إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحج خواطر و ذكريات لن تنسى

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحج خواطر و ذكريات لن تنسى

    خواطر و ذكريات لن تنسى فى الحج 2016






    الحج .. خواطر و ذكريات لن تُنسى
    *********************
    يحمل حجاج بيت الله الكثير من الذكريات والخواطر حول الحج،
    كيف لا ومناسك الحج والبقاع المقدسة في الحرمين الشريفين
    تفجر في النفس الكثير من الخواطر والذكريات والعبر والأسرار..
    و في هذه المساحة من متصفحى أسجل بعض خواطرى في الحج ،
    و كيف عشت كل لحظة من لحظاته الروحانية
    و كل أوقاته و فيوضاته و معانيه بكل جوارحى .



    فقد منَّ الله عليَّ بالحج هذا العام
    اللهم تقبله منى و أنت ضاحك إلىَّ و راضٍ عنى
    تقبله من كل من كُتب لهم و أدوه ..
    اللهم حجاً مبروراً ، و سعياً مشكوراً ، و ذنباً مغفوراً إن شاء الله .





    مشاعر كثيرة ، مختلطة ، و أحيانًا متضاربة ،
    و بالاختصار مشاعر إنسانية شتى
    تنتاب كل من يكتب له الله - تعالى -
    سلوك سبيل تلك الرحلة الفريدة ..
    رحلة الحج التي قُمت بها هذا العام
    و لما اختلطت المشاعر و الأحاسيس
    قررت أن أكتب بعضها لأوصلها للآخرين
    لعلنا نعيش هذه المشاعر معا .. نفحات الحج و بركاته و فيوضاته
    و لعل الله يمن علينا بها مرات عديدة .. عبادة و ليست عادة .




    شهر ذى الحجة لعام 1437هـ
    شهر سبتمبر لعام 2016 م
    تاريخ لن أنساه أبداً ..
    و سيظل بذاكرتى لا يمحوه الزمان




    ما أجمل ان تتحمل المشاق و تمضى فى طريقك
    إلى بيت ربك و مولاك لتؤدى عباده من أعظم العبادات
    و تقصده بعبادتك لا سواه
    وتتوجة له بالدعاء و المُناجاة
    و تجلس وكل همك طاعة الله
    و تحرص على رضاه
    تبتعد عن الناس لتأنس برب الناس
    و يكون مصحفك رفيقك ، و ذكر ربك جليسك .




    لقد تحقق حلم جميل طالما راودنى ..
    نعم .. كان يهفو قلبى لها .. لمكة و البيت العتيق
    و تشتاق نفسى لزيارة الحبيب .. محمد صلى الله عليه و سلم
    و تتوق روحى لشذى عبيره .. و ما فيه من رحمات
    و تفيض الدمعات ..




    حمداً لك يا الله أن بلغتنى حج بيتك هذا العام
    فياله من كرم و فضل من خالقى العظيم
    و أسأله سبحانه أن يُبلغ كل مشتاق حج بيته الحرام .






    و اللي هويته اليوم .. دايم وصاله دوم
    لا يعاتب اللي يتوب .. و لا في طبعه اللوم
    واحد مافيش غيره .. ملا الوجود نوره
    دعاني لبيته .. لحد باب بيته
    و اما تجلى لي .. بالدمع ناجيته





  • #2
    حج مبرور و سعي مشكور و تجارة لن تبور
    الف تحية و تهنئة على حجك المبارك هذا
    فقد اكملت ركنا ميمونا من اركان الدين
    و حققت بمشيئة الله حلما جميلا يراود
    ملايين المسلمين فأنت تستحقين كل خير
    لأنك متواصلة في قلبك و لسانك و قلمك مع القيم
    الإسلامية السمحاء فمرحبا بك على سلامة العودة
    و لقد مرت علي هذه المشاهد في العام الماضي
    و لكن الفرحة لم تكتمل بسبب رحيل ابنتي
    و كان امر الله محتوما

    تعليق


    • #3
      الأستاذ الفاضل والوالد العزيز جابر الخطاب
      جزيل الشكر لتواجدك الكريم بموضوعى
      تشرفت بزيارتك وحضورك الجميل
      وسرتنى تهنئتك الجميلة وكلماتك الطيبة
      شاعرنا القدير..
      طيب الله خاطرك وأسعد قلبك وأذهب عنه الأحزان
      وجزاك ربى خير الجزاء

      تعليق


      • #4





        1-إنه النداء الإلهى
        ************
        في كل عام، و مع اقتراب موسم الحج
        يشتد شوقي و حنيني لبيت الله الحرام،
        و أشعر أن دقات قلبي تُلبي مع كل من لبى و طاف،
        و كل ذرة في جسدي تهفو إلى إجابة دعوة
        سيدنا إبراهيم -عليه السلام- ، فتسارع بالتلبية و التكبير ،
        و تفيض عيني بالبكاء ، و أردد في شوق و حنين
        ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ).



        ترى هل يأتي يوم أحج فيه إلى بيت الله الحرام؟!
        لألبي دعوة أبينا إبراهيم -عليه السلام-
        وأكمل الأعمدة الخمسة لإسلامي،
        ويلبي معي الشجر والحجر،
        فقد قال - صلى الله عليه وسلم-:
        " ما من مسلمٍ يلبِّي إلاّ لبَّى من عن يمنيه أو عن شماله من حجر
        أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرضُ من ها هنا وها هنا"

        [الترمذي].




        ترى هل تنادي الملائكة من السماء:
        لبيك وسعديك، زادُك حلال وراحلتُك حلال؟! ؛
        لأعود بحج مبرور وذنب مغفور،
        تُرى سأكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم:
        "إذا خرج الحاج حاجّا بنفقة طيبة ووضع رِجله في الغرز
        (وهو ركاب من الجلد) فنادى: لبيك اللهم لبيك،
        ناداه مناد من السماء (أي مَلَك): لبيك وسعديك،
        زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور"

        [رواه الطبراني في الأوسط].



        ترى هل يأتي يوم أطوف فيه حول الكعبة،
        وأقبل الحجر الأسود، كما قبله
        النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة؟!

        ترى هل يأتي يوم أسعى فيه بين الصفا والمروة،
        كما فعلت أمُّنا هاجر؟!

        ترى هل أشد الرحال إلى مسجد رسول الله وأصلي فيه ؛
        لأحظى بثواب ألف صلاة أو أكثر،
        فقد قال صلى الله عليه وسلم:
        "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه
        إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام
        أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه"



        ومع كل هذه المشاعر الغامرة،
        كنت لا أملك سوى الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه
        أن يرزقني حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا.

        نعم .. كنت أدعو الله كثيرا بنية مُخلصة،
        وكنت دائما أردد هذه الأيات من سورة الحج
        (
        وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا
        وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
        لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ
        مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ
        فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
        ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
        وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29))
        ثم ألبى بعدها
        لبيك اللهم لبيك ... لبيك لا شريك لك لبيك ...
        إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ...لبيك



        وكنت أقرأ دائما سورة قريش
        لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
        فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
        وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)

        ثم أدعو بعدها
        اللهم أطعمنا كما أطعمتهم،
        وآمنا كما آمنتهم،
        وأرزقنا زيارة بيتك الحرام
        يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام.




        ثم كانت المفاجأة السارة هذا العام
        أن وجدت أسمى أنا وزوجى فى
        الفائزي
        ن بقرعة الحج هذا العام
        تا ريخ لن أنساه أبدا
        شهر ذو الحجة لعام 1437هـ
        شهر سبتمبر لعام 2016 م

        لقد أذن الله لى بحج بيته الحرام
        إنه النداء الإلهى..
        إذا أعلن عنه يوم القرعة ذلك اليوم المشهود
        لكثير من المسجلين وقد اختلطت فيه أوراقهم
        داخل صندوق الاقتراع بقلوبهم..
        لا يكاد أحد يرى اسمه فى الفائزين بالقرعة
        هلل وكبر وطار قلبه فرحا وشوقا واستقبل التهانى،
        والكل قد تمنى أن يرى اسمه فى الفائزين بالقرعة،
        وهو على يقين أنّه إذا نادى المنادي ودعَا الداعي
        فلا رادَّ لفضله سبحانه.. ذلك أنّه اجتباء ربّاني..
        وكيف لا يكون كذلك والوافدون إلى بيته العتيق هم وفده وضيوفه..



        وتكون نتيجة القرعة ما بين مسرور شاكر وجهه يتلألأ ،
        وحزين كسيف لسان حاله ما قاله الإمام البرعي
        وقد تقطّعَت به السُّبُل:
        يا راحلين إلى مِنًى بانقياد *** شوّقتمو يوم الرّحيل فؤادي
        سِرتُم وسار دليلكم يا وحشتي *** العيس أطربني وصوت الحادي
        لي مِن رُبى أطلال مكة مرغب *** فعسى الإله يجود لي بمرادي
        النّاس قد حجُّوا وقد بلغوا المُنَى *** وأنا حججتُ فما بلغتُ مرادي
        يا ربِّ أنتَ وصلتهم وقطعتني *** فبحقِّهم يا ربِّ حُل قيادي
        لله يا زُوّار قبرَ محمّدٍ *** مَن كان منكم رائحاً أو غاد
        فليُبلِّغ المختار منّي ألفَ تحية *** مِن مُحبّ متّبِع متقطع الأكباد
        قولوا لهُ عبدُ الرّحيم مُتَيَّمٌ *** مفارق الأحباب والأولاد
        ومع هذا الحرمان الممزوج بالشّوق والألم..
        لم ييأس ولم يقنَط فهو على يقين أنّ دوره لم يحِن بعد...
        أمّا الفائزون وقد دخلوا مرحلة الإعداد وتجديد العهد..
        إعداد نفسي ومادي..
        وتجديد العهد مع الله عزّ وجلّ بالتّوبة النّصوح.



        تعليق


        • #5






          2- لِما أنت ؟
          وماذا عليك أن تفعل ؟؟
          ***************
          بدأت بالاستعداد لهذا الحدث العظيم قلبًا وقالبًا،
          وبدأت أقرأ فى الكتب عن الحج وأستمع إلى المحاضرات
          وأجهز الكتب الخاصة بالأدعية لأستعين بها،
          وكان أهم ما رسخ في ذهني محاضرة تحدَّث فيها الشيخ
          عن كيفية الاستعداد لهذه الرحلة العظيمة ،
          وماهو أهم وأغنى مصدر يمكننا أن ننهل منه؛
          سورة في القرآن أنزلها الله تعالى على نبيه ،
          فُضّلت على سائر القرآن بسجدتين.. وسمّاها بـ "سورة الحج"
          ذكرَ سبحانه فيها كيف أمر إبراهيم عليه السلام
          بالدعوة إلى حج البيت الحرام،
          وماشرع فيه للناس من المناسك،
          ومافي الحج من فضائل ومنافع.



          ذكر القرطبي عن الغزنوي قال:
          "سورة الحج من أعاجيب السور نزلت ليلا ونهارًا ، سفرًا وحضرًا،
          مكيًا ومدنيًا، سلميًا وحربيًا، ناسخًا ومنسوخًا، محكمًا ومتشابهًا"
          من هذا المنطلق.. بدأت أقرأ هذه السورة العظيمة قراءةً مختلفة!
          قراءة شخصٍ ضلّ طريقه في صحراء قاحلة ونفذ زاده
          حتى وجد في طريقه بحيرة ماء فركض نحوها يغترفُ ويرتوي..
          "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ"
          أدركتُ حينها أنّ رحلة الحجّ هذه
          ليست مجرّد رحلة أو نُسك نؤديه وكفى!
          حين قرأت الآية الأولى شعرت أن الحج
          يرتبط ارتباطًا وثيقًا بـيوم القيامة.. بـ "زلزلة السّاعة"!
          ليس هذا فقط.. فسورة الحجّ مليئةً بما هو جدير بنا أن نعلمه
          ونفقهه قبل سلوك سبيل تلك الرحلة العظيمة في معانيها ومناسكها!



          كانت تمر بى الأيام و أنا أحلم كل يوم و كل ليلة
          بالحدث العظيم الذى أنا مقدمة عليه ،،
          و لا أكاد أصدق نفسى بأنه سيحدث فعلا،
          و كلما اقترب الموعد ازداد خفقان قلبى و اضطربت جوارحى،
          و رقصت جوانب قلبى فرحا و خوفا من ألا يتم هذا الحدث،،

          مرت الأيام و جاء اليوم المنتظر و ماغمض لى جفن وقتها ،
          و مسكت بأوراقى و مذكرات مهمة كنت أقرأ بها لتعيننى
          على ما أنا مُقدمة عليه.



          ركبت مع زوجى الطائرة..
          انطلقت بنا الى مكان الحدث الجليل .. إلى أطهر بقاع الأرض
          و أنا كأننى مسافرة على جناح طائر السعادة و الرضا .
          وصلنا إلى البيت الحرام ،،
          يا الله ها أنا ذا أقف بين يدى الله فى بيته الحرام
          ما أنا بمصدقه ، ما أنا بمستوعبه لما أنا فيه ،
          أول مرة تطأ فيها قدمى هذا المكان الطاهر،
          و ها أنا ذا اقف أمام الكعبه المشرفه ،،
          احساس بالقشعريرة ملأ بدنى و ترغرت عيناى بالدموع
          و كتمت ابتساماتى و صوتى من أن ينطلق بنحيب
          من دموع السعاده و اللهفه ،،،



          لقد أرادنى ربى أن أزور بيته الحرام
          و ما كنت يوما أتوقعها لنفسى بهذه السرعه،
          سبحانك ربى ترزق من تشاء بغير حساب
          و تعز من تشاء و تذل من تشاء .. و أى اعزاز و كرم
          أكثر من هذا .. اننى هنا احج بيت الله الحرام،
          و أطوف حول الكعبه و أزور منى و أرمى الجمرات،
          و أشرب من زمزم .
          احساس لا يوصف و سعادة جمة و رضا لم استشعره من قبل .
          الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله


          عندما يقف المسلم في الكعبة المشرفة بيت الله العتيق
          ينظر حوله يجد مختلف الجنسيات بأعداد كبيرة
          فيتذكر أن من هؤلاء الحجاج من يحج لأول مرة ،
          ومنهم من يحج لأكثر من مرة ،وآخرون كُثر لم يأتوا للحج ،
          وهناك من يجاورون الحرم وقد نووا الحج
          لكن تحدث لهم ظروف لاتمكنهم من آداء الحج ،
          وآخرون لم يفكروا فيه !!!
          وكأن الحج ليس ببعد المكان ولاالزمان،
          ولا بعدد التأشيرات التي تسمح بها الدولة ....
          لكن الحج (( منـــــــــــــــــــــــ ـــة )) من الله سبحانه وتعالى
          على هذا العدد فقط .. عدة ملايين ممثليين عن ملايين كثر
          في العالم .... وقد يكتبها بالأجر لآخرين لم يأتوا !!!



          فلِمَا أنت ؟؟ !!
          لما حباك ربك واجتباك بأن تقف في بيته
          وتؤدي مناسك الحج وتعظمها !! اختارك لتلبيته ..
          هذه المنة العظيمة التي يشعر بها الحاج وهو يرفع أكفه بالدعاء
          تضرعا إلى الله سبحانه وتعالى، فقد أصبح حاجا بفضل الله،
          ويتحسر عليها من يسمع التلبية وهو جالس في بيته
          وفي بلده قرُبَ أو بَعُدَ عن مكة .. لأنه ليس حاجا ،
          فمع هذه المنة العظيمة فماذا ترانا علينا أن نفعل ؟؟؟



          الحج هو الفرصة الحقيقة لبداية جديدة لحياة بلا معاصٍ ولا ذنوب،
          نعم.. فالحج يجبُّ ما قبله،
          فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يبشرنا فيقول:
          " من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج
          من ذنوبه كيوم ولدته أمه"

          [رواه البخاري].



          والنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا ما للحج من أجر وثواب فيقول:
          "ما ترفعُ إبلُ الحاجّ رِجْلا ولا تضع يداً إلا كتب الله تعالى
          بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة".


          بل الأكثر من ذلك، أن الله سبحانه وتعالى الكريم اللطيف
          ذا الفضل والإحسان يفيض علينا بفضله ومنِّه،
          فيكون الجزاء العظيم، الجنة.. نعم الجنة،
          ويا لها من أمنية غالية!،
          فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
          "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما،
          والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"

          [البخاري ومسلم].



          الكثير منا تمنى أن ينال شرف المرابطين والمجاهدين،
          فمنزلة الجهاد عظيمة، وها هي الفرصة للجهاد،
          فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمى الحجَّ جهادًا
          فيقول: شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين.

          ولعلنا ندرك أن منزلة الحج لا تقل عن منزلة الجهاد
          من حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
          "الغازي في سبيل الله والحاجُّ والمعتمر وفدُ الله،
          دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"




          وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الحج للنساء جهادًا.
          فقد روى البخاري أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:
          يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟
          قال: "لا، لكنَّ أفضل الجهاد حجٌّ مبرور".



          وقد سئل عليه الصلاة والسلام: أي العمل أفضل؟
          فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟
          قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟
          قال: حج مبرور"

          رواه البخاري ومسلم.



          ولذلك ماذا عليه أن يفعل كل من واتته الفرصة
          لزيارة بيت الله الحرام والفوز بالحج؟؟

          على كل من أنعم الله عليه بفرصة الحج، عليه باستحضار النية،
          وأن يكيد للشيطان، فلا يعطه الفرصة ليضيع عليه هذه الغنيمة..
          إنها الجنة فلا يضيعها، وليحرص أن يكون حجه مبرورا
          وذنبه مغفورا، وأن يتوجه لله بالدعاء والذكر والحمد الكثير
          فى هذه الأماكن المقدسة الطاهرة بأن منحه ومنَّ عليه
          بهذه النعمة العظيمة.


          تعليق


          • #6






            3- اللهم حجة لا رياء فيها ولا سُمعة
            ***********************
            فى موسم الحج تظلنا ظلال الأمن والأمان من الأرض المباركة
            التي أَهْدَتْ إلى العالم أعظمَ رسالة وأصدقَ راية،
            وفيها تَعْذُبُ المناجاة، وتحلو الطاعة،
            ويسري نورُ الإيمان بين الجوانح،
            ويشعر المسلم أنه فوق عالَم البشر، يُجَنِّح مع الملائكة الكرام؛
            فالذنبُ مغفورٌ، والسَّعيُ مشكورٌ،
            وكلُّ خطوة يخطوها الحاجُّ تكتب له ملائكةُ الرحمة
            بها حسنةً، وتضع عنه بها سيئة.
            فالحجاجُ يلبُّون راجين، ويسعَوْن مُحبين وطائعين،
            ويطوفون مذعنين ومشتاقين، ويرمون مهللِّين،
            ويصعدون ويهبطون مكبِّرين؛
            فيجيب الحق –جل وعلا- كلًا منهم:
            لبيك عبدي وسعديك، والخير بين يديك.


            ولذلك يجب على الحاج أن يحرص أن يكون حجه مبروراً
            وأول الأمور التي يكون بها الحج مبروراً،
            ميزان الأعمال وأساس قبولها عند الله
            وهو إخلاص العمل لله والمتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -
            فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغِيَ به وجْهُه،
            فعلى الحاج أن يفتش في نفسه، وأن يتفقد نيته،
            والحذر كل الحذر من أي نية فاسدة تحبط العمل،
            وتذهب الأجر والثواب، كالرياء والسمعة
            وحب المدح والثناء والمكانة عند الخَلْق،
            فقد حج نبينا عليه الصلاة والسلام على رحل رث
            وقطيفة تساوي أربعة دراهم ثم قال:
            (اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة)
            كما روى ابن ماجة .



            فعلى الحاج أن يحذر من أن يُخدش الإخلاص أثناء الحج،
            بإظهار الاجتهاد في الطاعة، أو الخشوع في الصلاة،
            أو الضراعة في الدعاء، أو كثرة النوافل، أو النصح والتذكير؛
            طلبا لمدح الناس وأن يكبر في أعينهم؛ وكل هذا قادح في
            الإخلاص، مؤثر في العمل وثوابه إما إحباطا وإما إنقاصا.
            كما أنه قد يفوته أجر عظيم بخدمة الرفقة
            والسعي في حاجاتهم إذا كان القصد نيل ثنائهم.




            قال عليه الصلاة والسلام:
            (إن أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر.
            قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء,
            يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جُزيَ الناس بأعمالهم:
            اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا
            فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً)
            أخرجه أحمد في مسنده (39/39)



            ومن أمثلة ما قد يعرض للحاج من هذا الداء الخطير:
            أن يحج ونيته مدخولة؛ أن يتباهى بحجه
            -أو عدد حجاته- إذا رجع إلى بلده،
            وأن يحرز لقب (الحاج) الذي ينال به منزلة
            بين قومه لم ينلها من قبل.


            ولذلك كان من أول ما يلزم للحجِّ هو النيّة الطاهرة الصادقة
            التي يعزم فيها المسلم على الرحيل إلى ربه بنفس مؤمنة،
            وذات تائبة، وهمّة معرضة عن الشهوات والملذات،
            مقبلة على الطاعات والقربات، لأنه سيحل ضيفاً
            على ربه عزّ وجلّ، حول بيته الذي جعله الله مباركاً وهدى للعالمين .
            فالحج فريضة العمر للمسلم،
            والإيمان والإسلام يبدآن بكلمة التوحيد الخالص: لا إله إلا الله،
            تلك الكلمة التي جاهد عليها الأنبياء جميعاً،
            فقد قالوا لأقوامهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .
            وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
            أفضل ما قلتُه أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله .





            ومن الأمور التي تعين العبد على أن يكون حجه مبروراً،
            الإعداد وتهيئة النفس قبل الحج، وذلك بالتوبة النصوح،
            واختيار النفقة الحلال والرفقة الصالحة،
            وأن يتحلل من حقوق العباد،
            ومن علامات الحج المبرور طيب المعشر، وحسن الخلق،
            وبذل المعروف، والإحسان إلى الناس بشتى وجوه الإحسان،
            من كلمة طيبة، أو إنفاق للمال، أو تعليم لجاهل،
            أو إرشاد لضال، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر،
            وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول:
            إن البر شيء هين، وجه طليق وكلام لين .



            إن الحج فرصة غالية، فلا يضيعها ،
            فربما لا تعود تلك الفرصة مرة أخرى،
            فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
            "هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤمُّ هذاالبيت
            مِن حاج أو معتمر، كان مضمونًا على الله،
            إن قبضه أن يُدخله الجنة، وإن رَدَّه رَدَّه بأَجْرٍ وَغَنِيمَة".




            فيجب أن يكون الحاج حريصاً أن يكون حجه مبرورا،
            وأن يجاهد نفسه ويروضها، فإنها فرصة العمر فلا يضيعها،
            وعلى قدر ما يبذله من عناء وتعب وجهد،
            يكون الأجر إن شاء الله،
            فعن عائشة رضي الله عنها
            أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها :
            "إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك"
            [رواه الحاكم وصححه الألباني].



            وفي كل عام يذهب إلى الحج المئات والألوف من جميع البلدان،
            ولكن السؤال الذي يطرح نفسه،
            ترى ما عدد من فاز بشرف الحج منهم؟!
            أراكم تتعجبون.. لا تتعجبوا.
            فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما لمجاهد حين قال:
            ما أكثر الحاج!!
            قال: (ما أقلَّهم ولكن قل: ما أكثر الركب).

            فالحج يحتاج إلى إخلاص،
            وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قائلاً:
            "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".



            والحج المبرور هو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:
            " من حجَّ لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدتْه أمّه".
            وحينما سئل – صلى الله عليه وسلم- عن الحج المبرور قال:
            "إطعام الطعام وإفشاء السلام".

            وعلى الحاج أن يطمئن قلبه بمعية الله والأنس به،
            فهو يكفيه من كل شر وسوء،
            فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم- :
            "ثلاث في ضمانِ الله:
            رجلٌ خرج إلى مسجد من مساجد الله،
            ورجل خرج غازيًا في سبيل الله،
            ورجل خرج حاجًّا".




            وعند العودة من الحج بعد الفوز بالمغفرة والجنة إن شاء الله،
            علي الحاج الاستمرار في الطاعات والاستزادة منها،
            ولا تكتفي بما حققته في الحج،
            فقد روي عن عمر رضي الله عنه
            أنه نظر إلى ركب عائدين من الحج، فقال:
            (لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لاتكلوا،
            ولكن ليستأنفوا العمل).




            تعليق


            • #7





              4- أنت الحق وقولك حق
              ****************
              عندما وصلنا إلى الفندق،
              وبدأنا نستكشف المكان الذي نحن فيه بعد طول عناء،
              تجد نفسك عندما تنظر من نافذة الفندق العالية
              أو تمشي قبل آذان الصلاة .. ترى هذا المنظر البديع،
              فالناس يخرجون من جميع الاتجهات ومن جميع الأماكن
              بخطى حثيثة للاتجاه صوب الحرم الشريف
              وتنظر إليهم فتجدهم من جميع الأجناس والبلدان
              ومن جميع الأعمار، جاءوا في همة ونشاط وتسابق
              ليلحقوا بالصلاة قبل ميعادها ولو بساعة،
              فلا تملك نفسك إلا أن تقول سبحانك
              أنت الحق وقولك حق
              وتتذكر الآية الكريمة:
              (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا
              وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجِّ عَميق )ٍ
              (الحج 27)



              وهنا نتذكر قصة بناء البيت العتيق،
              حيث أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا ابراهيم
              ببناء البيت الحرام - الكعبة -
              وبوأه الله مكانه
              أي أرشده إليه ودله عليه،
              وقيل إن الذي دله على موضع البيت هو جبريل عليه السلام،
              فسافر إبراهيم عليه السلام من بلاد الشام إلى مكة المكرمة،
              فلما وصل إلى مكة وجد إسماعيل يُصلح نبلاً له وراء زمزم
              فقال له: يا إسماعيل إن الله قد أمرني أن أبني بيتًا،
              قال له إسماعيل: فأطع ربك،
              فقال له إبراهيم: قد أمرك أن تعينني على بنائه،
              قال: إذن أفعل،


              فقام إبراهيم إلى مكان البيت،
              فجعل يَبْني وإسماعيل يناوله الحجارة،
              وكلما أنهيا بناء صف منها ارتفع مقام إبراهيم به
              حتى يَبني الذي فوقه، وهكذا حتى تمت عمارتها.
              يَقولُ الله تَبَارك وتعالى:
              {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا
              وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
              وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ
              يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}
              [سورة الحج]



              المقصودُ أن إبراهيم الخليل بَنَى أشرفَ المساجد
              في أشرف البقاع في وادٍ غير ذي زرع،
              ودعا لأهلها بالبركة وأن يُرزقوا من الثمرات
              مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار
              وأن يجعله الله حرمًا ءامنا.
              كذلك سأل إبراهيمُ عليه السلام الله
              أن يبعث فيهم رسولاً منهم أي من جنسهم
              وعلى لغتهم الفصيحة البليغة يعلمهم الكتاب
              والحكمة ويزكيهم ويطهرهم.
              وقد استجاب الله تعالى دعوةَ نبيه إبراهيم
              فبعث في العرب وفي أشرف القبائل منهم
              رسولاً عظيمًا وهو سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين.



              وعندما أكمل إبراهيم بناء الكعبة قال لابنه إسماعيل:
              إيتني بحجر حسنٍ أضعه على الركن فيكون للناس عَلمًا،
              فأتاه جبريل عليه السلام بالحجر الأسود
              فَأخذه وَوَضعه مَوضعه.
              وليعلم أن الحجر الأسود من الجنة،
              وكان
              أشد بياضا من اللبن،
              فسودته خطايا بني آدم .
              عن ابن عباس قال :
              قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
              " نزل الحجر الأسود من الجنة
              وهو أشد بياضا من اللبن
              فسودته خطايا بني آدم " .
              رواه الترمذي ( 877 ) وأحمد ( 2792 ) ،
              وصححه ابن خزيمة ( 4 / 219 ) ،
              وقوَّاه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 3 / 462 ) .




              ثم بعد ذلك أمر الله سبحانه وتعالى نبيه
              إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج؛
              قال تعالى:
              {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا
              وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}
              [الحج:27].



              قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
              "أي: ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج
              إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه.
              فَذُكر أنه قال: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟
              فقيل: ناد وعلينا البلاغ.
              فقام على مقامه، وقيل: على الحجر،
              وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قُبَيس،
              وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه،
              فيُقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض،
              وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلاب،
              وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر،
              ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: "لبيك اللهم لبيك".
              هذا مضمون ما روي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة،
              وسعيد بن جُبَير، وغير واحد من السلف، والله أعلم".



              وهكذا بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة المشرفة
              على أساسها القديم وطهراها من الأرجاس والنجاسات،
              وأذن إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج،
              وبقيت الكعبة بيت الله الحرام الذي كان وما زال وسيظل
              حرمًا آمنًا إلى قرب قيام الساعة بوعدٍ من الله جل وعلا.







              تعليق


              • #8






                5- طواف الكعبة وطواف الكون
                ********************
                توجهنا إلى الكعبة المُشرفة للطواف،
                فراودتنى خاطرة عن هؤلاء الذين يتسـاءلون

                عن حكمة الطواف حول الكعبة ،
                ولماذا هى سبعة أشواط،
                ولماذا يكون الطواف عكس عقارب الساعة؟
                !




                من شعائر الحج ومناسكِه الطواف حول الكعبة المُشرَّفَة،
                وقد يكون طواف قدوم، أو طواف إفاضة أو طواف ودَاع.
                فطواف القُدوم عند رؤية الكعبة.
                فتحية المسجد الحرام بالطواف ،
                على خلاف سائر المساجد التي تُحيَّى بصلاة ركعتين.
                وطواف الإفاضة هو طواف الركن،
                وطواف الوداع لمَن يخرج من مكة ليكون آخر عهده بالبيت الحرام.
                والطواف سبعة أشواط ويكون فى اتجاه عكس عقارب الساعة،
                تبدأ من الحجر الأسود باسم الله وتنتهي به،
                وهو كالصلاة فيشترط له الطهارة من الحدَث والنجَس
                إلا أنه أُبيح لنا الكلام فيه.



                ويتساءل الكثير من الناس عن الحكمة
                من الدوران والطواف حول الكعبة،

                الحكمة من الطواف بينها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال :
                (( إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة
                ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ))
                رواه أبو داود ،
                فالطائف يطوف بجسده وأما قلبه وروحه فإلى الله اتجهاهما ،
                وبه تعلقهما . ولسان الحاج وقلبه يلهجان بقولهما :
                (( لبيك اللهم لبيك ))
                وما سمعنا عن أحد أنه قال : (( لبيك يا كعبة لبيك )) ،
                فالطواف والتلبية استجابة لأمر الله ، وليست للكعبة . .
                ولعل مما يفسر هذا قول بعض الصالحين :
                طاف الجسد بالبيت ، وطاف القلب برب البيت .



                يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
                (( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ
                إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا
                بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ))
                (البقرة:125).

                وأما ما أورده بعض الزنادقه من أن الطواف بالبيت هو وثنية ،
                فذاك من زندقتهم وإلحادهم وجهلهم ،
                فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله ،
                وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى .



                والطواف حول الكعبة كَما قُلنا سابقاً
                يكون بالدوران حوله بعكس عقارب الساعة
                وهو طوافنا حول القبلة والتي هيّ مركز العبادة،
                وأنت عِندما تَطوف حول الكعبة فأنت تطوف حول النقطة
                المركزيّة للعبادة وهيَ قِبلة المصلّين في كافّة أرجاء الأرض،
                ونتذكّر في هذا الصدد أنّ الدوران حول
                المركز يتشابه في كلّ ما خَلَق الله،
                فكلّ شيء يتكوّن من ذرّات وفي داخل الذرّات تكون
                النواة المركزيّة التي تدور الالكترونات السالبة حولها
                وفي اتجاه عكس عقارب الساعة
                كما هو الحال في الطواف حول الكعبة،



                كما أنّ الدوران في الفضاء الخارجيّ للأجرام السماويّة
                هو شبيه بدوراننا حول الكعبة،
                فالأرض تدور حول الشمس
                والكواكب تدور حول الشمس في عكس عقارب الساعة،
                وتدور الشمس والنجوم حول نفسها في اتجاه عكس عقارب الساعة،
                وتشابه الدوران والطواف للذرّات وحتّى المجرّات
                من أصغر جزئية في هذا الكون إلى أعظم ما فيه
                من الأدلّة على وحدانيّة الخالق،
                لأنّ تشابه الخلق دليل أنّ الخالق والصانع هو واحد لا شريكَ له،
                وطواف الكون أمرٌ تقوم بهِ الجمادات قهراً ،
                ونحنُ نقومُ بتأدية هذا الأمر طوعاً وامتثالاً لأمر الله
                الذي ننحني له عبوديةً وامتثالاً لأمره ونهيه.



                والطواف حول الكعبة يستحضر لنا تاريخ الأنبياء
                من عهد إبراهيم وإسماعيل إلى خاتمهم محمد
                صلى الله عليهم جميعًا وسلم،
                ذلك التاريخ الذي يقوم على الجهاد والدعوة في سبيل الله.

                ولعل في طواف المسلم حول الكعبة ما يُحَفِّزه إلى
                طواف العقل والقلب في ملكوت السموات والأرض،
                واستكشاف آيات الأنفس والآفاق.

                فإن الأمة الإسلامية هي أمة القراءة والعلم والحضارة،
                استجابةً لهذا التوجيه الإلهي الأول:
                {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *
                اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
                [سورة العلق: 1- 5].



                ولأول مرة في تاريخ الرسالات تكون معجزة الإسلام الكبرى
                كتابًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،
                يُنادي صباح مساء بالنظر والتأمل ويُطالب بالحجة والبرهان،
                ويدفع إلى البحث عن السنن الكونية،
                ويسبح بالإنسان في أجواء الفضاء،
                ويغوص به في أعماق الأرض،
                ويعلو به قمم الجبال، ويمشي به في حدائق ذات بهجة،
                ويركب معه الأمواج، ويَستَطلِع النجوم،
                ويتعرف على ما خلق الله من دابة.



                فالقرآن كونٌ مقروء، والكون قرآنٌ منظور،
                وصدق الله حيث يقول:
                {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
                وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ
                وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ
                بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
                وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}

                [البقرة: 164].

                إن المسلمين يوم عَقِلوا طواف العقل والقلب في الكون
                حكموا العالم من أقصاه إلى أقصاه،
                وحققوا الفردوس الأرضي،
                وكانت مراكز الحضارة الإسلامية في بغداد ودمشق والقاهرة
                وصقلية وقرطبة وغيرها، مشاعلَ النور والهداية للعالمين.


                تعليق


                • #9





                  6- حج القلوب
                  *********
                  كل القلوب تهفو إلى بلد اصطفاها الرحمن،
                  وتنزل في جنباتها القرآن،
                  فيها وُلد وبُعث سيد الأنام صلى الله عليه وسلم،
                  وفيها نزلت اقرأ والبقرة والحج والأنعام،
                  وعنها قال الرحمن:
                  (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
                  عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ
                  فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
                  وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)

                  سورة ابراهيم 37.




                  فإلى هذا البيت يفد الناس إليه حجاجا وعمارا،
                  ولأجلها يستعد المؤمنون سنينا ودهورا،
                  فقد وفد الناس لها بقلوبهم قبل أبدانهم،
                  ولذا كان لا بد من التركيز عليها قبل دراسة أحكام الحج ومسائله،
                  كيف لا وقد قال ربنا:
                  (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)
                  سورة الحج 32.



                  ومحل تعظيم الشعائر في القلوب
                  قبل أن يظهر ذلك في الأقوال والأفعال،
                  فالحاج المسلم الذي آمن بالركن الخامس من أركان الاسلام
                  يمر بالمشاعر والمواقيت بقلبه شوقا ومحبة
                  وتعظيما ورغبة قبل أن يمر بها بدنه وجسده.
                  لأنه يعلم أن ربه قبل أن ينظر إلى عمله سوف ينظر إلى قلبه.


                  فحج القلب يبدأ قبل حج البدن،
                  وحج البدن تبع لحج القلب،
                  فالإخلاص من أعمال القلوب
                  ولا حج لمن لم يدركها ويحققها في حجه،
                  حج خالص من الرياء والسمعة،
                  قال أنس: حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللُّه عَلَيْهِ وسلم
                  عَلَى رَحْلِ قَطِيفَةٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لِي بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ ،
                  ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ حِجَّةً لا رِيَاءَ فِيهَا وَلا سُمْعَةَ ".
                  رواه ابن ماجة


                  فحج القلوب تتصل بكل شعيرة من شعائر الحج والعمرة
                  في محبة لله وتعظيمه وإجلاله والخضوع له
                  والتوكل عليه واليقين، والرجاء وغيرها،
                  والإخلال أو التقصير في أحد هذين الأمرين
                  يضعف أثر الحج والعمرة في النفس، ويقلل من الأجر،
                  ويصبح الحج مجرد روتين وأعمال ظاهرية فقط،
                  والمتأمل يجد أن أغلب آيات الحج قد قرنت بأعمال القلوب.



                  فالحج والعمرة من العبادات العظيمة التي تصلح بها القلوب؛
                  لأنهما تشتملان على أهم أعمال القلوب؛ كتوحيد الله وتعظيمه
                  ومحبته، والشوق إليه، والخوف منه ورجائه.
                  والخضوع والتسليم والصبر والتوكل وغيرها
                  من أعمال القلوب، هي روح الجوارح وأساسها.
                  وأعمال لا روح لها كالبدن الذي لا روح له.
                  وقد أمر الله -جل وعلا- الحجاج بأن يتزوّدوا للحج بزادين،
                  أحدهما حسي يوصلهم إلى مكة ويكملوا به حجهم،
                  وآخر معنوي يوصلهم إلى ربهم فيقبل حجهم ويخرجهم به
                  من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، وهو زاد التقوى،
                  قال -تعالى-:
                  (وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)
                  [البقرة: 197].
                  وأصل التقوى عمل القلب،
                  قال - صلى الله عليه وسلم -: ((التقوى ها هنا))
                  ويشير إلى صدره ثلاث مرات.
                  أخرجه مسلم رقم (2564).



                  وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا مناسككم)).
                  أخرجه مسلم رقم (1297).
                  فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الكرام
                  -رضوان الله عليهم- بأن يأخذوا المناسك عنه
                  - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً.

                  فكما كان يعلمهم كيفية الطواف والسعي وسائر المناسك،
                  كان في الوقت نفسه يعلمهم كيف يطوف الحاج والمعتمر منهم
                  ويسعى معظماً لربه محباً له خاضعاً خاشعاً باكياً...
                  ونحوها من عبادات القلوب.




                  ومن تتبّع أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -
                  يجد وصف الصحابة -رضوان الله عليهم- لحجه
                  - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً.

                  ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -
                  واصفاً حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطواف:
                  ((فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء)).

                  أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) - إسناد حسن

                  وقال أيضاً - رضي الله عنه - واصفاً حاله
                  - صلى الله عليه وسلم - لما أفاض من عرفات:
                  ((أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه السكينة)).
                  أخرجه النسائي رقم (3024)، وصححه الألباني



                  ولقد اعتنى أهل العلم بتقرير شعيرة الحج وعظيم شأنه،
                  قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
                  "فالمقصود من الحج: عبادة الله وحده في البقاع
                  التي أمر بعبادته فيها. ولهذا الحج شعار الحنيفية،
                  حتى قال طائفة من السلف: حنفاء لله، أي: حجاجاً".



                  وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
                  "وأما الحج، فشأن آخر لا يدركه إلا الحنفاء
                  الذين ضربوا في المحبة بسهم،
                  وشأنه أجل من أن تحيط به العبادة،
                  وهو خاصة هذا الدين الحنيف،
                  حتى قيل في قوله -تعالى-: حنفاء لله. أي: حجاجاً".



                  ويقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -:
                  "أفعال الحج وأقواله كلها أسرار وحكم
                  المقصود منها القيام بالعبودية المتنوعة،
                  والإخلاص للمعبود؛ فالحج مبناه على الحب والإخلاص
                  والتوحيد والثناء والذكر للحميد المجيد،
                  فإنما شرعت المناسك لإقامة ذكر الله".



                  فالحاج والمعتمر إذا تأمّلا ما في الحج والعمرة من تفرغ
                  لمناسكهما، يجدان فيهما نوع انقطاع عن الدنيا
                  وإقبالاً على العبادة، ففي الحج والعمرة شَبَهٌ بالاعتكاف.

                  وهذا الانقطاع عن الدنيا والتفرغ للعبادة
                  والاعتكاف على ذلك، يخرج القلب من ظلمات الجهل
                  والهوى إلى أنوار الإيمان والهدى ولذة الطاعة.

                  وحقيقة الحج المبرور - الذي جزاؤه الجنة،
                  والذي يخرج صاحبه من ذنوبه كيوم ولدته أمه،
                  وكذلك العمرة المقبولة؛ أن يتمّهما الحاج والمعتمر
                  بتحقيق الإخلاص لله - جل وعلا -
                  والموافقة لهديه - صلى الله عليه وسلم -،
                  وذلك بأمرين:
                  ********
                  * القيام بالأعمال الظاهرة؛
                  كالإحرام والطواف والسعي والوقوف بعرفة وغيرها.

                  * القيام بالأعمال الباطنة؛
                  وهي أعمال القلوب التي تتصل بكل شعيرة من شعائر الحج والعمرة
                  من محبة لله وتعظيمه وإجلاله والخضوع له
                  والتوكل عليه والتسليم له، وغيرها.



                  والإخلال أو التقصير في أحد هذين الأمرين
                  يضعف أثر الحج والعمرة في النفس، ويقلل من الأجر.

                  وهذان الأمران في الحقيقة يدخلان في مسمى الإيمان
                  عند أهل السنة والجماعة،
                  إذ عرّف أهل السنة والجماعة الإيمان بأنه:
                  قول وعمل؛ قول القلب وقول اللسان،
                  وعمل القلب وعمل الجوارح.

                  فكل عبادة لها ظاهر، وهو قول اللسان وعمل الجوارح،
                  ولها باطن، وهو قول القلب وعمل القلب،
                  ومن ذلك الحج والعمرة.




                  وأعمال القلوب آكد وأولى في الدخول
                  في مسمى الإيمان من أعمال الجوارح،
                  يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:
                  "فإن دخول أعمال القلوب في الإيمان أولى من دخول
                  أعمال الجوارح باتفاق الطوائف كلها".

                  ولما كانت أعمال القلوب بهذه الأهمية،
                  كان على الحاج أو المعتمر أن يتعبّد لله - جل وعلا -
                  بأعمال القلوب، بما يناسب كل شعيرة من شعائر الحج والعمرة.



                  وسأذكر مثالين لذلك :
                  التلبية:
                  فالحاج أو المعتمر يستشعر عند التلبية أنه يلبي
                  ويجيب دعوة الله -جل وعلا- لعبادة الحج والعمرة
                  على لسان أبيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-،
                  قال -تعالى-:
                  (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْـحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا)[الحج: 27].

                  وأنه بهذه التلبية ودخوله نسك الحج أو العمرة،
                  أصبح من وفد الله -جل وعلا- وضيوفه،
                  قال -صلى الله عليه وسلم-:
                  ((الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)).
                  حسنه الألباني في (صحيح الجامع) رقم (3173)
                  حينها يغمر قلبه الفرح والسرور والأنس والحبور،
                  إذ هو ضيف عند ملك الملوك،
                  كما يقوى رجاؤه بإجابة دعوته
                  وإقالة عثرته وتفريج كربته،
                  إذ هو ضيف عند أكرم الأكرمين.

                  ولله المثل الأعلى: هل يعقل أن كريماً يدعو ضيوفه
                  ثم لا يكرمهم؟!.. فالله أجلّ وأعظم وأكرم.



                  الطواف بالبيت:
                  فإن على الحاج أو المعتمر أن يستشعر بقلبه
                  حال طوافه بالبيت محبة الله والشوق إليه، وقربه منه،
                  وتعظيمه له، وخضوعه وانكساره بين يديه.

                  فإن هذه الأعمال القلبية لها أثر في وجود حلاوة الإيمان
                  والأنس والطمأنينة وقوة الرجاء من جانب،
                  وقبول حجه أو عمرته من جانب آخر.

                  إن حج القلوب من الأمور العظيمة التى يغفل عنها
                  كثير من الحجاج والعمار،
                  لذلك يجب أن ينتبهوا إلى ذلك الأمر العظيم
                  ألا وهو أعمال القلوب فى الحج والعمرة.




                  تعليق


                  • #10





                    7- الحج ومشاهد يوم القيامة
                    *****************
                    توقفت كثيرًا أمام حديث مشهور
                    من أحاديث رسول صلى الله عليه وسلم،
                    رواه البخاري ومسلم وغيرهما ،
                    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما،
                    وقال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:
                    "بُني الإسلام على خمس:
                    1- شهادة أن لا إله الله, وأن محمداً رسول الله
                    2- وإقام الصلاة

                    3- وايتاء الزكاة
                    4- وصوم رمضان
                    5- وحج البيت.."

                    ومع أن الحديث مشهور جدًا، ومتفق عليه،
                    ويحفظه تقريبًا عامة المسلمين..
                    إلا أنه يحتاج إلى وقفة طويلة للتأمل،
                    تعالوا بنا نفكر سويًّا...!!



                    لقد اختار الله عز وجل من هذا البناء الضخم الكبير وهو (الإسلام)
                    خمسة أمور فقط جعلها أساسًا لكل هذا البناء،
                    وكل شيء بعد هذه الأشياء الخمسة ينبني عليها،
                    ولو أن ركنًا من هذه الأركان الخمسة - التي هي الأساس -
                    سقط لسقط هذا البناء كله،
                    وإلى هنا لا يوجد شيء يثير الدهشة أو الحيرة،
                    لكن المحيّر حقًا هو أن يكون الحج أحد هذه
                    الأعمدة التي ينبني عليها الإسلام...

                    لماذا الحج بالذات؟!



                    أن الحج عبادة لا يُكلَّف بها المسلم أو المسلمة
                    إلا مرة واحدة في العمر كله, وفي حال الاستطاعة..
                    ومعنى ذلك أن من لا يستطيع الحج فلن يُفْرَضَ عليه أداؤه..
                    وبالتالي فإن ملايين المسلمين على مرّ العصور لم ولن يحجوا
                    لعدم الاستطاعة سواءٌ كان لعدم الاستطاعة ماليًا أو معنويًّا..

                    وحتى من كُتب لهم الحج.. فالكثير الغالب منهم لن يحج إلا مرةً
                    واحدة في عمره كله الذي قد يمتد ستين أو سبعين سنة!
                    "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين"،
                    ومن ثَمَّ لا ينفق الإنسان خلال هذا العمر الطويل في هذه العبادة
                    إلا أسبوعين أو ثلاثة.. أو حتى شهرًا أو اثنين..
                    كم يمثل ذلك من العمر كله؛
                    حتى يُجعَل الحج ركنًا من أركان الإسلام؟!
                    فضلاً عمَّا نسمع عنه الآن من أنواع الحج السريع...
                    التي يستطيع الحاج فيها أن ينهي كل المناسك في أسبوع واحد،
                    ويقيم في أرقى وأفخم الفنادق، ويكون أقرب إلى الحرم
                    من أهل مكة نفسها...


                    فلماذا - إذن - يختار الله عز وجل هذه العبادة العارضة
                    في حياة المسلم ليجعلها أساسًا لهذا الدين،
                    وركنًا من أركان الإسلام؟!
                    مع أنه ليس مطلوبًا إلا مرة واحدة في العمر للمستطيع فقط،
                    ومن لم يستطع فلن يؤديه أصلاً؟!

                    الأمر إذن – كما ذكرت - يحتاج إلى وقفة تدبر وتأمل؛
                    فلا بد أن هناك فوائد تتحقق في الحج تؤدي إلى تغيّر في
                    حياة المسلم الذي أدّى هذه الفريضة،
                    ولا بد أن الحج سيؤثر على حياة الإنسان بكاملها في الأرض؛
                    لأن هذه الزيارة العارضة لبيت الله الحرام ربما تكون سببًا
                    في صلاح الفرد رجلاً كان أو امرأةً،
                    ومن ثَمَّ يستطيع تطبيق بقية شرائع الإسلام،
                    وبهذا يصلح الحج أن يكون ركنًا من الأركان
                    التي ينبني عليها الإسلام... لكن!!



                    إذا كان هذا الكلام صحيحًا في حقِّ من حج من الرجال والنساء،
                    فما بال أولئك الذين لم يستطيعوا الحج لأي عذر من الأعذار،
                    وهم ليسوا قلة؟؟..

                    لماذا جعل الله عز وجل الحج من أساسات الإسلام الرئيسية
                    مع أن هناك طائفة كبيرة جدًا من المؤمنين لم يقوموا به
                    مع كونهم مؤمنين وراغبين في الحج.. بل مشتاقين إليه؟!

                    من المؤكد - ولا شك - أن هناك فائدة ما تعود على الأمة كلها،
                    سواءٌ منهم من يحج كل عام، أو من حجّ مرةً واحدة،
                    أو من لم يحج مطلقًا.. وقد لا يحج في حياته كلها...



                    "ليشهدوا منافع لهم.."
                    الحج يفيد الأمة كلها، ومن ثَمَّ فإن الله تعالى جعله
                    ركنًا أساسيًا ينبني عليه الإسلام..
                    فما هي مقاصد الشريعة في الحج؟
                    ما هي الغاية من الحج؟
                    ما هي الفوائد المتحققة والآثار الناتجة عن الحج؟؟

                    تعالوا بنا نبحث جيدًا لنعرف لماذا اختار الله الحج
                    ليكون من أعمدة الإسلام..
                    وجدت أن الله عز وجل يقول:
                    "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ
                    يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ،
                    وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم
                    مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ؛ فَكُلُوا مِنْهَا, وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ"..




                    في الحج إذن - كما قال الله عز وجل - "منافع"،
                    وكلمة "منافع" كلمة شاملة عامة،
                    لا أعتقد أنها يجب أن تُقصر على المنافع التجارية والمالية فقط؛
                    لأن بعض الدعاة والمفسرين يقصرون كلمة المنافع على التجارة،
                    بمعنى أنك ذاهب للحج، ويمكن أن تساهم في
                    إنعاش التجارة فتبيع وتشتري...

                    الحق أن قصر منافع الحج على التجارة فقط تحديد غير مقبول
                    للنص، وفيه تقليل من معنى هذه الكلمة العامة الشاملة،
                    لا بد - إذن - أن نفكر في منافع الحج الرئيسية...



                    منافع الحج:
                    *******
                    لا شك أن للحج منافع كثيرة لا يتَّسع المقام لتفصيلها في هذا المقام..
                    إلا أن أهم منفعة في الحج أنه يذكّر الأمة كلها - الحجاج وغير
                    الحجاج - بيوم القيامة؛ فوجه الشبه كبير جدًا بين الحج ويوم القيامة؛
                    ذلك أن الحاج يمرّ بأكثر من موقف يذكره بيوم القيامة،
                    ثم يعود فيحكي لكثير من الناس هذه المواقف،
                    فيتذكر الناس جميعًا يوم القيامة..

                    وقد وضع الله محبة الحج في قلوب كل المسلمين؛
                    فتجد أن غالبية المسلمين لديهم الحرص الشديد على أن يحجوا،
                    وعلى أن يودعوا الحجاج عند سفرهم ويستقبلوهم عند عودتهم،
                    ويزوروهم، ويسمعوا منهم؛ ليبقى موسم الحج موسمًا لتذكير
                    الأمة كلها بهذه المنافع العظيمة.. وبيوم القيامة.



                    إن معظم الفساد والمعاصي التي تحدث في الأرض
                    إنما تحدث بسبب نسيان يوم القيامة..
                    يوم الحساب الذي يُحاسَب فيه كل إنسان على ما قدَّم في دنياه،
                    منذ أولى لحظات التكليف إلى لحظة الموت..
                    والله عز وجل يقول:
                    إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
                    بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ

                    (26)-سورة ص




                    لماذا؟ قال الله تعالى: "..بما نسوا يوم الحساب"!
                    فنسيان يوم الحساب كارثة عظيمة، ومصيبة كبيرة،
                    ولو تذكَّر الناس هذا اليوم لوُجِد الحل لكل المشاكل التي تعاني
                    منها البشرية، ولذا كان أول ما ذكّر به النبي صلى الله عليه وسلم،
                    يوم أن بدأ الدعوة في مكة، هو هذا اليوم..
                    قال صلى الله عليه وسلم:
                    "والله لتموتُنّ كما تنامون، ولتبعثُنّ كما تستيقظون،
                    ولتحاسبُنّ على ما تعملون، وإنها لجنّة أبدًا.. أو نار أبدًا.."
                    ذلك أن المرء إذا ظل متذكرًا ليوم القيامة لبقي في باله
                    أن هنالك يومًا سوف يقدم فيه "كشف حساب" عن كل
                    لحظة من لحظات عمره.. عن كل كلمة.. كل قرشٍ اكتسبه..
                    كل حركة، وكل سكَنة.. عن كل تعامل بينه وبين الناس..
                    وبينه وبين ربه سبحانه وتعالى..




                    فالحج صدمة كبرى تنبِّه الأمة كلها، توقظها من سُباتها..
                    تذكِّرها بما كانت قد نسيته طويلاً..
                    وإذا تذكر المرء أنه محاسب، هل سيرتشي؟ هل سيظلم؟
                    هل سيسرق؟ هل سيعق والديه؟ هل سيتعدى على حقوق
                    زوجته أو أولاده أو جيرانه.. أو حتى من لم يعرفهم؟؟
                    قطـعًا.. إن الإجـابة بالنفي،
                    وهكذا ندرك أن صلاح الأرض في تذكُّر يوم الحساب..

                    والحج إذن تذكرة قوية وعلنية وواضحة وصريحة
                    لكل المسلمين أننا سنرجع يومًا إلى الله...



                    تعليق


                    • #11


                      كيف يذكّرنا الحجّ بيوم الحساب؟
                      ********************
                      الحج رحلة إلى الله تشبه إلى حد كبير
                      رحلة الإنسان الأخيرة إلى الله والدار
                      الآخرة
                      ونلمس هذا بوضوح فى السورة التى سماها الله عز وجل
                      باسم هذه الفريضة العظيمة سورة الحج
                      ونجد افتتاحية السورة لا تتحدث عن الحج وأركانه وشروطه
                      وإنما تفتتح بتذكير الناس باليوم الآخر وما فيه من أهوال
                      (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)
                      يَوْمَ تَرَوْنَهَا
                      تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلّ ذَاتِ
                      حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى
                      وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2))
                      -الحج



                      هذه هى بداية سورة الحج تحذير شديد اللهجة من زلزلة الساعة
                      وكما جاء فى سورة الزلزلة
                      (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
                      وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ
                      أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)


                      فهذه الافتتاحية لسورة الحج تلفت انتباهنا
                      لنتفكر فى شعائر الحج ودلالتها على اليوم الآخر.



                      ونجد ذالك واضحا فى رحلة الحج من بدايتها إلى نهايتها
                      وعلى سبيل المثال:


                      1– استعداد الحاج وتشابهه باستعداد المقبل على الموت:
                      *************************************
                      فإذا أراد المسلم الحج تراه يجمع المال الحلال
                      ويرد المظالم إلى أهلها ويسترضى الخصوم ويصل الرحم
                      المقطوعة كل هذا لأنه يعلم يقينا أنه مقبل على الله عز وجل
                      فيريد أن يقابله بلا سيئة ولا خطيئة وبلا حق لأحد عنده
                      حتى يسلم له، حجه فإذا فعل ذلك ووضع رجله فى الغرز
                      ونادى لبيك اللهم لبيك قيل له
                      (لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَلالٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلالٌ، وَحَجُّكُ مَبْرُورٌ
                      غَيْرُ مَأْزُورٍ)
                      رواه الطبرانى فى الكبير، وقال الألبانى ضعيف جدا
                      فإذا فرغ من ذلك تراه يعد الزاد المادى بالطعام والشراب الكافيين
                      للرحلة، والزاد العلمى حتى لا يخطئ فى النسك،
                      والزاد الروحى الذى سيناجى به ربه فى الطواف والسعى
                      والوقوف بعرفة، وما أشبه هذا الحاج بالقادم على الله عز وجل
                      بهذا المنهج ينادى كذلك عليهم:
                      (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ
                      أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)

                      نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ
                      الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي
                      أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا
                      مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)-فصلت



                      وأما إذا أهمل الحاج أو القادم على الله هذا المنهج
                      فليس هناك سوى الرد
                      سبيلا يُقال لمن حج من مال حرام
                      (لا لبيك ولا سعديك كسبك حرام وزادك
                      حرام وراحلتك حرام
                      فارجع مأزورا غير مأجور وأبشر بما يسوؤك)
                      رواه الطبرانى فى الكبير
                      وقال الألبانى ضعيف جدا
                      كما ينادى على الآخر:
                      (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ

                      بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ
                      أَوْزَارَهُمْ عَلَى
                      ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)الأنعام (31)



                      2- لباس الإحرام ومشابهته للباس الميت(الكفن):
                      ******************************
                      وبعد الاستعداد وأخذ الزاد يلبس الحاج لباس الإحرام
                      وهو مكون من قطعتين من القماش غير مخيط بلا جيوب،
                      كالكفن تماما بتمام ويترك جزأً من جسده مكشوفا ليتذكر به
                      أنه سيعود إلى الله عاريا كما خلقه أول مرة،
                      (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ
                      مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ
                      الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ
                      عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ )
                      -الأنعام(94)



                      3- تنقل الحاج فى المشاعر من طواف وسعى والوقوف بعرفة:
                      ***************************************
                      يرى الحاج وهو يتنقل في المشاعر لأداء المناسك وإظهار الشعائر
                      مئات الألوف يسيرون معه، وألوف أخرى قد سبقته، وألوف أخرى
                      تأتي بعده، في حال من التنقل والازدحام تحرك القلوب رهبة
                      مما يخشى حدوثه، ورغبة في إكمال النسك..
                      وهذا يذكر بما يكون من تنقلات كبرى يوم القيامة
                      في يوم وصف بأنه كألف سنة،
                      والإخبار عن ذلك جاء في سورة الحج في قول الله تعالى:
                      ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
                      ووصف في سورة المعارج بأنه كخمسين ألف سنة.


                      إن تنقلات يوم القيامة تشمل تنقلات المكان والأحوال؛
                      فمن بعث القبور إلى أرض المحشر،
                      ودنو الشمس من رؤوس الخلق، وشدة الزحام،
                      وكثرة العرق، واشتداد الكرب،
                      وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف،
                      ثم الحساب، فعرض الصحف، ووزن الأشخاص والصحف
                      والأعمال، والمرور على الصراط، وغير ذلك من تنقلات
                      إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.


                      **السعى وتذكيره لنا بخروج الناس من القبور
                      يسعون لأرض المحشر والوقوف بين يدى الله:
                      ******************************
                      ******************************

                      مما يذكّر بيوم القيامة من مناسك الحج أيضًا السعي بين الصفا
                      والمروة، ذهابًا وإيابًا، فيتذكر الناس السعي والحركة يوم القيامة:
                      "يوم يَخرجون من الأجداث سراعًا كأنهم إلى نصب يُوفضون"،
                      ويتذكر الناس عند سعيهم بين الصفا والمروة سعيَهُم يوم القيامة
                      بين الأنبياء ليشفعوا لهم عند الله عز وجل؛
                      فيذهبون إلى آدم عليه السلام، فيردهم إلى نوح عليه السلام،
                      فيردهم إلى إبراهيم عليه السلام، فيردهم إلى موسى عليه السلام،
                      فيردهم إلى عيسى عليه السلام،
                      فيردهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم...


                      **الوقوف بعرفة ومشابهته
                      للوقوف فى أرض الحساب:
                      *****************
                      *****************
                      ثم يأتى ركن الحج الأكبر وهو الوقوف بعرفة
                      وهو يوم وكذلك يوم الحساب هو يوم ،
                      ولكن شتان بين اليومين فهذا يوم من أيام الدنيا
                      وأما يوم الحساب فهو يوم كألف سنة مما تعدون،
                      وأرض المحشر ليست جبلا كعرفات
                      وإنما أرض مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا
                      والناس على عرفات يعرقون والناس فى أرض المحشر يعرقون،
                      ولكنه عرق غير العرق،
                      عرق الحج من حر الشمس وعرق يوم الحساب من حر الأعمال،
                      والناس على عرفات يعانون من الشمس وحرارتها،
                      وكذلك فى أرض الحساب يعانون من الشمس،
                      ولكن المسافات مختلفة الشمس فى عرفات بينها
                      وبين الناس 72مليون ميل أكثر من 100مليون كيلو متر،
                      أما فى أرض الحساب فإن الشمس فوق الرؤوس بذراع أو أقرب،
                      والناس فى عرفات يتهامسون منهم من يذكر الله
                      ومنهم من يدعو الله تعالى ومنهم من يتحدث فى أمور الدنيا ،



                      وأما فى يوم الحساب فهم يتهامسون أيضا
                      (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا )-طه(108)
                      ولنقترب لنسمع هذا الهمس
                      (ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل
                      وكلام الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم)
                      متفق عليه
                      هؤلاء الرسل همسهم دعاء بالسلامة ،
                      فما بالنا بالصالحين من الناس فضلا عن الطالحين منهم .
                      والناس يقفون على عرفات منتظرين ساعة المغادرة،
                      ولكن يوم الحساب لامغادرة قبل العرض على الله ،
                      ينادى على الناس واحدا واحدا كل باسمه فلان بن فلان
                      هلم للعرض على الله، منهم من ينادى بأحب الأسماء لديه،
                      الصائم فلان بن فلان، القائم، الحاج المصلى، المزكى،
                      الخاشع، المتواضع ................. فلان بن فلان،
                      هلم للعرض على الله .
                      ومن الناس من يُنادى عليه بأخبث الأسماء،
                      أين السارق فلان بن فلان، أين القاتل أين الخائن ،
                      أين الزانى أين الحشاش السكير ........فلان بن فلان
                      هلم للعرض على الله هكذا على رؤوس الأشهاد .



                      وبعد انتهاء الوقوف بعرفة وانتهاء أعمال الحج
                      يتهيأ الناس للعودة إلى منازلهم وأوطانهم
                      وكذلك الناس يوم الحساب بعد انتهاء الحساب
                      يتهيأون للعودة إلى منازلهم وأوطانهم لكن
                      إما فى الجنة خالدين فيها أبدا ..
                      وإما فى النارخالدين فيها أبدا .. أعاذنا الله وإياكم.


                      واختار الله تعالى لأداء المناسك بقعة هي من أشد بقاع الأرض
                      حرارة، وهذا يذكر الحجاج بحر يوم القيامة،
                      وقرب الشمس من رؤوس الخلق، وغزارة العرق فيه.



                      ولكن رغم طول يوم القيامة، وشدة الحساب فيه، وكثرة أحواله
                      وانتقال الناس من مرحلة إلى أخرى؛
                      فإن من الناس من لا يحسون بطوله؛
                      لأنهم مستظلون بظل الرحمن سبحانه،
                      قد يسر الله تعالى حسابهم، ويمن كتابهم،
                      وثقل ميزانهم، فيكون يوم القيامة عليهم كنصف نهار فقط،
                      فيقيلون في الجنة كما قال الله تعالى:
                      ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾
                      وبين سبحانه يسر الحساب عليهم فقال تعالى:
                      ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *
                      وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾


                      بخلاف أهل الكفر والنفاق الذين يعسر عليهم الحساب
                      كما قال تعالى:
                      ﴿ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾
                      وقال تعالى:
                      ﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾.



                      وفي أداء المناسك يلاحظ الافتراق بين الناس؛
                      فمنهم من يعينه الله تعالى على أداء النسك بيسر وخشوع ولذة،
                      حتى تنتهي أيام الحج ولما يشعر بها،
                      ويجد لذتها وحلاوتها في القرب من الله تعالى،
                      والتقلب في أنواع العبادات،
                      ومنهم من تمضي عليه أيام المناسك وهو في جدال وشقاق وخصام،
                      لم يستشعر حرمة الزمان والمكان،
                      ولا عظمة ما هو متلبس به من الأحرام..




                      4- زيارة الحجاج للرسول عليه الصلاة والسلام:
                      ******************************
                      وزيارة الحجاج لرسول الله صلى الله عليه وسلم
                      - وإن لم تكن من مناسك الحج –
                      هي أيضًا تُذكِّرك بأن الله عز وجل سيجمعك يومًا ما
                      مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم،
                      تسلّم عليه وعلى أصحابه...
                      كما أن صلاتك في الروضة الشريفة (وهي من رياض الجنة)،
                      تضعك في هذا الجوّ الرائع الذي يُخْرِجُك من جوّ الدنيا تمامًّا،
                      ويجعلك تعيش في جوّ الآخرة...



                      إن كل من يحج بيت الله الحرام يشعر بكل هذه المعاني..
                      بل ويقصّها على كل من يلقى من الأهل والأحباب،
                      ومهما بلغ الجهد والتعب وبذل المال في هذه الرحلة العظيمة،
                      إلا أن الجميع يتمنى لو عاد مرة أخرى للحج..
                      لو عاد مرة أخرى للبيت الحرام..
                      لو عاد مرة أخرى لعرفات...
                      يتمنى لو عاد مرة أخرى لزيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم...



                      تعيش الأمة كلها هذه المعاني العظيمة
                      التي تُذكِّر بيوم القيامة في كل عام مرة،
                      لتتذكر يوم القيامة الذي ستعيشه بحقيقته بعد ذلك...
                      وإذا عاشت الأمة وتذكرت يوم القيامة على هذا النحو..
                      كيف سيكون حالها؟ وكيف سيكون وضعها بين الأمم؟!




                      تعليق


                      • #12






                        8- ليت ذلك في جميع بلاد المسلمين
                        ***********************
                        في الليلة التي وصلنا فيها للفندق،
                        أعددت نفسي للذهاب لصلاة الفجر،
                        وبما أني قريبة من الحرم نوعا ما ( حوالي ثلث ساعة مشي )،
                        فشحذت الهمة لقيام الليل في البيت العتيق،
                        وجهزت نفسي قبل الآذان بحوالي ساعتين !!
                        وعندما هممت بالخروج من الفندق،
                        وجدت أناسا كُثر يمشون مسرعين للذهاب إلى الحرم
                        للاستعداد للفجر قبل ميعاده بساعتين !!
                        في خُطى سريعة.. وكلما اقتربنا من الحرم
                        زادت الأفواج التي تأتي من كل فج عميق ..



                        ويكتظ المسجد الحرام بالحجيج من جميع الأعمار
                        أتوا ملبين لصلاة الفجر .. مشاهد جميلة لا تُمحى من الذاكرة ..
                        لمحت طابور يضم رجالا عجائز أعتقد أنهم كانوا من شرق أسيا،
                        واللحى البيضاء تزين وجوههم، يمشون على خُطى واحدة،
                        مُمسكين ببعضهم من الخلف حتى لايضيع أحدهم،
                        فجُلْت ببصري لأرى أول الطابور ظنا مني أن هناك
                        شابا أمسك بهم وإذا بأول الطابور مثل آخره،
                        رجل عجوز تزين وجهه لحية شديدة البياض
                        يمسك بأول الطابور فهو المرشد لهم،
                        أعانه الله فقد كانت خطاه خفيفة رغم كبر سنه،
                        لكن الله سبحانه وتعالى قد سخره لضيوفه
                        من أجل خدمتهم .. فوالله تجد من ضيوف الرحمن عجائز
                        قد أحنيت ظهورهم لكنهم قد أتوا مُلبين،
                        وتتعجب كيف أدوا المناسك على هذه الحالة ؟!!!!



                        كما نجد كبار السن من فوق الخمسين،
                        ونرى شبابا أقوياء البنية في ريعان شبابهم تركوا فتنة الدنيا،
                        وأتوا ملبين لرب البيت مسرعين لصلاة الفجر،
                        ثم نرى شبابا في الظاهر لكنهم أتوا جلوسا على المقاعد المتحركة،
                        أتوا مُلبين مُجيبين لصلاة الفجر، أعانهم الله هم ومن يدفعونهم،
                        أما الصغار فحدث ولاحرج ..
                        فهم مابين لاهٍ ومحاولا أن يتماسك في الصلاة،
                        وبين رضيع ليس بيده إلا أنه حُمِلَ ليلبي مع والديه،
                        فهنيئا له ولوالديه ..




                        وسألت نفسي ماذا لو كان الفجر عندنا كذلك
                        لانقول قبله بساعتين ولكن على الأقل عند سماع الآذان،
                        ماذا لو حرصنا على
                        أداء هذه الفريضة، نعتنى بها ،
                        نستقبل بها يومنا، ونستفتح بها نهارنا، و تشهد لنا الملائكة ،
                        ومن أداها مع الجماعة فكأنما صلى الليل كله،
                        قال صلى الله عليه وسلم:
                        « من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل،
                        ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله »

                        رواه مسلم



                        نعم .. إنها صلاة الفجر التي سماها الله قرآنا
                        فقال جل وعلا:
                        {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً}
                        سورة الإسراء من الآية(78)ـ

                        ولعظمتها أقسم بها سبحانه وتعالى فى أول سورة الفجر
                        (والفجر، وليالٍ عشر)



                        ووجدتنى أسأل نفسى ..
                        ماذا لوحرصنا على صلاة الفجر ..؟!
                        ترانا هل سيكون هذا حالنا ؟!!
                        هل سيغيب مجد أمتنا .. هل سيضيع عزها ..؟!
                        وعندما نجلس على طاولات المفوضات
                        فعلى أي كرسي سنجلس ؟؟!!
                        وكيف سيُنظر لنا ؟؟!!
                        وكيف سيُستمع لنا ؟؟!!
                        وتذكرت مقولة الفاروق عمر رضى الله عنه
                        ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام،
                        فإذا ابتغينا العزة في غيره أزلنا الله ).



                        اللهم أعزَ الإسلام والمسلمين
                        وأعد إلينا مجد آبائنا الطامحين
                        ووحد صفوف أمتنا أجمعين
                        اللهم آميــــــــــــــــــن





                        تعليق


                        • #13






                          9- لبيك اللهم لبيك
                          التلبية معانى وأسرار
                          **************
                          لبيك فاح الكون من نفحاتها ***** و تعطَّرت منها ربوع الوادي
                          لبيك فاض الوجد في قسماتها ***** و تناثرت فيها طيوف وداد
                          لبيك فاتحة الرحيل و صحبه ***** هلا سمعت هناك شدوا الشادي

                          ضيوف الرحمن في شوق الى بيت الله ...
                          يهللون باسمه العظيم الأعظم وقلوبهم مملؤة بالإيمان والخشوع
                          يرددون ويبتهلون ويستغفرون..
                          لحظات من التأثر العميق وحنين لا تستطيع الكلمات التعبير عنه
                          أمنيات أصبحت حقائق، وأحلام أصبحت واقعا





                          لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك..
                          إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك..
                          هكذا تُنطلق أعظم هتافات التوحيد من الحجيج.

                          لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. لبيك ذلا وخضوعا،
                          لبيك حبا وقربا، لبيك صلاة ومناجاة،
                          لبيك خشوعا وسجودا وركوعا، لبيك رجاء وخوفا.

                          هذه الكلمات الرائعة هى لب توحيد الله
                          وإفراده بالعبودية الخالصة والإقرار الكامل من قائليها
                          أنهم شرفوا بعبوديته والخضوع له والتذلل لعظمته سبحانه.




                          هذه الكلمات تلخص المضمون الأبرز لرسالات السماء
                          ودعوة الأنبياء والمرسلين، إنها تعنى تنزيه الله وتسبيحه
                          وتعظيمه وتقديسه، إنها جل المعرفة بالله ثم بالنفس،
                          إنها تعنى إننى عبد مذنب مقصر مسرف على نفسه
                          جاء تائبا إلى ربه راغبا فى عفوه ذليلا أمامه خاضعا فى ملكه.

                          هذه التلبية تحمل تلخيصا رائعا للعبودية الحقة لله
                          والتى جاء الأنبياء وعلى رأسهم خاتم الرسل محمد
                          «صلى الله عليه وسلم» من أجل ترسيخها وإرسائها.

                          هذه العبودية الحقة لله هى التى صنعت
                          جيل الصحابة كأول جيل فى هذه الأمة،
                          وصنعت أبا بكر وعمر وعثمان وعلى
                          وخباب وبلال وعمار وياسر،
                          كما صنعت خديجة وعائشة وسمية وأم عمارة.





                          هذه العبودية الحقة لله هى فطرة الله التى فطر الناس عليها،
                          ومهما غطتها المعاصى والآثام والمظالم،
                          فإن القلب يهتف بها عند لحظة الشدائد الكاشفة.

                          لبيك اللهم لبيك، لبيك فى الضيق والسعة،
                          فى عسرنا و يسرنا، وفى فقرنا وغنانا، وفى شدتنا و رخائنا.

                          لبيك يارب، كم أكرمتنا ونحن نقصر فى شكرك،
                          كم سترتنا ونحن نستمرئ العصيان،
                          كم أعطيتنا دون أن نحمدك، كم جبرت كسرنا وآويتنا،
                          ورحمت غربتنا وكربتنا، ولولاك ما عرفناك،
                          ولولا هدايتك ما عبدناك، ولولا سترك علينا لافتضحنا،
                          ولولا كتابك ورسلك ما اهتدينا،



                          لبيك اللهم لبيك.. لبيك شوقا إلى لقائك،
                          واستعذابا لكل صعب فى سبيلك،
                          وركوبا لكل وعر للوصول إلى مرضاتك ومحبتك.

                          لبيك اللهم لبيك، هتاف التوحيد العظيم،
                          والأنشودة الجميلة للعبودية الحقة لله،
                          تلك العبودية الحقة التى ألهمت العظيمة خديجة زوج النبى
                          بأعظم كلمة تأييد زوجة لزوجها
                          «أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتحمل الكل
                          وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر»

                          وهى التى ألهمت من قبل هاجر أن تقول لزوجها إبراهيم
                          عليهما السلام «إن كان الله أمرك بهذا فلن يضيعنا الله»،
                          وهى التى جعلت الأنبياء يضحون فى سبيل الله بكل غالٍ ورخيص




                          لبيك اللهم لبيك هى التى جعلت أهل التصوف
                          والزهد والعلم بالله تهتف قلوبهم
                          «نحن فى نعمة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف»
                          وهى نعمة القرب من الله «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ»،
                          هؤلاء استعذبوا الطريق إلى الله ،
                          فالناس تسير إلى الله بقلوبها وليس بأبدانها ولا بألسنتها،
                          وهذا الإيمان هو الذى أذهب عنهم ألم الطريق إلى الله وصعوباته
                          ومشقاته، وحولت عسره يسرا، ومره حلوا، وصعبه سهلا،
                          وغاليه رخيصا، فرضاهم فى رضا مولاهم الحق سبحانه،
                          ومحبتهم نابعة من محبة مليكهم سبحانه،
                          فهم يحبون ما يحبه مولاهم ويكرهون ما يكره.

                          إن كان رضاكُم فى سَهَرِى *** فسلامُ الِله على وَسَنِى




                          تعليق


                          • #14


                            لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك ..
                            إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك ..

                            رأيت فيها كلمات رائعة ..
                            رأيت فيها هى إسلام وإستسلام ..
                            رأيت وهج الحياة .. هى طريق كاملة هى حياة ..
                            هى إستجابة متكررة لخالق عظيم رحيم ..
                            لبيك إستسلاماً وخضوعاً وإنقياداً لك يارب ..
                            هى تلخص لكل ما في الفريضة من معانٍ ودلالات ..
                            هى تلبية واستجابة لنداء الخليل إبراهيم عليه السلام :-
                            ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا
                            وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ )

                            (الحج:27)
                            فكانت إجابة البشر من مشارق الأرض ومغاربها
                            طلباً لمرضات الله واستجابة لندائه ..



                            لبيك اللهم لبيك
                            بهذا الشعار يدخل المسلم في هذه
                            العبادة العظيمة " حج بيت الله الحرام "
                            إنه الشعار الذي يتلبس به الحاج من أول لحظة في الحج .

                            إنه شعار التوحيد ، بل من أجل تحقيق التوحيد
                            لله وحده شُرع للحاج أن يبتدئ حجه بهذا الشعار العظيم

                            إنه إعلان للانقياد التام لله عز وجل والخضوع له .
                            " لبيك اللهم لبيك " : أي إجابة بعد إجابة .
                            " لبيك اللهم لبيك " : انقياد لله بعد انقياد .
                            " لبيك اللهم لبيك " : فنحن مقيمون على طاعتك ملازمون لها.
                            فهي متضمنة التزام دوام العبودية
                            " لبيك اللهم لبيك " مقتربون إليك اقتراباً بعد اقتراب .
                            وفي التلبية استجابة لأمر الله تعالى :
                            ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )
                            (آل عمران:97)



                            و لقد أهل رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم
                            فى حجه بهذا الشعار " شعار التوحيد "
                            قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه
                            في صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم :
                            " ثم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك
                            إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك "
                            رواه مسلم .
                            يشعر الحاج و هو يلبي بترابطه مع سائر المخلوقات
                            حيث تتجاوب معه في عبودية الله و توحيده ،
                            يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :
                            " ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه و عن شماله من حجر أو
                            شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا و ها هنا "

                            يعني عن يمينه و شماله .

                            رواه الترمذي و صححه الألباني .
                            في الحج تتجلي أسمى معاني العبودية لله عز و جل ،
                            و أكمل مظاهر الاتباع لهدي رسوله عليه الصلاة و السلام ،

                            فهو القائل :
                            ( لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي
                            لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ )
                            رواه مسلم



                            قال ابن القيم رحمه الله
                            عن كلمات التلبية
                            بأنها قواعد عظيمة و فوائد جليلة ..
                            و قال : ( أنها تتضمن الخضوع و الذل ،
                            أي خضوعاً بعد خضوع ..
                            أنا ملب بين يديك ، أي خاضع ذليل ) ‏..
                            و قال : ( أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو
                            من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله ،
                            و أول من يُدعى إلى الجنة أهله ،
                            و هو فاتحة الصلاة و خاتمتها ) ‏..
                            و قال : ( أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك
                            كله لله وحده ، فلا ملك على الحقيقة لغيره ) ..



                            و فى فضل التلبية:
                            سُئل النبي صلى الله عليه و سلم :- أي الحج أفضل ؟
                            .. قال :- العج و الثج ..
                            رواه الترمذي ..
                            و يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله فى كتابه المغنى حول هذا :
                            ( و معنى العج :- رفع الصوت بالتلبية ..
                            و الثج: إسالة الدماء بالذبح و النحر ... )

                            - و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :-
                            ( ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله
                            من حجر أو شجر أو مدر ، حتى تنقطع الأرض
                            من هاهنا و هاهنا )
                            رواه الترمذي



                            - و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
                            ( ما من أيام أعظم عند الله و لا أحب إليه العمل فيهن من هذه
                            الأيام العشر ؛ فأكثروا فيهن من التهليل و التكبير و التحميد )

                            رواه أحمد ..

                            - قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
                            ( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي
                            أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال و التلبية ))

                            رواه الترمذي ..

                            - و قال النبي صلى الله عليه وسلم :
                            ( ما أهل مُهل قط و لا كبر مُكبر قط إلا بُشِّرَ ،
                            قيل يا رسول الله :- بالجنة ؟ .. قال :- نعم )

                            رواه الطبراني ..



                            و لقد كان سلفنا الصالح يعيش مع هذا النداء الرباني
                            بكل جوارحهم و يستشعرون أثناء ترديده
                            ما فيه من معاني و دلالات ،
                            يستشعرون العظمة التى فيه ..
                            فبها يقدمون على عبادة يرجون
                            من خالقهم قبولها و يخافون من ردها ..
                            تراهم تتغير ألوانهم ، و ترتعد فرائصهم ،
                            خوفاً و وجلاً من عدم القبول .
                            فيلبى الحاج و يهتف ويقول: اللهم حجة لا رياء فيها و لا سمعة ،
                            اللهم اجعل حجي مبرورا و ذنبي مغفورا و سعيي مشكورا ،
                            اللهم اجعلني أخرج من ذنوبي كيوم ولدتني أمي ،
                            اللهم اجعلني ممن أعتقتهم من النار على هذا الصعيد المبارك .
                            لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ،
                            إن الحمد و النعمة لك و الملك ، لا شريك لك.







                            تعليق


                            • #15





                              10- دمعة فى الحج
                              هنا تُسـكب العبراتـــ
                              *************
                              إليك وإلا لا تشد الركائب
                              ومنك وإلا فالمؤمل خائب
                              وفيك وإلا فالعزم مضيع
                              وعنك وإلا فالمحدث كاذب


                              لماذا هذه الدمعة؟
                              هذه الدمعة .. بل دمعات، وعبرة.. بل عبرات،
                              هيجها الفؤاد، وكتبتها المقل بالمداد،
                              ( دمعة في الحج )...لا ككل الدمعات..
                              إنها دمعة صادقة..
                              إنها دمعة حارة..
                              إنها دمعة أسى , ولوعة..
                              اعتصرها القلب ألما ففاضت بها المدامع.



                              دمعة طالما حلمت بالمشاعر المقدسة.. والبقاع الطاهرة..
                              وهاهي اليوم تُسكب هاهنا..
                              عند الكعبة .. البيت العتيق، والحجر الأسود
                              وترتمي في أحضان عرفات ومنى..
                              دمعة تسابق الأريج .. وتمازح دموع الحجيج .
                              طالما حُبست في المحاجر . وهاهي اليوم تُهاجر ..
                              آه .. ثم آه من حرارة الحشا , وحلاوة اللقا.

                              يا راحلين إلى منى بقيادي *** هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
                              سرتم و سار دليلكم يا وحشتي *** الشوق أقلقني وصوت الحادي


                              قال المعصوم عليه الصلاة والسلام
                              لعمر بن الخطاب رضي الله عنه :
                              هنا تُسكب العبرات يا عمر
                              وصدق صلى الله عليه وسلم.
                              فقل لي بربك عمن لم يبك في هذا المكان..
                              ومن لم تُبلل دموعه الأدران.



                              في هذه الدمعة
                              في هذه الدمعة:تحقيق للعبودية وإظهار للافتقار،
                              وكشف حساب أثقلته الأوزار..
                              في هذه الدمعة: ذكر لمن جل ذكره وشكر عظم بره..
                              في هذه الدمعة: استشعار للمنة وعمل بالسنة،
                              ليكون المآل للجنة بأذن الله وفضله ومنه.
                              في هذه الدمعة: شكر للتوفيق وحمد على الهداية للطريق
                              وإظهار للحال بلا ريق..
                              في هذه الدمعة: خضوع وانكسار وذلة لتُغفر الذنوب وتُسد الخلة،
                              وتحط السيئات وتعظم الحسنات وتُرفع الدرجات وتُقبل القربات..
                              في هذه الدمعة: فرح بهزيمة الشيطان ورده خائبا خاسرا على
                              عقبيه.. اذ ان الجبار قد غفر لأهل الموقف وتجاوز عنهم بفضله.



                              في هذه الدمعة أيضا: ذكريات عزيزة وأيام خلت لنا فيها عبرة..
                              فيها كان الخليل إبراهيم عليه السلام يسطر حروف التاريخ
                              بمداد من نور النبوة الساطع ويظهر للبشرية طاعة رب البرية،
                              الخضوع والخشوع والانقياد حتى ولو بذبح ابنه..
                              وفي هذه الأزمنة والأمكنة الفاضلة
                              يظهر المعصوم صلى الله عليه وسلم الجلد والصبر
                              على الضيم ويدعوا إلى التوحيد صباح مساء،
                              فيشرق على الكون الضياء من هذه الأماكن المقدسة
                              والبقاع الشريفة .. نعم من هنا كان تاريخنا وكانت حاضرتنا.
                              وبها مهبط وحي الله بل *** أخرج الله بها خير نبي



                              وفي هذه الدمعة حزن على التفريط في زمن الحياة
                              فأن العمر ساعة فهنيئا لمن جعلها في طاعة ...
                              وفي هذه الدمعة: أنين وحنين من الأمل المنشود من الرب المعبود..
                              فما أجمل الأمل .. حين يحدو مطايا القلب ..
                              فهو نور في ظلام وفرح وسلام..

                              تُســكب العبرات
                              وتُقال العثرات
                              وتُفاض الرحمات
                              فكم من ذنب مغفور
                              وكسر مجبور
                              وسعى مشـكور
                              وكم من دعوة مسـموعة
                              وبلية مرفوعة
                              ونعمة متجددة
                              وسعادة مرجوة



                              وتدمع العين في الموقف الطاهر وتُسكب العبرة
                              عندما يرن في الأذن قول الحق جل وعز:
                              {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ
                              لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
                              جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

                              (53) سورة الزمر
                              فإنما هي حسرة على الذنب..
                              فعبرة من الخوف ..
                              فدمعة من الوجل..
                              فدعاء مع الذل..
                              فرحمة من أرحم الراحمين..
                              { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (60) سورة غافر

                              أمولاي إني عبد ضعيف *** أتيتك أرغب في مالديك
                              أتيتك أشكو مصاب الذنوب *** وهل يُشتكى الضرإلا إليك
                              فمن بعفوك يا سيدي *** فليس اعتمادي إلا عليك



                              وتنثر الحجيج العبرات..
                              وتسكب الدمعات في هذه العرصات ..
                              عسى أن يرحمهم الله مع المرحومين ..
                              ويُقالوا مع التائبين.... ويُقبلوا مع المقبولين..


                              تعليق

                              مواضيع تهمك

                              تقليص

                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-08-2025 الساعة 11:33 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-04-2025 الساعة 05:29 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-31-2025 الساعة 10:07 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-30-2025 الساعة 11:48 PM
                              المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 05-30-2025 الساعة 09:36 AM
                              يعمل...
                              X