11- الحج شعائر ومشاعر
*****************
إنَّ الحج موسم من مواسم الطَّاعة،
وعمودٌ من أعمدة الدِّين،
وركيزة من ركائز الإسلام،
شَعائرُ ومَشاعر، يجب أن يَعِيشها المسلم،
ويَحْياها المؤمن؛ لِيَأخذ منها الدَّرس والعبرة،
ويستخلص منها السُّلوك والتطبيق.
في هذا الموسم تَزْدان الأرض بوفود الحجيج،
وتُضيء السَّماء بنور الملأ الأعلى،
وتتألَّق الكعبة وسَطُ الدنيا، وسُرَّةُ الأرض،
ومركز المعمورة، وبؤرةُ التُّقى والصلاح،
ومصدر النُّور والإيمان، ومنبع الصَّفاء والنقاء.
الحجُّ أخلاق تُكْتَسب؛
﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ
وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾
[البقرة: 197].
الحج شعائر تُعَظَّم،
﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾
[الحج: 32]،
﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ
وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا
الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾
[الحج: 30]،
الحج مشاعر لا تُوصَف،
وأحاسيس لا تُكْتَب،
إنما يَسْتطعمها الذي يؤدِّيها،
ويُحِسُّها الذي يلبِّي نداءها،
ويستشعرها الذي يَحْضرها،
فينظر الكعبة، ويُعانق الحجر، ويصلِّي عند المقام،
يسعى كما سعَتْ هاجَرُ - عليها السلام -
ويُضَحِّي كما ضحَّى إبراهيم - عليه السَّلام -
ويُطِيع كما أطاع إسماعيل - عليه السَّلام -
ويطوف كما طاف محمَّد - عليه الصَّلاة والسَّلام -
ويقبِّل الحجر كما قبَّل عمر - رضي الله عنه -
عن حب ورغبة وإخلاص فقط؛
لعل قدمًا تأتي مكان قدم،
وطوافًا يأتي مكان طواف،
وسعْيًا يأتي مكان سعي،
فيزداد الإيمان ويكون الغفران،
وينتشر الأمن ويأتي الأمان.
إن في الحج الذي يصفه الفقهاء بعبادة العمر،
وختام الإسلام، وكمال الدين، روحانية عجيبة،
ومشاعر وأحاسيس لا توصف،
ونسمات إيمانية رهيبة،
تُحلق بالقلب لتحوم به حول العرش،
وتسمو بالنفس في مقامات العبودية ،
تلتف يمنة ويسرة وأنت بين المناسك والمشاعر في الحج،
فتكاد تصدع فؤادك مناظر البكاء والخشية،
وهتافات الدعاء والضراعة،
وتأسرك موقف الانكسار والافتقار بين يدي الملك الجبار،
كل يسأل ربه النجا النجا .
إن هذه المشاعر الروحانية،
والمواقف الإيمانية تتجلى في مواقف عديدة،
ومواطن فريدة تسير مع القاصد لبيت الله
من أول وهلة يطير فؤاده معانقاً {أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ}.
ويأتى الحجاج من كل حدب وصوب ،
من أطراف المعمورة، بالبَرِّ وبالبحر وبالجوِّ،
قاصِدين الدِّيار المقدَّسة؛ لِيَطَّوَّفوا بالبيت العتيق،
الذي جعله الله مثابة للناس وأمنًا،
مشهدٌ ضخم، وميدان رحب، يعجُّ بالمُلبِّين،
لَيِّنةً في طاعة الله أعضاؤُهم، خاشعةً لأوامر الله قلوبهُم،
وتلهج بالذكر والدعاء ألسنتهم،
تُعطِّر الجوَّ والتاريخ أنفاسُهم،
نشيدٌ ثائر، وهُتاف صادق، وشعارٌ رائع؛
((لبَّيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك،
إنَّ الحمد والنِّعمة لك والمُلْك، لا شريك لك لبيك))،
مُظاهرة متلاطمة الأمواج للعباد الذين ذهبوا طاعة لله
- عزَّ وجلَّ - يرجون رحمته، ويخافون عذابه،
يحبُّون لقاءه، ويوقنون في عطائه.
ويتنقل الحجيج بين أعمال الحج المختلفة
ومناسكه وشعائره حاملين من الأحاسيس
والمشاعر ما لانستطيع وصفه،
مشاعر وأحاسيس عند كل شعيرة من شعائر الحج،
عند الكعبة وأول نظرة إليها، وعند الحجر الأسود‘والطواف،
وفى السعى بين الصغا والمروة ،
وعلى جبل عرفات ،وعند رمى الجمار،
وفى المزدلفة عند المشعر الحرام،
نعم .. الحج مشاعر وأحاسيس لا تنتهى
تتعرض لها أثناء رحلة الحج..
تعيشها بقلبك ووجدانك.. تتذوق من خلالها حلاوة الإيمان..
مواقف تربوية ونفحات إيمانية..
نعم..إنها روعة أداء فريضة الحج ..
يتبع
تعليق