندمٍ على شيءِ وللأحياءِ
                              الماضي بحاضرهم ’ وأن يبكوا على مهلٍ على
                              مهلٍ لئلاَّ يسمع الأَعداءُ ما فيهم من الخزف
                              المكسَّر أَيها الشهداءُ قد كنتم على حَقَّ ’
                              لأَن البيت أَجملُ من طريقِ البيتِ ,
                              رغم خيانةِ الأَزهار ’
                              لكنَّ النوافذَ لا تُطلُّ على سماء القلب...
                              والمنفى هو المنفى هنا وهناك .
                              لم نذهب إلى المنفى سُدىً أَبداً ’
                              ولم تذهبْ منافينا سُدىً

                              والأرضُ
                              تُوْرَثُ
                              كاللغة !
                              ....لم يُشْبهوا الأسرى ’
                              ولم يتقمَّصُوا حريةَ الشهداءِ .
                              لم يتخلَّصوا من صيف وحشتهم .
                              لماذا أَشعلوا الجبلَ البعيد بنارِ وحشتهم ’
                              وغابوا حين لم يجدوا لمنحدراتهم طُرُقاً
                              تُوزِّعهم على الوديان ؟
                              قد يأتي الرعاةُ الأولون
                              إلى الصدى .
                              قد يعثرون على بقايا صوتهم وثبابهم ,
                              وعلى زمان سلاحهم ,
                              وعل تعرُّج نايِهِمْ مِنْ كُلِّ شعبٍ أَلَّفوا أسطورةً
                              كي يشبهوا أَبطالها ’ في كلِّ حربٍ ماتَ منهم
                              فارسٌ ’ لكنَّ للأَنهار وِجْهَتَها وليس الأَمس أَمس
                              ليسكنوا أَعلى قليلاً من مَصَبِّ النهرِ
                              جيتاراتُهُمْ فَرَسٌ وأَندلُسٌ على قدَمَيْ
                              فتاةِ الريحِ دُقِّينا على إِبَرِ
                              الصنوبرِ الغابات دُقِّينا تَرِقَّ الروحُ
                              فينا نتركِ الميناء للميناء دُقَّينا
                              بايقاع النبيذ على سواد السرِّ بين الأَبيضين
                              وَخلِّصينا الآن من مُرْجانِ واديكِ
                              الكبير وعَلِّمينا مهنةَ الفَرَحِ المَسَلح
                              بالدم الغجريِّ دُقِّينا ودُقّي ما يُطلُّ
                              من القلة بكعبك العالي لتلتفت
                              الشعوبُ إلى بداية حربها : رَجُلٌ
                              يفتش في البراري عن سكينته
                              ويسكن امرأَهْ
                              ....وعلى أَعالي الموج ,
                              موج البحر والصحراء كانوا
                              يرفعون جزيرةً لوجودهم
                              إِني وقد دافعتُ عن سَفري إِلى
                              قَدَري أدافع عن نشيدي
                              بين النخيل وظلِّه المثقوبِ .
                              من عدمى سأمشي من جديدِ
                              نحو الوجود – يقول شاعرهم وقد عادوا –
                              سأترك للبعيدِ
                              ولزهرة الليمون جِسْرَ الأَزرقِ المكسورِ
                              بالأمطار .مُرُّوا
                              يا منشدونَ , إذا استطعتم أَن تُعيدوا
                              للخيول صهيلها ’ مُرُّوا إِذاً يا منشدونْ
                              الخيلُ تلهثُ خلف قلبي وهو يقفز من يديَّ إلى السدودْ
                              ها نحن نحن, فمن يغيَّرنا ؟ نعودُ ولا نعودْ
                              ونسير فينا...
                              عندما يأتي نهارٌ واحدٌ لا موتَ فيه
                              وليلةٌ لا حلمَ فيها ,
                              نبلغ الميناءَ محترقين بالوردِ الأَخيرِ
                              وكأَنهم عادوا ,
                              لأَن البحر يهبط عن أَصابعهم
                              وعن طرف السريرِ
                              كانوا يرون بيوتهم خلفَ السحابِ
                              ويسمعون ثُغاءَ ماعزهم , وكانوا
                              يتحسَّسون قُرونَ غزلانِ الحكايةِ..
                              يضرمون النارَ فوق التَّلِّ . كانوا
                              يتبادلون الهالَ كانوا يعجنونَ فطائرَ
                              العيد السعيدِ
                              أَتذكرون؟
                              أَيامَ غربيتنا هناك ؟
                              ويرقصون على الحقائبِ ساخرينْ
                              من سيرة المنفى البعيد ومن بلاد
                              سوف يهجرها الحنينْ
                              هل تذكرون حصارَ قرطاجَ الأَخيرْ؟
                              هل تذكرون سقوطَ صورْ
                              وممالكَ الإفرنجِ فوق الساحلِ السوريَّ ’
                              والموتَ الكبيرْ
                              في نهر دجلةَ عندما
                              فاضَ الرمادُ على المدينةِ والعصورْ؟
                              ((ها نحن عدنا يا صلاح الدين))...
                              فابحث عن بَنِينْ.

                              تعليق


                              • كانوا يعيدون الحكاية من نهايتها إلى زمن الفكاهةْ
                                قد تدخل المأساةُ في الملهاة يوماً
                                قد تدخل الملهاةُ في المأساة يوماً..
                                في نَرْجسِ المأساة كانوا يسخرونْ
                                من فِضَّة الملهاة , كانوا يسألون ويسألون:
                                ماذا سنحلم حين نعلم أَن مريمَ امرأة؟
                                كانوا يشمّون الحشائشَ وهي تفتح في الجدار
                                ربيعَها وجروحَهم
                                وتعيدهم من كل منفى .
                                لَسْعَةُ القُرَّاصِ تشبهُ لسعةَ الأَفعى
                                ورائحةُ الحَبَقْ
                                هي قهوة المنفيّ ...
                                ممشى للعواطف حين تمشي في منازلها...
                                وصلنا !
                                صَفَّقُوا لكلابهم , لبيوت عودتهم , لأَجدادِ الحكايةِ ,
                                للمحاريث القديمة ,
                                لاحتكاك البحر بالبصل المُعَلِّق فوق أَسلحة قديمهْ
                                ما كان كانَ ومازحَ الأَزواجُ زوجاتِ الجنازاتِ :
                                انتهينا من دموع النادباتِ ’ الراقصات , الباكياتْ
                                نروى , إذاً ,
                                رَكْضَ القلوبِ مع الخيول إلى هبوب الذكرياتْ
                                نروي صُمُودَ هِرَقْل في دمه الأَخيرِ
                                وفي جنون الأمهاتْ
                                ونَكُونُهُ ,
                                ونكونُ أُوليسَ إِذا أَرادَ البحرُ ذلك يا بناتْ
                                نروي ونروي ’ حينما نروي ,
                                نداءَ القائد الكُرديِّ
                                للمتردِّد العربيِّ : هاتْ
                                سيفاً
                                وخُذْ مني الصلاةَ على النبيِّ وصَحْبِهِ
                                ونسائِهِ
                                وخذِ الزكاةْ
                                ...ضحكوا كثيراً :
                                قد يكون السجن أَجمل من بساتين المنافي
                                ورأوا نوافذهم تطلّ على فُكاهتهم
                                وتُوقد ورْدَها حول الضفافِ
                                ما كان كانَ , سيقفزون على السلالم ,
                                يفتحون خزائن الذكرى
                                وصندوقَ الثيابِ
                                يُلَمِّعُون مقابضَ الأَبواب أَحياناً,
                                وأَحياناً يَعُدُّون الخواتمْ
                                كُبرَتْ أَصابعُهُم مع الأَيام وانتفخت محاجرهم
                                ولم يجدوا على صَدَأ المرايا
                                والزجاج وجوههم
                                حسناً ,
                                ستتسع الحديقةُ عندما يصلون بعد هنيةٍ
                                قبل النشيدْ
                                وسينظرون وراءهم :
                                هانحن نحن , فمن سيُرجِعُنا إِلى الصحراءِ؟
                                سوف نُلَقِّن الأَعداء درساً في الزراعة
                                وانبثاق الماء من حجرٍ...
                                سنزرع فلفلاً في خوذة الجنديِّ ...
                                نزرعُ حنطةً في كل منحدرٍ لأنَّ القمح أَكبر من
                                حدود الإِمبراطورية الحمقاءِ في كل العصورِ
                                سنقتقس عادات موتانا ونغسل فضَّة الأشجار
                                من صدأ السنينِ...
                                بلادُنا هي أن تكون بلادَنا
                                وبلادنا هي أَن نكون بلادَها
                                هي أن نكونَ نباتَها وطيورَها وجمادَها
                                وبلادُنا ميلادُنا
                                أَجدادُنا
                                أَحفادُنا
                                أَكبادُنا تمشي على أَو زغبِ القطا ,
                                وبلادُنا هي أَن نُسيِّج بالبنفسج نارَها ورمادَها
                                هي أَن تكون بلادَنا
                                هي أن نكون بلادَها
                                هي جَنَّةٌ
                                أَو محنةٌ
                                سَيَّان –
                                سوف نُعَلِّم الأعداءَ تربيةَ الحمام إذا استطعنا أَن
                                نُعَلِّمهمْ وسوف ننام بعد الظهر تحت
                                عريشةِ العنبِ الظليلةِ ,
                                حولنا قططٌ تنام على رذاذِ الضوءِ
                                أحصنةٌ تنام على انحناء شرودها .
                                بَقَرٌ ينامُ ويمضغ الأعشاب َ .
                                ديكُ لا ينام
                                لأن في الدنيا دجاجاتٍ
                                وسوف ننامُ بعد الظهرِ تحت عريشةِ العنبِ
                                الظليلةِ كمْ تعبنا .. كم تعبنا من هواء البحر والصحراءِ –
                                ....كانوا يرجعُونَ
                                ويحلمون بأَنهم وصلوا
                                لأَن البحر ينزل عن أَصابعهم
                                وعن أكتاف موتاهم
                                وكانوا يشهدون ’ فُجاءَةً :
                                ريحانة البطل المسجّى فوق خطوته الأَخيرةْ :
                                أَهنا يموت على مسدسه وسُندسِهِ وعَتْبَتِهِ الأخيرةْ؟
                                أهنا يموت هنا ؟ هنا والآن في شمس الظهيرةْ
                                والآن , هَزَّت إصبعاه بشارةِ النصر الأخيرةْ
                                بوَّابةَ البيتِ القديم , وهزَّ أَسوار الجزيرةْ
                                الآن سدَّدَ آخرَ الخطوات نحو الباب ...
                                واختتم المسيرةْ
                                برجوع موتانا . ونامَ البحرُ تحت نوافذ الدّور الصغيرةْ
                                ...يا بحرُ ! لم نخطئ كثيراً ..
                                أيها البحرُ القديمْ
                                لا تُعْطِنا ’ يا بحُ ’ أَكثر من سِوان ...
                                نحن ندري
                                أن الضحايا فيك أَكثرُ والمياهْ هي الغيومْ
                                ....كانوا كما كانوا وكانوا يرجعون
                                ويسألون كآبة الأَقدارِ
                                هل لا بُدَّ من بطلٍ يموت لتكبر الرؤيا
                                وتزداد النجومْ
                                نجْماً على راياتنا ؟
                                لم يستطيعوا أن يضيفوا للنهايةِ وردةً
                                ويغَّيروا مجرى الأَساطير القديمة :
                                فالنشيدُ هو النشيدْ :
                                لا بُدَّ من بطلٍ يخرُّ على سياجِ النصرِ
                                في أوج النشيدْ
                                ....يَا أيها البطل الذي فينا .. تَمَهَّلْ !
                                عِشْ ليلةَ أُخرى لنبلغ آخر العمر المُكلَّلْ
                                ببداية لم تكتملْ ،
                                عِشْ ليلةً أُخرى لنكملَ رحلةَ الحُلُم المُضَرِّجْ
                                يا تاجَ شوكتنا ، ويا شَفَقَ الأساطيرِ المُتَوَّجْ
                                ببدايةٍ لا تنتهي . يا أيها البطلُ الذي فينا ...تمهَّلْ !
                                عِشْ ساعةً أُخرى لنبدأ رقصةَ النصرِ المُنَزَّلْ
                                لم ننتصر , بعدُ ’ انتظرْ يا أيها البطلُ انتظرْ
                                فعلامَ ترحلْ
                                قبل الوصولِ بساعةٍ ؟
                                يا أيها البطلُ
                                الذي
                                فينا
                                تمهِّلْ !
                                ...مازالَ فيهم من منافيهم خريفُ الاعترافْ
                                ما زال فيهم شارعٌ يفضي ؟إلى المنفى ...
                                وأَنهارٌ تسير بلا ضفافْ
                                ما زال فيهم نرجسُ رخوٌ يخاف من الجفافْ
                                ما زال فيهم ما يغيِّرهم إِذا عادوا ولم يجدوا :
                                الشقائق ذاتها
                                وَبَرَ السفرجلة العنيدة ذاتَها
                                والأقحوانةَ ذاتَها
                                والأَكيدنيا ذاتَها
                                وسنابلَ القمح الطويلةَ ذاتَها
                                والبيلسانةَ الثومِ المجفَّف ذاتهَا
                                والسنديانَةَ ذاتَها
                                والأَبجديةَ ذاتَها
                                ...كانوا على وشك الهبوط إلى هواءِ بيوتهم..
                                من أَيَّ حلم يحلمون ؟
                                بأيِّ شيء يدخلون حدائقَ الأَبوابِ
                                والمنفى هو المنفى
                                ...وكانوا يعرفون طريقَهم حتى نهايته وكانوا يحلمونْ
                                جاءوا من الغد نحو حاضرهم ...
                                وكانوا يعرفونْ
                                ما سوف يحدث للأغاني في حناجرهم ...
                                وكانوا يحلمونْ
                                بقرنفُل المنفى الجديدِ على سياجِ البيت ,
                                كانوا يعرفونْ
                                ما سوف يحدث للصقور ’ ويحلمونْ
                                بصراعِ نرْجِسِهم مع الفردوس حين يصير منفاهم ,
                                وكانوا يعرفونْ
                                ما سوف يحدث للسنونو حين يْحرقه الربيعُ ,
                                ويحلمونْ
                                بربيع هاجسهم يجيءُ ولا يجيءُ , ويعرفونْ
                                ما سوف يحدُث حين يأتي الحُلْمُ من حُلُمٍ
                                ويعرف أنه كان يحلمُ ،
                                يعرفُون , ويحلمُون , ويرجعُون , ويخلُمون ,
                                ويعرفُون ’ ويرجِعُون ’ ويرجعُون ’ ويحلُمون ’
                                ويحلُمون , ويحلمُون , ويرجعُون

                                يتبع

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: الجوال والإتصالات نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 07-10-2025 الساعة 01:22 AM
                                المنتدى: الجوال والإتصالات نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 07-04-2025 الساعة 12:04 AM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-21-2025 الساعة 02:38 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: mohamedrabeh الوقت: 06-19-2025 الساعة 11:47 AM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-15-2025 الساعة 12:57 AM
                                يعمل...
                                X