إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رضوى عاشور التى أورثتنا حكاياتها

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    في تلك الفترة كانت سلمى تنعم بحريتها في فينا
    فتسهر وتشرب النبيذ والكحول وتتعرف بلا حرج
    على الشباب مصريين واجانب، وقد دعاها عازف
    رصين الى العشاء فاستجابت، ولكن رسالة
    وصلتها من مصر فغيرت خطتها لتلك الليلة،
    اذ اخبرتها الرسالة ان والدها قد توفي،
    وشعرت بالذنب لأنها تركت مضيفها العازف
    وحيدا، بعد منتصف الليل بعد ان لبت دعوته
    وبعد ان اشترت ثوب الحداد الاسود سافرت
    الى مصر مارة بإحدى الدول العربية التي
    لم تذكر اسمها مع اننا ندرك بسهولة
    انها تونس، وهناك تلتقي شقيقتها
    قدرا قليل من الجرأة والتحرر حتى
    لتصارح اختها بأنها اقامت علاقة مع شاب
    مصري وتركته غير آسفة، وتواصل سلمى
    رحلتها الجوية الى مصر حيث تلتقي
    امها شمس واخاها عليا الذي تزوج من بنت
    جارتهما امينة وانجبا ولدا وبنتا ولا تلبث
    اختها بشرى ان تأتي فيلتم شمل الاسرة
    الا من طه زوج بشرى المعتقل،
    ومديحة التي تزال في تونس،
    ويتشاجر طفلا علي وبشرى حول
    مصير طه اذ يفترض الصغير ان طه
    ما دام معتقلا فهو حرامي.

    تسافر بشرى الى الريف حيث
    اهل طه فيهتمون بها ويكرمونها
    وتمنحها امه بعض الارغفة
    التي يصنعها الفلاحون بمهارة مشهودة،
    وحين تعود يكون عليها ان تخوض
    رحلة منهكة بوسائل نقل بدائية
    وذلك في مناخ محتقن بالاحداث اذ يتعرض
    الطلاب للضرب والاهانات وتنسد الشوارع
    بسيارات الشرطة وهي مناسبة لكشف
    نذالة سيد الذي خاف ان يهرع الى
    نجدة شقيقته بينما وجدت شمس نفسها
    وسط التظاهرة تواجه القمع بالحجارة.
    كان التعب قد هد بشرى من سفر الى سفر
    الى متابعة المسيرة فتتكئ على
    تمثال نهضة مصر تستدفئ بحجارته
    لتطرد البرد فتغفو ويقبض رجال الامن
    عليها مشككين في شرفها ويبعجون
    ارغفة الخبز التي حملتها من الريف،
    للتأكد من انها لا تحمل سلاحا،
    وبعد ثبوت براءتها تمسح دموعها
    وهي عائدة الى البيت.



    يتبع

    تعليق


    • #17
      وتنتمي هذه الرواية الى ما يمكن ان نسميه

      بالادب الاجتماعي

      النساء هن بطلات هذه الرواية حتى لو
      اخذ طه دورا لافتا، فمنذ البداية تطالعنا
      شمس بوصفها أما في حالتين:
      حالة الولادة والرضاعة وحالة التربية،
      فهي قد انجبت بشرى واخوتها لكنها
      ارضعت سلمى وربتها فكأنها ام ثانية لها
      بعد قدرية المتوفاة ولن تمر الرضاعة

      بيسر فقد فكر علي في الزواج من سلمى
      الا ان الرضاعة حرمتها عليه،

      فكان اخا لها بعد ان فقد فرصة

      ان تكون أما لأولاده،

      اما سلمى المحرومة من الام البيولوجية

      بسبب وفاة قدرية فمن الطبيعي ان يكون

      ضغط الام المربية شمس اقل مركزية

      وضبطا لها اما منيرة التي تزوجها

      والد سلمى بعد وفاة قدرية فهي ابسط

      واضعف من ان تفرض شروط التربية

      على سلمى، لهذا لم تكن سلمى

      مضطرة الى الزواج من سعيد الذي لم

      يستطع ان يملي عليها شروطه فهي

      تسهر وتتأخر وتركب الدراجة الهوائية
      على كورنيش النيل، ولا تعنى بتنظيف البيت،
      كما انها تتلكأ في تلبية واجباتها الزوجية
      وكما هو متوقع من هذا الانموذج النسوي

      المتمرد فإنها تكاد تتباهى بأنها

      لا تعرف الطبخ ويصفعها زوجها

      صفعة كافية لدفعها الى طلب الطلاق،
      وقبل ذلك كانت تجاهر بأنها

      لا تريد انجاب الاطفال،
      انها مثال نافر للفتاة المتطرفة في التمرد
      على نواميس المجتمع الذكرية

      مع انها تحمل رواسب التقليد

      والمحافظة عندما يتعلق الامر بالجنس،
      ولكن الامر الاسهل وهو انها تشرب النبيذ والكحول
      يكون ممكنا، بحدود التكتم فهي تشرب امام

      شمس التي في مقام امها ولكنها تستخدم

      كأسا معتمة حتى لا تعرف الام ماذا تشرب،

      وليس ذلك كبتا كله، فهي تمد من وراء ظهر
      شمس كأسا لعلي الذي يرضى ويستزيد.


      أما بشرى فتقدم نموذجا مختلفا
      فهي تحب طه وتعانقه في بيته

      وتبلغ الى امها رغبتها في الزواج منه،
      ويكون لها ذلك بل انها تبدي موقفا بطوليا

      من اعتقاله وتصبر حتى يلتقيا بعد

      الافراج عنه وتنجب منه وتربي

      ولديه تربية صالحة بعد اعتقال من جديد،
      اما نشاطها كمعلمة فيكشف تأخر

      نظام التدريس، فيما تقدم المثل الطيب
      على المعلمة التي تكسب ثقة التلميذات

      ولن تتوانى عن المشاركة في المسيرات الشعبية المغضبة.
      ويمكن القول ان الشقيقة الصغرى مديحة
      هي بنت ثقافة التمرد فهي تؤيد

      المتظاهرين والمتظاهرات وترد على ابيها
      المعارض لذلك وتعترف لشقيقتها سلمى

      بأنها كانت على علاقة مع شاب ثم تركته

      وكالعادة تتحرج الكاتبة من ان تكشف عن

      المدى الذي وصلت اليه مديحة في علاقتها تلك.

      تعليق


      • #18
        تدل الرسائل المتبادلة بين الشقيقتين بشرى وسلمى
        - اهي مصادفة ان اسميهما على وزن رضوى-
        على عدم رضاهما عن قوانين المجتمع،
        فرضوى تنتقد الصورة الكاريكاتورية التي
        تجسدها ناظرة مدرستها، اهمالا واستغلالا وفقرا
        في المسؤولية، واذا كانت قوانين الدراسة تعطي
        الست الناظرة المتخلفة كلمة عليا في ادارة المدرسة
        فإن غاية ما تستطيعه بشرى هي ان تقدم صورة
        محترمة للمعلمة المخلصة التي تكسب ثقة تلميذاتها
        وتجعل نفسها قدوة لهن، ولكن هذه الصورة
        الحسنة - ظلت وهذه مشكلة الكاتبة - في اطار
        حسن السيرة والسلوك ومع ان الرواية بدأت بما
        يوحي بمقدارية بطولة الرواية لبشرى الا ان الكاتبة
        قد اكتفت بعلامات ايجابية لها سواء من حيث
        التدريس او من حيث اختيار شريك الحياة في
        لحظة هي مزيج من الحس العالي بالمسؤولية او
        من حيث المشاركة في حملة الغضب على النظام
        هذه الحملة التي كشفت التناقض بين شخصية طه
        المقدام وشخصية سيد الذي جبن عن ان يأتي بأخته
        من الشارع وسط الحجارة والهراوات.


        طبعا لا احد يفرض على الكاتبة ان تتصرف
        بمصائر شخصياتها في اتجاه معين ولكن هذه
        الحقيقة لا تنفي ان د. رضوى هي من جيل بشرى
        بل اننا لو سمحنا لأنفسنا بالتدخل من خارج النص
        لقلنا انها من الرموز الثقافية التي مثلت وهي في
        عز الشباب رمزا لجيل الغضب لكنه الغضب
        المحسوب في مجتمع شرقي ينصب من عيونه
        وجواسيسه رقباء على هذا الجيل ولا سيما في
        موضوع الشرق، فكانت للكاتبة عينان: واحدة على
        نزعة التحرر الذي يطابق بين الذاتي
        والموضوعي وثانية على الحذر من استغلال
        المحافظين لأي نتوء في سلوك الفتيات المتمردات،
        فهي لم تغمطهن حقهن في ان يعبرن عن انفسهن
        ويخترن اقدارهن ويدافعن عن الفتيات المكسورات
        المحبوسات في البيوت - كما فعلت بشرى بنوارة
        المرأة الريفية التي تريد لابنتها ان تكمل تعليمها-
        وتعطي الكاتبة صوتها لمديحة التي تتعاطف مع
        زوج اختها طه في ثورته والثمن الذي يدفعه من
        اجل مبادئه، اما على مستوى حياتها الشخصية
        فإنها تعترف بما هو اكثر من الحب لكنها سرعان
        ما تقفز عن هذا الموضوع وتتركه في منطقة
        ضبابية او تقفل عليه بأنها مشغولة الان بالبحث
        عن شريك لحياتها، اما سيد، شقيقها الجبان فقد كان
        يجب من وجهة نظرالكاتبة ان تنازل به عقوبة
        معينة عندما يحتقره طه، ابن جيل الغضب بامتياز،
        وهو يحتقره لأنه يقوم بتجارة غير نظيفة فكما ان
        الطيبين للطيبات في الثقافة الاسلامية فإن السلبي
        في السياسة هو سلبي في العلاقات الاجتماعية.

        تعليق


        • #19
          تبدو النساء العاديات في هذا العمل
          وكأنهن معلقات في فضاء محذوف،
          بلا عمق ولا هدف وتلك صورة قسرية

          لا تتناسب وانسانيتهن المفترضة،

          وهذا ما يفسر مرارة الصبايا الواعدات وتمردهن،
          فمنذ البداية تعلق والدة خطيب سلمى

          عليها بأنها اقصر منه بشبرين كأنها فصلت له،
          ولا ابلغ من الرد على هذا التشبيه الا قول

          مديحة المعبرة، على طيش عمرها النزق

          عن واقع الحال: تتحدث وكأن اختنا بدلة

          او حذاء، والحق مع مديحة في هذا،

          فمقياس الجودة والكمال عند ام الخطيب

          هو الحجم والقطعة لا الوعي والثقافة

          او حتى الجمال، وطبيعي ان مقياسا كهذا
          لن يغفل عن نقطة في مصلحة البنت،
          وهي انها اقصر من الرجل فهكذا
          هي قوانين المجتمع وهو ما لا يصمد للزمن
          الا اذا رضيت الفتاة بنصيبها على حد تعبيرام طه،
          القروية البريئة، أن تسكت وتتحمل وتعيش.
          وام طه ذاتها ليست مقتنعة بهذا الظلم

          ولكنها ترى الافق مسدودا امام الفتيات

          فتقول: يا بنتي لو ان المرأة تغضب وترجع
          في كل مرة يقع فيها الظلم عليها

          لانخربت كل البيوت ولما وجدت بيتا

          واحدا عامرا ومفتوحا، سنلاحظ الان ان

          الرأي والرأي المضاد في قضية النساء

          هنا هما من اراء النساء.
          فمن حق بشرى ان تحتج على هذا

          الوضع الذي يحرم المرأة من كل شيء

          لا شهادة ميلاد ولا شهادة تعليم وقد

          لا تكون لها شهادة وفاة، هل يمكن
          للانسان الحصول على شهادة وفاة اذ

          لم تكن له شهادة ميلاد؟ ومرة ثانية

          تكلم اللغة من حيث الصياغة مهمة انتاج الواقع،
          فبشرى تحيل المرأة بماهي صاحبة حق

          على كونها انسانا كأنها تكرر قول

          سيمون دو بوفوار من ان المرأة تولد انسانا
          ولكن المجتمع هو الذي يحولها امرأة

          ولأن المجتمع مؤلف من نساء ورجال

          فإن نساء المجتمعات المتأخرة يسهمن

          في صنع الواقع المهيمن عليهن بكل قسوة،

          وكأن ام طه حين ساعدت جارتهن حمدية
          على الولادة في ظل تلك الظروف غير

          المضمونة انما تقيد انتاج واقع المرأة حقيقة
          لا مجازا، يؤكد ذلك ان بيوت الجيران

          مفضية بعضها الى بعض كأنها نموذج واحد
          يتناسخ وفي مكان اخر من الرواية تقول شمس

          انها منذ ثلاثين سنة لم تر حديقة الحيوان
          فتؤكد منيرة انها مثلها في ذلك، وقد لا تكون

          حدائق الحيوانات موجودة في المدن كلها،
          بمعنى ان عدم زيارة الحديقة قد لا يكون
          ظلما مطلقا بحد ذاته ولكن المجاز يأخذ

          صفة القانون وسط هذه المظلمة الانسانية.
          وبعد كل اشارة الى الظلم الواقع على النساء
          يتأكد مطلب المجتمع بأن تضحي المرأة بلا حدود،
          فسعدية تنجح ولكن يجب ان توضع في

          البيت حسب اوامر ابيها انتظارا للزوج،

          وبشرى التي تسمع آراء النساء الجائرة
          على مصيرهن ستزور بعد ذلك بيت ام الشهيد،
          كأنما على الام ان تضحي بابنها من اجل

          الوطن فيكافئها الوطن بأن يركنها في البيت
          بين الزرائب، واذا حاولت بشرى ان تؤكد

          انسانيتها بالدراسة والتعليم والزواج ممن تختار،
          فإن رجال الامن سيقارنون بين بنات الليل
          وهذه الشابة الجامعية المنتجة بل انهم يتهمون

          ارغفة الخبز بأنها متفجرات، وقد يقال ان هذا

          ظلم سياسي قائم على ابناء الوطن جميعا
          فقد يفحص رجال الامن حتى الارغفة في ايدي
          الرجال، وهذا صحيح من حيث المبدأ

          لكن ما اغرى رجال الامن بإبداء هذه القسوة

          هو ان ظهور بشرى - وهي المرأة- كان امرا

          غير طبيعي قد يشك رجال الامن في الرجال

          هناك، لكن شكهم في المرأة يأتي محمولا

          على منظومة من القيم والاخلاق المضادة

          لحقوق المرأة. ويأتي الرمز ليؤكد الدلالة

          فقد كانت بشرى مسلمة منتجة في ظل

          تمثال نهضة مصر، وقد آذتها السلطة عميقا

          في ظل تلك النهضة، التي لم تكن الا حجرا دافئا.

          تعليق


          • #20
            على ان هذا الواقع يشمل النساء كما الرجال
            داخل الوطن كما هو خارج الوطن فإذا

            كانوا يلهثون وراء خبز العيال في الوطن

            وامام هروات رجال الامن في الشوارع،

            ويذهبون الى القبور شهداء مجهولين،

            فإن الوطن يرسلهم كعمال التراحيل الى خارج
            الحدود بحثا عن العمل في ظروف لا يعلم

            الا الله طبيعتها وبهذا المعنى فإن هؤلاء المصريين،
            هم شأن البشر جميعا، ابناء نساء واباء نساء
            واشقاء نساء اي ان الظلم الواقع هنا على الرجل
            هو الشقيق الاكبر للظلم الواقع هنا وهناك

            على النساء، ولهذا نجد سلمى تعي وهي في الغربة
            ان الرجال الكادحين الباحثين عن العمل في النمسا
            هم صورة عما هم عليه في الوطن،
            واذا كانت علاقة الرجل بالمرأة هي علاقة بشرية
            بدءا بالحاجة البيولوجية وصولا الى التكامل
            الانساني فلماذا شعرت سلمى بأنهم لا يملكون
            الجرأة على الاشارة الى خصوصياتهم بدءا
            بالامهات؟ والجواب ليس صعبا، انهم رجال
            مقهورون لا يجدون في الحب خلاصا بقدر ماهو
            تذكير لهم بالانتهاك الروحي الذي يتعرضون له،
            والان تعالوا نكمل الصورة بما سيحدث خارج
            النص فسوف يعود هؤلاء الرجال على الارجح الى
            اوطانهم خائبين او مزودين ببعض الفوائد وستفرح
            بهن نساؤهن في ليالي العودة الاولى ثم لا تلبث
            آثار الانتهاك ان تظهر في صورة ردود فعل على
            النساء والابناء لأن حصيلة الغربة هي ان - الرجال
            الغرباء في المدن الغريبة- بجمعون القروش -
            ويحسبون الايام - وينفقون العمر.
            والواقع ان حيثيات الرواية ترشح بشرى اكثر من
            سلمى للقيام بهذا النوع من الكتابة، فبشرى هي
            التي تتعامل مع العلوم الانسانية كالتعليم والتربية
            بمستوييها الاجتماعي والدراسي، اما سلمى فإن
            تمردها المعبر عنه بالسهر والشرب والسفر، لا
            يضعها امام اختبار الكتابة،فقد جعلت الكاتبة من
            سلمى قناعا لها، على ما في الشخصيتين من طباع
            مختلفة، وقد رأت الكاتبة ان تأتي بالقناع المختلف
            لتقول ان تلك الحساسية الاجتماعية بعمقها الانساني
            من شأنها ان تأتي من البشر جميعا وليس من
            انموذج محدد، لقد عادت الكاتبة المثقفة الى
            العنصر الاول من المعادلة وهي ان المرأة انسان
            جعله المجتمع مرأة وقد خدمها الرمز موضوعيا
            عندما اختارت تمثال نهضة مصر.
            فمصر في اللاوعي الوطني هي ام الدنيا، انها ام
            اي امرأة، وتمثال نهضة مصر الذي استظلت به
            بشرى العائدة لتوها من رحلة منهكة بين الريف
            البائس والمدينة المعوزة، هو تمثال امرأة، وهكذا
            نستطيع ان نفسر بثقة الم المرأة بأنه جرح للرجل
            ومهانة الرجل بأنه انتهاك لإنسانية المرأة،
            والمصري والمصرية يلتقيان عند اللحظة الانسانية
            الموكول مصيرها الى حجر دافئ يجمع صلابة
            الواقع الى دفء المشاعر.



            يتبع

            تعليق


            • #21
              نستطيع ان نستلهم من شخصية سيد النذل
              الانتهازي وشخصية طه المناضل المبدئي
              عنصرين في معادلة وجودية نلتقي عند علي الذي
              لا يمكن كابن بلد الا ان يكون مع طه ولكن عينيه
              مع ذلك تريان المباءة التي وقع فيها شقيقه سيد من
              غير ان تقوم حالة صراع بينهما.

              فالثقافة السائدة تنشطر الى موقعين شفوي ورسمي
              اما الموقع الشفوي فيشي ببطولة طه وشرفه
              ويمنحه بشرى - ولاسمها دلالة رمزية- التي تقف
              الى جانبه حتى الرمق الاخير وتنجب منه، أما
              الموقع الرسمي فهو الذي يثبت النفاق الاجتماعي
              او الحذر من العواقب واذا اخذنا سلمى مثلا فهي
              ليست انتهازية حتى تنتقد سلوك زوج اختها الحازم
              الشريف، ولكن ابتعادها عن المعايشة اليومية
              للواقع السياسي جعلها لا تفهم ايجابية الضرر الذي
              يجره طه على اسرته، بينما نرى مديحة بما هي
              صرخة مشاعر فطرية متعاطفة مع طه زوج اختها
              على حساب شقيقها سيد الذي تشبهه بابن الحرام،
              ووجه المقارنة ان الاشقاء جميعا باستثناء سيد هم
              نحفاء ضامرون لكن سيدا يزداد سمنة يوما بعد يوم
              في اشارة الى المجاز الشعبي الذي يرمز للفقر
              بالنحافة وللسمنة بالغنى، ولما كانت الطريق التي
              سلكها طه ومعه بشرى تؤيدهما مديحة هي طريق
              النضال ولما كانت مسيرات الطلبة المناضلين
              تتعلق بالاحتجاج على الغلاء وبالتالي على الفقر
              فإن من الطبيعي في النتيجة ان تجد شمس نفسها
              وهي الام البسيطة غير المسيسة وقد حملت
              الحجارة وقذفت بها رموز القمع، فهي فقيرة
              مردودة الى اصلها مع الفقراء بينما كان من
              الطبيعي في الاتجاه الاخر ان يكون سيد الذي
              يزاول الاعمال القذرة واقفا الى جانب القمع ضد
              التلاميذ والعمال.

              ان امينة وخطيبها عليا يناضلان من اجل مستقبل
              البلد، هكذا هتفت لهما مديحة ببراءة ويأتي الصدى
              من الام شمس - مرة ثانية لا تفوتنا رمزية الاسم -
              التي لا يسعدها ان يكون ولداها في خطر ولكنها
              بحكم شعورها المتطابق مع المصلحة العامة تحمل
              الحجارة في صفهما، اما الاب البسيط المحكوم
              بطغيان الثقافة السائدة فإن ما يؤرقه هو سمعة
              البنت وشرفها وما يمكن ان يقال فيها بعد اعتقالها
              بين الشباب.

              اما طه فهو منسجم مع نفسه واثق من اشارات
              المستقبل، ولهذا فهو يخاطب رفيقة عمره وام ابنه
              بشرى، حتى وهو وراء القضبان قائلا: تحديدا لأن
              هذه الامور هي على ما هي عليه الان فلن تبقى
              على حالها.

              هكذا لا تنتهي رواية حجر دافئ بمواساة ساذجة
              يقدمها احد اشكال الواقعية الاشتراكية بل تسفر عن
              يقين بالمستقبل مدركة ان الثمن الباهظ الذي يدفعه
              جيل طه وبشرى وعلي وامينة هو عربون الامد
              المشدود الى استحقاق الحرية.

              صحيح ان وسائل التعبير عن هذا الامل مرهونة
              بقوة الوعي المتفاوت، ولكن البوصلة بشكل عام لا
              تحيد عن الاتجاه المؤدي الى سكة السلامة، قد
              نتعاطف مع حماسة مديحة ونستهجن استعجال
              سلمى على التمرد، لكن بشرى هي التي تحمل مع
              طه بشارة التغيير وسيثبت لابنهما خالد ان اباه طه
              ليس حراميا بل هو ابن البلد ومعه رفيقة عمره
              بشرى المسنودة الى حجر دافئ.

              تعليق


              • #22
                "أثقل من رضوى"
                تقول عنها د. رضوى : قصدتُ شيئاً مختلفاً
                من القول
                يتسم بالألفة وانعدام المراتب؛
                كي أترك القارئ العادي يتأمل قدراً شبيهاً بقدره،
                ويحاور إنساناً قريباً منه’.
                ومن ثم؛ يصدر ‘أثقل من رضوى’ عن وعي
                مسؤول يُماهي بين المعرفة والأخلاق،
                ويضع الكاتب وجهاً لوجه أمام ذاته دون أقنعة
                ولا رتوش ليدخل معها في حوارية متعددة الأبعاد
                تُمسي مرايا لبعضها بعضاً، وتستعيد ماهية السؤال
                التي لا تستنفد عن القيم ودلالاتها واللغة
                وممارساتها فتعمق معنى الحياة في مواجهة
                عمليات تسليعها وتجريفها وإرغامها على تعريف
                نفسها في أضيق نطاق ممكن. والكاتبة هنا لا
                تستدرجنا إلى ساحتها لتلقي علينا دروساً وعظية
                إرشادية تضحي فيها بحريتها
                على مذبح مواضعات مجتمعها المحافظ
                وبنيته المغلقة، بل تعمد إلى ملامسة الذات
                وولوج دروبها وشِعابها واستقطار ما وَقَرَ
                فيها من تحديات وما صَح عزمها عليه من
                تأسيس وتشييد وما نزل بها من طول
                تفكر وشدة عناء وتحفيز للفعل الإنساني
                في الطبيعة والتاريخ؛ بوصفها إنساناً قادراً
                على الحركة والإبداع والتفكير وعدم التصالح
                مع الواقع الرديء السائد وتراتبيته غير العادلة،
                أوعلى حد قولها:
                ‘لا أحتاج في حالة كتاب السيرة الصريح
                الذي أكتبه سوى النظر حولي وورائي
                وفي داخلي لأرى أوأتذكر كأنني أنقل نقلاً ؛
                فالأحداث مكتوبة سلفاً، وكذلك الشخصيات
                والأماكن والأزمنة. ربما أضيف تعليقاً أو
                خاطرة أو بعض تأملات هنا أو هناك.
                تظل المهمة برغم ذلك أبسط، ويبدو الخيال
                بلا وظيفة ولا دور، ينفرد العقل بمهام
                حَكْي ما سبق لي أن خبرته ورأيته وسمعته
                وأحسستُ به. كأنه آلة تُلْقمها الذاكرة
                ما تُلْقمها؛ فتنتج الكلام’.

                تعليق


                • #23
                  استخدمتْ د. رضوى ضمير المتكلم لا ضمير
                  الغائب لتتحدث بشفافية ومباشرة،
                  ولتشرك قارئها معها فيما عاشته أو عايشته
                  من آمال وآلام، وما صادفها من نجاحات
                  وعثرات، من موقعها الدائم ‘السيدة العنيدة
                  المستعفية’ على حد تعبيرها،
                  الفخورة بانتمائها إلى ‘جنس آدمي طور
                  على مدى آلاف السنين شيئاً ثميناً اسمه الكبرياء’،
                  مؤمنة بأن ‘الحياة، برغم كل شيء، تتجدد وتستمر
                  وتتجاوز، وأن الموت تؤطره الحياة؛
                  فهي تسبقه وتليه، وتفرض حدوده،
                  تحيطه من الأعلى والأسفل.

                  هذا يقيني’، موقنة بأن ‘ ‘التاريخ أشبه ببستان
                  مكنون في باطن الأرض، له مسالكه وتعرجاته
                  ومجاريه المتشابكة ‘، تميل إلى ‘الوسوسة فيما
                  يخص التاريخ والجغرافيا تحديداً، برغم أنني في
                  حياتي الخاصة أبعد ما أكون عن الوسوسة’،
                  دائمة النقد والمراجعة لنفسها، كما حدث لها
                  مع تلميذتها وصديقتها المناضلة نوارة نجم،
                  حين لجأت إليها هرباً من مجزرة أعدها الأمن
                  والشرطة العسكرية لمعتصمي ميدان التحرير،
                  وحاولتْ د. رضوى ‘الدردشة’ معها عندما لاذت
                  بالصمت وراحت تهدئ هواجسها ببث تغريداتها
                  لأصدقائها من تلفونها المحمول ‘لم أكن أعرف
                  حجم ما حدث. حين عرفتُ وتمثلتُ، قلتُ: أي
                  حماقة هذه يا رضوى، تحاولين صرف
                  انتباه ناجية من المجزرة بعد ساعتيْن من حدوثها؟
                  آسفة يانوارة’، وظلت حياتها متمحورة حول ‘
                  رواية تكتبها أو بحث تنجزه أو محاضرة ترضى
                  عنها أو رسالة تشرف عليها لباحث
                  أو لباحثة تُفرح قلبها، وتمد في عمرها’،
                  مدركة دور الثقافة الوطنية في تشكيل الوعي
                  الجمعي الحر؛ لذلك فإن كل كتاباتها الروائية
                  ‘محاولة للتعامل مع الهزيمة، واستعادة إرادة
                  منفية’، وأنها ترى ‘في رسائل التشاؤم فعلاً
                  غير أخلاقي بوصفها مُدَرسة’. إذن ..

                  تعليق


                  • #24
                    تشير د. رضوى إلى أن أباها اختار لها اسمها
                    على اسم جبل ‘يقع بالقرب من المدينة المنورة،
                    تضرب به العرب المثل في الرسوخ فتقول:
                    ‘أثقل من رضوى’ ؛ لأن الجبل ـ في واقع الأمر-
                    سلسلة من الجبال الممتدة إلى الشرق من ينبع،
                    بها جداول ماء وشِعاب وأودية، ووعول
                    وغزلان، تحلق في أرجائها النسور
                    والصقور والقَطا والحمام.
                    وتقول بعض فِرق الشيعة إن الإمام الغائب
                    ‘محمداً ابن الحنفية’ مقيم في جبال رضوى
                    حتى تحين الساعة التي يظهر فيها؛
                    فيملأ الأرض عدلاً بعد أن عَم فيها
                    الظلم والزور’. وكان قد سبق لأبيها
                    أنْ كتب على أحد الجدران بحجر جيري قبل
                    زواجه من السيدة مَية عبد الوهاب عزام والدتها:
                    سأسمي ابني طارقاً ؛ تيمناً بطارق بن زياد فاتح
                    الأندلس وبالجبل الذي يحمل اسمه.
                    وتعزو د. رضوى اصطفاء أبيها لاسمها ولاسم
                    شقيقها المرحوم د. طارق، بالإضافة إلى اسمي
                    شقيقيْها الآخريْن: الأكبر د. حاتم، والأصغر وائل
                    اللذيْن اقترحهما جدها لأمها، ورَاقَا لأبيها،
                    إلى غرامه- والدها- باللغة العربية والبلاغة
                    والخطابة ؛ بحكم ولعه بالأدب العربي، وحرصه
                    على اقتناء ما يمكنه من شعره ورسائله’.
                    وهذا – لا ريب – صحيح ؛ لأن حاتماً لغةً،
                    تعني القاضي والحاكم، كما تُحيل الذهن إلى
                    شخصية حاتم الطائي الشهير بالكرم في تراثنا

                    أما وائل فهو من وَأًلَ أي لاذ ولجأ وخَلَصَ،
                    وهناك قبيلة عربية تدعى بني وائل نزحت
                    من شبه الجزيرة العربية إلى مصر،
                    واستوطنت منطقة تسمى الوايلي عُدت تحريفاً
                    لبني وائل كما تذهب كتب التاريخ،
                    وبذلك نشأت د. رضوى عاشور في بيت علم
                    وثقافة رصينة رفيعة، إنْ لجهة والدها المحامي
                    مصطفى عاشور عاشق اللغة العربية ودارس
                    آدابها بمنظومها ومنثورها، أو من ناحية والدتها
                    التي كانت قبل زواجها تنظم الشعر، وترسم
                    اللوحات الزيتية بالأسلوب الكلاسيكي الذي تعلمته
                    من راهبات مدرسة العائلة المقدسة في حلوان،
                    وتتعلم العزف على البيانو الأسود الكبير في بيت
                    والدها، ثم انقطعت على مضض إثر زواجها
                    وخلفة الأبناء ؛ فحولت اهتمامها إلى
                    أناقة ملبسها وملابس أولادها،
                    أو من جانب جدها لأبيها د. عبد الوهاب عزام
                    أستاذ الأدب الفارسي الذي نقل آدابه وتراثه
                    إلى لغة الضاد، وحقق ملحمة ‘الشاهنامة’،
                    وعمل سفيراً بالسلك الدبلوماسي، وأسس وأدار
                    جامعة الملك سعود ‘الرياض حالياً’ ؛
                    الأمر الذي هيأ للدكتورة رضوى المناخ المواتي
                    لمواصلة طريقها العلمية والبحثية، وجعل لغتها
                    العربية تمتاز بالعذوبة والشاعرية وعدم التكلف
                    . لذلك عندما تصف ما أجراه الجراح الإسكتلندي
                    ستيفن دافيسون من عمليات في جسدها،
                    فإنها تتحدث عن ‘معجزة من نوع ما، تمزج
                    الجراحة بالخيال، وتجمع بين حرفة
                    الجراح وجرأة المخترع وإبداع النحات’ ..



                    يتبع

                    تعليق


                    • #25
                      تذكر د. رضوى أنها وثمانية من زميلاتها
                      وزملائها من جامعتي القاهرة وعين شمس وزميلاً
                      واحداً ‘د. صادق النعيمي’ من جامعة المنوفية،
                      ذهبوا إلى قصر الزعفران مقر رئيس جامعة
                      عين شمس ونوابه وأمينها ومدراء مكاتبهم
                      وأطقم سكرتاريتهم ؛ لتسليمهم نص حكم المحكمة
                      الإدارية العليا برفض الطعن المُقَدمِ من رئيس
                      الوزراء ووزيري التعليم العالي والداخلية،
                      على حكم سابق بإنشاء وحدات للأمن الجامعي
                      لا تتبع وزارة الداخلية، بل تتبع إدارة الجامعة.
                      وتضيف قائلة: قضت المحكمة بأن وجود قوات
                      شرطة بصفة دائمة داخل الجامعات ينافي الدستور
                      وقانون تنظيم الجامعات، ويمثل انتقاصاً من
                      استقلال الجامعة وحرية الأساتذة والطلاب
                      والباحثين. وقدم د. عبد الجليل مصطفى نسخة
                      من قرار المحكمة هذا وبيان جماعة 9 مارس
                      للضباط الواقفين أمام بوابة قصر الزعفران
                      لتوصيله إلى رئيس الجامعة ؛ توطئة لاتخاذ
                      الإجراءات الكفيلة بتفعيله.
                      وتعلق د. رضوى على ذلك بقولها:
                      وهو تقليد نتبعه لتوصيل رسالة مزدوجة:
                      عملنا علني، وضمناً: لا نخافكم. بَيْدَ أن هذا
                      المشهد يستدعي إلى ذهن د. رضوى، يوماً بعينه
                      في منتصف التسعينيات على الأرجح،
                      حين طالبت جماعة العمل من أجل استقلال
                      الجامعات ‘بإقالة وزير الداخلية ومحاكمته
                      لمسؤوليته عن قيام قوات الأمن بالاعتداء على
                      الطلاب المتظاهرين في الإسكندرية ؛
                      مما نتج عنه إصابة بعضهم ومقتل طالب من
                      الطلاب’. وأخذت تروي ببراعة أدبية فائقة
                      وجرعة كوميدية لا تنفد، قصة ذهابهم إلى
                      قصر عابدين ؛ مقر سكرتارية رئيس الجمهورية،
                      ووجوه الضباط الذين اعترضوا طريقهم وما
                      انعكس على وجوههم من مشاعر وتعبيرات
                      حيال ذلك، ثم اختفائهم وحلول موظف
                      من موظفي أمانة رئاسة الجمهورية محلهم
                      لاستطلاع أمرهم وما جاءوا من أجله،
                      وما يمكن أن يطوف بخَلَدِهِ من أفكار عقب
                      عودته إلى منزله ولقائه زوجه: تصدقي جاءوا
                      بأرجلهم يطلبون محاكمة وزير الداخلية ؟!
                      لو كانوا شخصيْن أو ثلاثة لقلتُ إنهم مجانين،
                      ولكن عددهم تجاوز الثلاثين. أساتذة جامعة
                      محترمون، بعضهم دكاترة في كلية الطب ..
                      غير معقول! وهنا تزيح الكاتبة القديرة من خلال
                      هذيْن المشهديْن النقاب عن ماهية الدولة البوليسية
                      في مصر وما نهضت به من أدوار في تصفية
                      الحياة السياسية، وتأميم الجامعات المصرية،
                      وتكميم الأفواه، وتدجين الأساتذة والطلاب؛
                      مما جعل الحرم الجامعي متخماً برجال الأمن
                      المتواجدين بالملابس المدنية؛ لمراقبة الأساتذة
                      والطلاب والاعتداء عليهم والإبلاغ عنهم ‘على
                      غرار مخبر يدعى ‘غريب’ قام مع زملاء له
                      بضرب طلاب كلية التجارة بالجنازير والسلاح
                      الأبيض قبل أربعة أعوام، ثم نقله جهاز
                      أمن الدولة إلى كلية الحقوق حيث تخرج
                      وعُينَ مستشاراً لإحدى الأسر بها،
                      وآخر منتسب إلى قسم اللغة الإنجليزية وآدابها
                      بعد حصوله على بكالوريوس كلية زراعة،
                      يظهر فقط في فترات الأحداث السياسية المهمة
                      حين ينشط الطلاب للتعبير عن أنفسهم .
                      يجلس في مقعد من مقاعد الصف الأول
                      ببخاخته حيث يعاني من مشكلات في التنفس
                      ومعه أوراقه وقلمه ليدونَ بحرص كل ما
                      تقوله د. رضوى’.
                      مما حَدَا بالدكتورة رضوى إلى أن تتساءل
                      عما إذا كان هناك فارق بين
                      كاتب التقارير البائس والبلطجي مفتول العضلات
                      أهو فارق في نوع الوظيفة،
                      أم هو فارق بين زمنيْن وأسلوبيْن:
                      القمع المستور والقمع المعلن ؟

                      تعليق


                      • #26
                        إن ما تقدمه د. رضوى عاشور هنا في كتابها
                        وهو كثير وثيقة إدانة لنظامنا السياسي
                        الذيْ حرما النشطاء من الطلاب من دخول
                        حرم الجامعة ؛ جزاء لهم على المشاركة
                        في مظاهرة، أو كتابة جريدة حائط أو ما شابه .
                        وأديا إلى ‘فتح خراطيم الماء، وإلقاء الحجارة
                        والزجاجات الفارغة على طلاب
                        جامعة الإسكندرية ..
                        ولم تستقل د. هند حنفي رئيسة الجامعة
                        إلا بعد معارك شرسة شهدها حرم الجامعة.
                        ودَهَمَ مسؤول كبيرفي جامعة المنوفية بسيارته
                        المسرعة جمهرة من الطلاب المعترضين
                        فأصاب من أصاب منهم .وأطلقت البلطجية
                        المدججة بالعصي والسلاح الأبيض على
                        الطلاب المتجمهرين في قاعة من قاعات
                        كلية الإعلام’ . ومن ثم ؛ نشأ في مصر نظام
                        تعليمي يشكو من تدني نسق المدركات والقيم
                        والسلوكيات، وضعف الإنفاق على البحث العلمي
                        والتطويرنتيجة ضعف الإنفاق على التعليم،
                        ومحاربة حرية التفكير والتعبير عن الرأي،
                        واستنزاف قدرات جامعات الدولة من خلال
                        إغراء الأساتذة بالعمل في الجامعات الخاصة
                        التي أنشأها أصحاب السيراميك
                        وتربية العجول وإنشاء مفارخ البيض
                        والمضاربين في البورصة
                        ومرتباتهم الدسمة.
                        إزاء هذا الوضع المأساوي الرث،
                        يتعين فهم تجربة د. رضوى عاشور
                        ووصف تجربتها الكلية الإنسانية،
                        وفي تقاطعها مع صورة المجتمع في اختلاله
                        واعتلاله وما أصابه من تدهور على مختلف
                        الأصعدة، وهو ما تعبر عنه بقولها:
                        لا أفهم في الصدف . أتأملها وأفشل في فهمها،
                        ولا أعني الصدفة كظاهرة، بل تصادف تواريخ
                        أمريْن داليْن، أو تصادف حدوث أمر حزين
                        مع آخر سعيد ‘أو العكس′ في اليوم نفسه
                        من ذات السنة أو بعدها بسنوات ؛
                        كأن أفقد والدي يوم عيد زواجي،
                        وأن يتعرض صديقنا رسام الكاريكاتور
                        ناجي العلي للاغتيال في التاريخ نفسه،
                        وأن يرحل طارق في يوم عيد ميلاده
                        السابع والستين .تصادف إذن أن أكون
                        في مسرح العمليات بين أيدي جراحيْن
                        يُعملان مشارطهما ومعارفهما في رأسي،
                        وتونس تشتعل بعد أن أحرق البوعزيزي
                        نفسه. لا علاقة بين الأمريْن،
                        ولكنني أربط بينهما’.

                        تعليق


                        • #27
                          تتعامل مع الموت في إطار المفارقة،
                          أي المفارقة التي دخل بها الإنسان إلى التاريخ
                          وأكد بها زمنيته، وهو يواجه كل عوامل الحصار
                          والإفناء والتذويب ؛ ذلك أننا نؤكد على الحياة،
                          بتأكيدنا على حقيقة الموت وواقعيته ؛
                          من أجل توسيع التفكير في الحياة ومغزاها.
                          ومن ثم ؛ تشتق فكرتها عن الموت من جدل
                          الذات والواقع .. الحصار والمقاومة ..
                          النفي وسؤال التحرر الإنساني.
                          لذا واجهت الموت بالسخرية،
                          كما نلمسه مما كتبته لصديقتها
                          الكاتبة اللبنانية هدى بركات ‘
                          عن الورم الثابت والمبدئي، والوصف الساخر
                          للجراحين الذين يقترحون استئصال القلب
                          والرأس من باب الاحتياط ‘،
                          منبهة إيانا إلى أن ‘هذه السخرية كانت تعبيراً
                          عن حاجة للدفاع عن النفس . درعاً من نوع
                          ما إزاء خطر قررت أن أفضل أسلوب لمواجهته،
                          هو التصغير من شأنه وتجاهل خطورته .
                          حتى الورقة المطبوعة التي وقعتُ عليها عند
                          إجراء الفحوصات في اليوم السابق للجراحة،
                          حولتها لموضوع للفكاهة الصاخبة .
                          كانت الورقة إقراراً مني بأن التخدير
                          قد يسبب لي الشلل أو الموت،
                          وأنني لا المستشفى، أتحمل المترتبات .
                          أضحك: كيف أتحملها وأنا ميتة؟!’.

                          أمدها حب الأصدقاء لها بطاقة إضافية
                          على حب الحياة والتشبث بها، فقالت لنفسها:
                          ‘أعي أنني امرأة محظوظة ، فمن يجرؤ على
                          الرحيل في وجود كل هؤلاء الأصدقاء؟’.
                          وقررتْ مواصلة حياتها كما ألِفَتْ ودَرَجَت،
                          دون أن تلقي بالاً إلى هذه ‘الدراما التي تدور
                          في دماغها’، تنمو بشكل أهوج وتمارس
                          جنونها على طريقة ’سكتناله دخل بحماره’،
                          حتى إن ‘أول ما نطقتُ به عندما أفقتُ
                          من التخدير هو السؤال: ضربوا العيال؟

                          انشغلتْ مع أسرتها بالمشاركة في أحداث
                          ثورة 25 يناير الشعبية بآمالها وتحدياتها،
                          متمثلة ‘حركة الزمن والأجيال وتبدل الأدوار’،
                          عبر تلاميذها ‘نوارة نجم والأخويْن الكفيفيْن
                          مصطفى سعيد ومحمد عنتر وسلمى سعيد
                          وسواهم ‘ التي دَرستْ لهم، وشاركوا في الثورة
                          بقسط وافر، لهذا جاء الفصل الرابع عشر ‘
                          من يكتب هذا المشهد؟’؛ مشهد ميدان التحرير
                          عبر شرفة بيير، وما يموج به من حركة ثورية
                          هادرة، جاء مفعماً بشاعرية نادرة
                          واستثنائية نعايش من خلالها الإنسان
                          كذات فاعلة في التاريخ، لا كموضوع للتاريخ،
                          لاسيما البورتريهات البديعة التي رسمتْها
                          بالكلمات لأحمد الشحات ود. شعبان مكاوي
                          ومصطفى سعيد وخالد سعيد ومينا دانيال
                          وطارق معوض ومايكل كرارة،
                          وعلاء عبد الهادي ود. علاء فايز وسواهم،
                          ملتقطة الوهج الصادر من تحررهم الروحي
                          وذواتهم التواقة إلى التغيير والتثوير،
                          وقدمت لنا بجسارة فنية لافتة سرداً روائيا
                          يكتشف الطاقات الدرامية الخصبة التي تختزنها
                          المظاهرات والمواجهات التي دارت في ميادين
                          التحرير وطلعت حرب وباب اللوق،
                          وشارع محمد محمود وشارع الشيخ ريحان
                          وشارع يوسف الجندي وشارع الفلكي
                          وشارع منصور وأمام مجلس الوزراء
                          لنشيد مصطفى صادق الرافعي وصَفر علي،
                          وأغنية أم كلثوم ‘يا ليلة العيد أنستينا’،
                          التي تتجاوز في النظر إليهما
                          ‘القيمة الفنية للأغنية’ ؛ لتتوقف عند ‘
                          مكانتهما في حياة الناس′،
                          ولرسوم الجرافيتي بوصفهما ‘فنيْن وفعليْن
                          متداخليْن متزاوجيْن ربما كالروح والبدن،
                          لا ندري أيهما يجسد الآخر’،
                          ودورها التاريخي في ثورات الطلبة والعمال
                          في فرنسا عام 1968، والمكسيك، ثم مصر

                          تعليق


                          • #28
                            د. رضوى حرصت على توثيق أسماء الشوارع
                            والمحال والميادين ومراتع صباها الأول
                            ومدارس تعليمها، وذكرياتها مع الأمكنة
                            والأصدقاء المقربين ؛ لأن الحاضر تاريخ،
                            ووعينا بالماضي وفهمنا للحاضر متشابكان
                            تشابكاً عميقاً، والتذكر أحد مصادر المعنى
                            والحقيقة معاً.
                            لهذا بحثت عن بيت الزعيم الوطني
                            أحمد عرابي الذي كان في ميدان باب اللوق،
                            وحوله الإنجليز إلى مستشفى الليدي ستانجفورد ؛
                            ليوهموا الناس أنهم ‘يعطفون على المصريين،
                            يعالجونهم ويعتنون بصحتهم . أين؟
                            في عقر دار أحمد عرابي .باختصار،
                            نحن إزاء مجموعة من الصور عن ‘
                            عبء الرجل الأبيض، ومهامه الحضارية
                            النبيلة في استعمار الآخرين’. لكنها أرادت
                            لتلميذتها سلمى سعيد ‘التي أطلقت عليها
                            المجنزرة ثلاث طلقات خرطوش،
                            في كل خرطوش منها ستون بلية
                            أصابت وجهها واستقرت في ساقيْها،
                            أن تعلم أنها أصيبت بالقرب من بيت عرابي،
                            وأريد لأولادها من بعدها أن يعرفوا أن أمهم
                            وهي صبية في العشرينيات أطلق عليها النار
                            في هذا المكان. وأريد ألا ينسى أولادها
                            ولا أحفادها ولا أحفاد أحمد حرارة
                            ومالك مصطفى وماري دانيال
                            وأشقاء جابر صلاح ،أن أهلهم والمئات
                            غيرهم ممن استشهدوا أو أصيبوا
                            في هذا المكان، كانوا وهم يصنعون
                            تاريخاً جديداً، يتواصلون مع تاريخ
                            لم يحكوا لنا عنه، أو حكوا حكايات منقوصة ‘.
                            وعلى هذا النحو، تتجلى لنا قدرة الكاتبة على
                            تضفير التفاصيل، ونقل حقائق الحياة اليومية
                            الصغيرة ببساطة وإيجاز وبعين طفل
                            وتقديم الشخصيات الإنسانية من الداخل
                            بما يدعونا إلى إعادة اكتشاف النفس والحياة
                            والواقع في ضوء جديد، لتضمنا ‘
                            تلك العائلة الممتدة من الشغيلة والثوار
                            والحالمين الذين يناطحون زمانهم،
                            من حزب العناد، نمقتُ الهزيمة’.

                            لذلك ستظل د. رضوى عاشور حية
                            في وعينا ووجداننا، تشع بفكرها وتجربتها
                            الناضجة القادريْن على منحنا الأمل العصي
                            على التلاشي، مادمنا قررنا معها ‘
                            أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا’.



                            يتبع

                            تعليق


                            • #29
                              أى حياة خصبة تركت وراءك يا رضوى
                              بقلم بعض مجالييها

                              عباس بيضون

                              كان يمكن أن نسميها الوردة، وجهها وقوامها
                              ملمومان كوردة كبيرة. ضحكتها المخملية
                              تتكسر وتصل رويداً رويداً إلى الحضور.
                              صوتها ونظارتها تصدر عن القلب.
                              كانت رضوى عاشور لمن يحضرها قلباً
                              وقلباً فحسب، قلباً يتنفس ويبتسم ويتكلم.
                              كانت من جيل ولد تحت كواكب كبيرة
                              وعاش معلّق البصر والنفس والمهجة
                              بأشياء كبيرة، مهمات ثقيلة رزح تحتها
                              هذا الذي عاش للعظائم والمبادئ الحديدية
                              والحملات المرصوصة والأحلام البعيدة،
                              جيل كان موزعاً بين التبشير وبين الدعوى
                              وبين الخروج والتمرد والمجابهة
                              في الجامعات وفي الشوارع، كان يمكن
                              للثقافة أن تتجهم وأن تتوثن لولا نخبة
                              كرضوى وسواها تنفست الحرية مع
                              القانون والانتظام العقائدي.
                              رضوى الناقدة لم تكن حرفية ولا داعية
                              أو محرضة. لقد استطاعت أن تدمج بين
                              ما هو إنساني ووجداني وبين ما هو عمق
                              وأصالة، وبين ما هو مستقبلي وطليعي.
                              من الناقدة ولدت الروائية التي حملت
                              إلى الرواية فكرها النقدي، وأعطت للتاريخ
                              حصته وللموقف حصته وللمتعة حصتها.
                              هكذا توازت الروائية مع الناقدة،
                              لكنهما توازيا في البدء مع الإنسانة،
                              لا شك أن رحيل رضوى عاشور سيترك
                              فجوة في فضائنا وفي ثقافتنا، الحب والطيبة
                              سيفتقدانها بالتأكيد، سينقص شيء في هوائنا
                              وفي سمائنا، لكننا هنا في وداع امرأة
                              هو أيضاً وداع جيل أخذ يتناقص بالتدريج
                              لنذكر أن هذا العالم لم ينختم إلا وفقدنا بعض
                              كبارنا. خيري شلبي ومحمد البساطي
                              وإبراهيم أصلان، والآن رضوى عاشور.
                              إنه الجيل العارم المتمرد المصارع،
                              جيل المهمات الكبيرة التي لم تفعل
                              سوى تدمير أصحابها، جيل الحملات
                              التي تبددت في الهواء، مع ذلك كان
                              أيضاً جيل الملاحم التي انقلبت عليه.
                              جيل النبل والأخلاق التي تفضي إلى الخسارة،
                              وداعاً رضوى لقد التحقت برعيل كبير
                              ترك وراءه فراغاً واسعاً.


                              جرجس شكرى: رمز جيل

                              رضوى عاشور الروائية، والأكاديمية،
                              والناقدة، والمناضلة، صاحبة المواقف الثورية
                              التي أثارت جدلا كبيرا..
                              كل هؤلاء رضوى عاشور..
                              لكن تبقى في مخيلتي تلك السيدة
                              التي التقيت بها فى نهاية التسعينيات
                              مع الراحلين محمد البساطي،
                              وإبراهيم منصور في أزمتي
                              «وليمة لأعشاب البحر»،
                              وأزمة «الروايات الثلاث».
                              كنت الأصغر بينهم وكانت هي الأكثر
                              حماسة وصلابة، نلتقي ليل نهار لإصدار
                              البيانات وبحث الأزمة، وما زلت
                              أذكر موقفها الصارم في الدفاع عن
                              حرية الرأي والتعبير بروح فتاة في
                              العشرين وخبرة السنين الطويلة،
                              وحين كانت تضيق بنا الأماكن
                              كان بيتها مفتوحا نلتقي فيه؟
                              اعتبرت نفسي محظوظا في تلك الأيام
                              وأنا ألتقي يوميا بهذا الجيل صاحب
                              المواقف التي تعلمت منها الكثير.
                              رضوى هي أحد رموز هذا الجيل
                              الذي دافع بقوة عن الثقافة وحرية الإبداع
                              حتى الرمق الأخير.

                              تعليق


                              • #30
                                إبراهيم عبدالمجيد: شهر قاس

                                رضوى عاشور واحدة من أهم كتاب جيل
                                الستينيات، وإن كانت قد احتفت فى بداية حياتها
                                بالنقد الأدبي والعمل الجامعي، إلا انها كانت على
                                اتصال بالواقع الأدبي، لم تنعزل عنه. أتذكر أن
                                أول ندوة أقمتها في حياتي بعد صدور روايتي
                                «ليلة العشق والدم».. كانت المتحدثة الرئيسة هي
                                رضوى عاشور. هي إنسانة رائعة جدا، كانت
                                تدرك أن ما سيتبقى من الإنسان ما تكتبه يداه،
                                لذا فاجأت الجميع بدخول عوالم الإبداع،
                                وقدمت عددا من أعذب الروايات. من بينها
                                «ثلاثية غرناطة» التى كانت تذكرة غير
                                مباشرة بما يحدث فى فلسطين.
                                بحثها التاريخي فى الرواية كان كبيرا وعظيما.

                                ظلت رضوى مؤثرة وفاعلة فى
                                الواقع السياسي، خصوصاً في عملها
                                في جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعة،
                                وقد رأيتها آخر مرة قبل عام ونصف عام تقريبا،
                                كنت خارجا لاستراحة من ميدان التحرير،
                                وكانت داخلة إلى الميدان، ممتلئة بالتفاؤل الشديد.
                                هذا الشهر قاس بالفعل علينا، فقد رحل فى وقت
                                متقارب محمد ناجي، إبراهيم مبروك، وأخيرا
                                رضوى... تركونا جميعا في حزن شديد!


                                محمد هاشم: أي ضمير فقدنا

                                الاسم الأول على اليمين دائماً فى أي موقف
                                معلن من المثقفين المصريين يدافع عن حرية
                                الفكر والاعتقاد والرأي والتعبير الأدبي والعلمي،
                                كان العم والأستاذ إبراهيم منصور حين يكتب
                                ويصل لصياغة نهائية لبيان ما، يُصرّ بعد كل
                                الصياغات أن يقرأه أحد الموجودين تليفونياً على
                                الدكتورة رضوى، أثناء إضراب المطالبة بطرد
                                السفير الإسرائيلي الذي قاده مع أساتذة وأصدقاء
                                وأبناء وزملاء، وفي الكثير من محطات اشتغاله
                                كضمير للثقافة المصرية، لا بد وأن أحدكم سمعه
                                يسأل بإلحاح، "حدّ كلم الدكتورة رضوى"،
                                ليتأكد من وجود الاسم الأول قبل السيدات
                                والسادة الموقعين. إذا كنت مثلي من جيل يتذكر
                                لجنة الدفاع عن الثقافة المصرية، أو 9 مارس،
                                للدفاع عن استقلال الجامعات، وكأبرز من عبّر
                                عن حركة النخبة الجامعية الليبرالية واليسارية،
                                وحين تذكر أو تسمع عن 1972
                                لا بد أنك ستعرف أي ضمير فقدنا.
                                رضوى عاشور وداعاً!

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                                المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                                المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                                المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                                يعمل...
                                X