إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة في حياة الشاعر محمود درويش

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقتطفات من ديوان
    أرى ما أريد
    1990


    مقـــــــدمة

    ....وأَنا أَنظُرُ خَلْفِي في هذا الليلْ
    في أَوراق الأَشجار وفي أَوراق العُمرْ
    وأحَدِّقُ في ذاكرة الماء وفي ذاكرة الرملْ
    لا أُبصرُ في هذا الليلْ
    إلاَّ آخرَ هذا الليلْ
    دَقَّاتُ الساعة تَقْضُمُ عُمْري ثانيةً ثانيةً
    وتقصِّرُ أَيضاً عُمْرَ الليلْ
    لم يبقَ من الليل ومنِّي وقتٌ نتصارعُ فيهِ...
    وَعَلَيْهِ لكنَّ الليلَ يعودُ إلى ليلتِهِ
    وَأَنا أَسقطُ في حُفْرَةِ هذا الظلّ...

    رباعيات



    1
    أُرى ما أريدُ مِنَ الحقل... إنَّي أَرى
    جدائلَ قَمْحٍ تُمَشِّطُهَا الريح، أُغمضُ عينيِّ :
    هذا السرابُ يُؤدِّي إلى النَهَوَنْدْ
    وهذا السكونُ يُؤَدِّي إلى اللازَوَردْ




    2
    أرى ما أُريدُ من البحر... إني أرى
    هُبوبَ النوارس عند الغروب فأُغمض عينيّ :
    هذا الضياعُ يؤدِّي إلى أندلُسْ
    وهذا الشراعُ صلاةُ الحمام عليّ ....


    3
    أرى ما أُريدُ من الليل... إني أرى
    نهايات هذا الممرِّ الطويل على باب إحدى المُدُنْ
    سأَرمي مُفَكرتي في مقاهي الرصيف، سأجْلسُ هذا الغيابْ
    على مقعد فوق إحدى السفُنْ




    4
    أرى ما أريدُ من الروح: وَجْهَ الحجرْ
    وَقَدْ حكِّهُ البرقُ، خضراءُ يا أرضُ... خضراءُ يا أرض روحي
    أما كنتُ طفلاً على حافة البئْر يلعبُ ؟
    ما زلتُ ألعب.... هذا المدى ساحتي، والحجارةُ ريحي



    5
    أرى ما أريدُ من السلْم... إني أرى
    غزالاً وعشباً، وجدول ماءٍ... فأغمض عينيّ :
    هذا الغزال ينامُ على ساعديّ
    وصيَّادُهُ نائم، قُرْبَ أولادِهِ في مكانٍ قصيّ



    6
    أرى ما أريدُ من الحرب... إني أرى
    سواعدَ أجدادنا تعصُرُ النبع في حَجَر أخضرا
    وآباءنا يَرثُون المياه ولا يورثون، فأُغمض عيني :
    إنَّ البلادَ التي بين كفيَّ من صُنْع كَفّيّ



    7
    أرى ما أُريدُ من السجن: أيَّامَ زهرةْ
    مَضَتْ من هنا كي تدلَّ غريبين فيّ
    على مقعد في الحديثة، أغمضُ عينيّ :
    ما أوسع الأرض! ما أًجمل الأرض من ثُقْب إِبرةْ




    8
    أُرى ما أُريدُ من البرقِ.. إِني أَرى
    حقولاً تفتت أغلالَها بالنباتات، مَرْحى !
    لأُغنية اللوز بيضاءَ تهبط فوق دخان القرى
    حماماً... حماماً نقاسمه قُوتَ أَطفالنا


    9
    أرى ما أُريدُ من الحُبّ ... إني أرى
    خيولاً تُرَقِّص سهلاً، وخمسين غيتارةً تتنهَّدْ
    وسرباً من النحل يمتصُّ توت البراري، فأُغمض عينيّ
    حتى أرى ظَّلنا خلف هذا المكان المُشَرَّدْ


    10
    أرى ما أريدُ من الموت: إني أُحبُّ، وينشقُّ صدري
    ويقفزُ منه الحصانُ الإروسي أبيضَ يركض فوق السحابْ
    يطير على غيمة لا نهائية ويدور مع الأزرق الأبَديّ...
    فلا توقفوني من الموت، لا تُرْجعوني إلى نجمةٍ من ترابْ


    11
    أرى ما أُريدُ من الدم: إني رأيتُ القتيلْ
    يخاطب قاتِلَهُ مذ أضاءتْ رصاصتُه قَلْبَهُ: أنت لا تستطيعْ
    من الآن أن تتذكر غيري. قتلتُك سَهْواً، ولن تستطيعْ
    من الآن أن تتذكَّر غيري... وأن تحمل وردَ الربيعْ


    12
    أرى ما أُريدُ من المَسْرَح العبثيِّ: الوحوشْ
    قضاةَ المحاكم، قُبَّعةَ الإِمبراطور، أقنعةَ العصر،
    لونَ السماء القديمة، راقصةَ القصر ، فوضى الجيوش
    فأَنسى الجميع، ولا أتذكَّر إلا الضحية خلف الستار


    13
    أرى ما أُريدُ من الشعر: كُنّا قديماً إذا استُشْهِد الشعراء
    نُشَيِّعُهُمْ بالرياحين ثم نعود إلى شعرهم سالمين
    ولكننا في زمان المجلات والسينما والطنين
    نهيل التراب على شعرهم ضاحكين
    وحين نعود نراهم على بابنا واقفين


    14
    أرى ما أُريدُ من الفجر في الفجر... إني أرى
    شعوباً تفتِّشُ عن خبزها بين خبز الشعوبْ
    هو الخبز، يَنْسُلُنا من حرير النعاس، ومن قُطْن أحلامنا
    أمن حَبَّة القمح يبزغُ فجر الحياة... وفجر الحروبْ؟


    15
    أَرى ما أُريد من الناس: رغبتَهمْ في الحنينْ
    إلى أيِّ شيء. تباطؤهم في الذهاب إلى شُغْلِهمْ
    وسُرْعتَهُمْ في الرجوع إلى أهلهمْ ...
    وحاجتهم للتحيِّةِ عند الصباح ...

    تعليق


    • جملة موسيقية

      شاعرٌ ما يكتبُ الآن قصيدهْ
      بَدَلاً منّي’
      على صفصافة الريح البعيدة
      فلماذا تلبسُ الوردةُ في الحائطِ
      أوراقاً جديدة ؟
      *******
      ولَدٌ ما طَيَّر الآن حمامهْ
      بَدَلاً منّا,
      إلى أعلى، إلى سقف الغمامهْ
      فلماذا تذرفُ الغابة هذا الثلجَ
      حول الإبتسامة؟
      *******
      طائر ما يحمل الآن رسالة
      بَدَلاً منّا ,
      إلى الأزرق من أرض الغزالة
      فلماذا يدخُلُ الصَيَّادُ في المشهدِ
      كي يرمي نِبالهْ؟
      *******
      رَجُلٌ ما يغسلُ الآن القمرْ
      بدلاً منّا,
      و يمشي فوق بَلّور النَهَرْ
      فلمذا يَقَعُ اللونُ على الأرضِ
      لماذا نتعرَّى كالشجرْ؟
      *******
      عاشقٌ ما يجرف الآن العشيقة
      بدلاً مِنِّي
      إلى طين الينابيع السحيقة
      فلماذا يقفُ السَرْوُ هنا
      حارساً بابَ الحديقة ؟
      *******
      فارسٌ ما يُوقف الآن حصانهْ
      بدلاً مِنِّي,
      و يغفو تحت ظلِّ السنديانهْ
      فلماذا يخرجُ الموتى إلينا
      من جدارٍ و خزانهْ؟

      تعليق


      • مقتطفات من ديوان
        أحد عشر كوكباً

        1992



        أحد عشر كوكباًعلى أخر المشهد الأندلسي


        في المساءِ الأخير ِ على هذهِ الأرْض نَقطَعُ أَيّامَنا
        عَنْ شُجيّراتِنا ، ونَعُدُّ الضُلوعَ الَّتي سَوفَ نَحمِلُها مَعَنا
        والضُلوعَ الَّتي سَوْفَ نَتْرُكُها هَهُنا ... في المَساءِ الأخيرْ
        لا نُودِّعُ شَيئا ، ولا نَجِدُ الوَقتَ كَيْ نَنْتهي ...

        كُلُّ شيءٍ يَظَلُ على حَالِهِ ، فَالمَكانُ يُبَدِّلُ أَحلامَنا
        ويُبَدِّلُ زوّارَهُ . فَجأةً لَمْ نَعُدْ قادرينَ على السُخريَة
        فَالمَكَانُ مُعَدٌ لِكَيْ يَستَضيفَ الهَباء .. هُنا في الْمَسَاء الأَخيرْ
        نَتَمَلى الْجِبالَ المُحيطَةَ بالْغَيْم : فَتْحٌ .. وَفَتْحٌ مُضادّ
        وَزَمانٌ قَديمٌ يُسَلِمُ هذا الزَمَانَ الجَديدَ مَفاتيحَ أَبوابنا
        فادْخلوا ، أَيُّها الْفاتِحونَ ، مَنازِلَنا واشربوا خَمرَنا
        مِنْ مُوشَّحنا السَّهل . فاللّيْلُ نَحنُ إذا انتَصَفَ اللّيْلُ ،
        لا فَجْرَ يَحْمِلُهُ فارسٌ قَادِمٌ مِنْ نَواحي الأَذان الأَخيرْ ..

        شايُنا أَخْضَرٌ سَاخِنٌ فاشْرَبوه ، وَفُستُقُنا طَازجٌ فَكُلوه
        والأَسِرَّةُ خَضْراءُ مِنْ خَشَبِ الأَرْزِ ، فَاسْتَسلِموا لِلنُعاسْ
        بَعْدَ هذا الْحِصارِ الطَّويلِ ، وَنَاموا على ريشِ أحْلامِنا
        المُلاءاتُ جاهِزَةٌ ، وَالعُطورُ على الْبابِ جاهِزةٌ ، وَالمرايا كَثيرة
        فَادخُلوها لِنَخْرُجَ مِنْها تَماما ، وعَمَّا قَليلٍ سَنَبْحَثُ عَمّا
        كانَ تاريخَنا حَوْلَ تاريخِكُمْ في الْبلاد الْبَعيدَة
        وَسَنسْأَلُ أَنْفُسَنا فِي النِّهايَة : هَلْ كَانَتِ الأَندلس
        هَهُنا أَمْ هُنَاكَ ؟ عَلى الأَرضِ ... أَمْ في الْقَصيدَة ؟


        كَيْفَ أَكْتُبُ فَوْقَ السَّحابِ وَصِيَّةَ أَهْلي؟ وَأَهْلي
        يَتْرُكونَ الزَّمانَ كَما يَتْرُكونَ مَعاطِفَهُمْ في الْبُيوتِ وَأَهْلي
        كُلَّما شَيَّدوا قَلْعَةً هَدَموها لِكَيْ يَرْفَعوا فَوْقَها
        خَيْمَةً لِلْحَنينِ إِلى أَوَّلِ النَّخْل . أَهْلي يَخُونونَ أَهْلي
        في حُروبِ الدِّفاعِ عَنِ الْمِلْح . لكِنَّ غَرْناطَةً مِنْ ذَهَب
        مِنْ حَريرِ الْكَلامِ الْمُطَرَّزِ بِاللَّوْزِ, مِنْ فِضَّةِ الدَّمْعِ في
        وَتَرِ الْعود. غَرْناطَةٌ لِلصُّعودِ الْكَبيرِ إلى ذاتِها...
        وَلَها أَنْ تَكونَ كَما تَبْتَغي أَنْ تَكونَ: الْحَنينَ إلى
        أَيِّ شَيْءٍ مَضى أَوْ سَيَمْضي: يَحُكُّ جَناحُ سُنونوَّةٍ
        نَهْدَ امْرأَةٍ في السَّريرِ, فَتَصْرُخُ: غَرْناطَةٌ جَسَدي
        وَيُضَيِّعُ شَخْصٌ غَزالَتَهُ في الْبَراري, فَيَصْرُخُ؛ غَرناطَةٌ بَلَدي
        وَأَنا مِنْ هُناكَ, فَغَنّي لِتَبْنيَ الْحَساسينُ مِنْ أَضْلُعي
        دَرَجاً لِلسَّماءِ الْقَريبَةِ. غَنّي فُروسِيَّةَ الصّاعِدينَ إلى
        حَتْفِهِمْ قَمَراً قَمَراً في زُقاقِ الْعشيقَةِ. غَنّي طُيورَ الْحَديقَة
        حَجَراً حَجَراً. كَمْ أُحِبُّكِ أَنْتِ التَّي قَطَّعْتِني
        وَتَراً وَتَراً في الطَّريقِ إلى لَيْلِها الْحارِّ , غَنّي
        لا صَباحَ لِرائِحةِ الْبُنِّ بَعْدَكِ, غَنّي رَحيلي
        عَنْ هَديلِ الْيَمامِ على رُكْبَتَيْكِ وَعَنْ عُشِّ روحي
        فِي حُروفِ اسْمِكِ السَّهْلِ, غَرْناطَةٌ لِلْغِناءِ فَغَنّي


        لِيَ خَلْفَ السَّماءِ سَماءٌ لأَرْجِعَ ، لكنَّني
        لَا أَزالُ أُلَّمعُ مَعْدَنَ هذا الْمَكان ، وَأَحْيا
        ساعَةً تُبصِرُ الْغَيْبَ . وأَعرِفُ أنَّ الزَّمانْ
        لا يُحالِفُني مَرَّتَيْن ، وَأَعرِفُ أَنّي سأَخرُجُ مِنْ
        رايَتي طائِراً لا يَحِطُّ على شَجَرٍ فِي الْحَديقَةْ
        سَوفَ يَهْبطُ بَعْضَ الْكَلام عَنِ الحُبِّ في
        شِعْرِ لوركا الّذي سَوفَ يَسْكُنُ غُرفَةَ نَوْمي
        وَيَرى ما رَأيتُ مِنَ الْقَمَرِ الْبَدَويِّ . سَأَخْرُجُ مِنْ
        شَجَرِ اللَّوْزِ قُطناً على زَبَدِ . مَرَّ الغَريبْ
        حَامِلاً سَبْعَمائَةِ عامٍ مِنَ الْخَيْلِ . مَرَّ الْغَريبْ
        ههُنا ، كيْ يَمْرَّ الْغَريبُ هناك . سَأخرُجُ بَعْدَ قَليل
        مِنْ تَجاعيدِ وَقتي غَريباً عَنِ الشَّامِ وَ الأَنْدَلُسْ
        هذهِ الأَرضُ لَيْستْ سَمائي ، ولَكِنَّ هذا الْمَساءُ مَسائي
        وَ المفاتيحَ لي ، وَ الْمآذِنَ لي ، وَ الْمصَابيحَ لي ، وأَنا
        لِيَ أيْضاً . َأَنا آدَمُ الْجَنَّتَيْنِ ، فَقدتُهُما مَرَّتَينْ
        فَاطرُدوني على مَهَلٍ ،
        وَ اقْتُلوني على عَجَلٍ ،
        تَحْتَ زَيْتونَتي ،
        مَعَ لوركَا ..


        ...وأَنا واحِدٌ مِنْ مُلوكِ النِّهايَة...أَقْفِزُ عَنْ
        فَرَسي في الشِّتاءِ الأَخيرِ, أَنا زَفْرَةُ الْعَرَبيِّ الأَخيرَةْ
        لاَ أُطِلُّ على الآسِ فَوْقَ سُطوحِ الْبُيوتِ, ولا
        أَتَطلَّعُ حَوْلي لِئَلا يَراني هُنا أَحَدٌ كانَ يَعْرِفُني
        كانَ يَعْرِفُ أَنّي صَقَلْتُ رُخامَ الْكَلامِ لِتَعْبُرَ امْرأَتي
        بُقَعَ الضَّوْءِ حافِيَةً, لا أُطِلُّ على اللَّيْلِ كَيْ
        لا أَرى قَمَراً كانَ يُشْعِلُ أسْرارَ غَرْناطَةٍ كُلَّها
        جَسَداً جَسَداً. لا أُطِلُّ على الظِّلِ كَيْ لا أَرى
        أَحَداً يَحْمِلُ اسْمي وَيَرْكُضُ خَلْفي : خُذِ اسْمَكَ عَنّي
        وَاعْطِني فِضَّةَ الْحَوْرِ. لا أَتلَفَّتُ خَلْفي لِئلا
        أَتَذَكَّرَ أَنّي مَرَرْتُ على الأَرْضِ, لا أَرْضَ في
        هذهِ الأَرْضِ مُنْذُ تَكَسَّرَ حَوْلي الزَّمانُ الشَظايا
        لَمْ أَكُنْ عَاشِقاً كَيْ أُصَدِّقَ أَنَّ الْمِياهَ مَرايا
        مِثْلَما قُلْتُ لِلأَصْدِقاءِ الْقُدامى, ولا حُبَّ يَشْفَعُ لي
        مُذْ قَبِلْتُ ((مُعاهَدَةَ الصُّلْحِ)) لَمْ يَبْقَ لي حاضِرٌ
        كَيْ أَمُرَّ غَداً قُرْبَ أَمْسي. سَتَرْفَعُ قَشْتالَةُ
        تاجَها فَوْقَ مِئْذَنَةِ اللهِ. أَسْمَعُ خَشْخَشَةً لِلْمَفاتيحِ في
        بابِ تاريخنا الذَّهَبيِّ, وَداعاً لتِاريخنا, هَلْ أَنا
        مَنْ سَيُغْلِقُ باب السَّماءِ الأخيرَ؟ أَنا زَفْرَةُ الْعَرَبيِّ الأَخيرَةْ

        تعليق


        • ذاتَ يَوْمٍ سأجْلِسُ فَوْقَ الرَّصيفِ ... رّصيفِ الْغَريبَة
          لَمْ أَكُنْ نَرْجِساً ، بَيْدَ أَنّي أُدافِعُ عَنْ صُورَتي
          في الْمَرايا. أَما كُنْتَ يَوْماً ، هُنا ، يا غَريبْ ؟
          خَمْسُمائَةِ عامٍ مَضى وَانْقَضى ، وَالْقَطيعَةُ لَمْ تَكْتَمِلْ
          بَيْنَنا ، هاهُنا ، والرَّسائِلُ لَمْ تَنْقَطِعْ بَيْنَنا ، وَالْحُروبْ
          لَمْ تُغَيِّرْ حَدائِقَ غَرْناطَتي . ذاتَ يَوْمٍ أَمُرُّ بِأَقْمارِها
          وَأَحُكُّ بِلَيْمونةٍ رَغْبَتي ... عانِقيني لأُولَدَ ثانِيَةً
          مِنْ رَوائِحِ شَمْسٍ وَنَهْرٍ على كَتِفَيْكِ ، وَمِنْ قَدَمَيْنْ
          تَخْمُشانِ الْمَساءَ فَيَبْكي حَليباً لِلَيْلِ الْقَصيدَةْ ..
          لَمْ أَكُنْ عَابِراً في كَلامِ المُغَنّين ... كُنْتُ كَلامَ
          المُغَنّينَ ، صُلْحَ أَثينا وَفارِسَ ، شَرْقاً يُعانِقُ غَرْباً
          في الرَّحيلِ إلى جَوْهَرٍ واحِدٍ . عانِقيني لأُولَدَ ثانِيةً
          مِنْ سُيوفٍ دِمَشْقِيَّةِ في الدَّكاكينِ . لَمْ يَبْقَ منّي
          غَيْرُ دِرْعي الْقَديمَةِ ، سَرْجِ حِصاني الْمُذَهَّبِ . لَمْ يَبْقَ مِنّي
          غَيْرُ مَخْطوطةٍ لاِبْنِ رُشْدٍ ، وَطَوْقِ الْحَمامَةِ ، والتَّرْجَمات ...
          كُنْتُ أَجْلِسُ فَوْقَ الرَّصيفِ على ساحَةِ الأُقْحُوانَة
          وأَعُدُّ الْحَماماتِ: واحِدةً، اثْنَتَيْنِ، ثَلاثينَ ... وَالْفَتَياتِ اللَّواتي
          يَتَخاطفْنَ ظِلَّ الشُّجَيْراتِ فَوْقَ الرُّخامِ ، وَيَتْرُكْنَ لي
          وَرَقَ الْعُمْرِ ، أَصْفَرَ . مَرَّ الْخَريف عليَّ وَلَمْ أَنْتَبِهْ
          مَرَّ كُلُّ الْخَريفِ ، وَتاريخُنُا مَرَّ فَوْقَ الرَّصيفِ ...
          وَلَمْ أَنْتَبِهْ !


          لِلْحَقيقَةِ وَجْهانِ وَالثَّلْجُ أَسْوَدُ فَوْقَ مَدينَتِنا
          لَمْ نَعُدْ قادِرينَ على الْيَأْسِ أَكْثَرَ مِمّا يَئِسْنا, وَالنِّهايَةُ تَمْشي إلى
          السّورِ واثِقَةً مِنْ خُطاها
          فَوْقَ الْبَلاطِ الْمُبَلَّلِ بِالدِّمْعِ, واثِقَةً مِنْ خُطاها
          مَنْ سَيُنْزِلُ أَعْلامَنا: نَحْنُ, أَمْ هُمْ ؟ وَمَنْ
          سَوْفَ يَتْلو عَلَيْنا((مُعاهَدَةَ الصُّلْحِ)), يا مَلِكَ الاحْتِضار؟
          كُلُّ شَيْءٍ مُعَدٌّ لَنا سَلَفًا, مَنْ سَيَنْزِعُ أَسْماءَنا
          عَنْ هُوِيَّتِنا: أَنْتَ أَمْ هُمْ؟ وَمَنْ سَوْفَ يَزْرَعُ فينا
          خُطْبَةَ التّيهِ: (( لَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نَفُكَّ الْحِصار
          فَلْنُسَلِّمْ مَفاتيحَ فِرْدَوْسِنا لِوَزيرِ السَّلامِ, وَنَنْجو...))
          لِلْحَقيقَةِ وَجْهانِ, كانَ الشِّعارُ الْمُقَدَّسُ سَيْفاً لَنا
          وَعَلَيْنا, فَماذا فَعَلْتَ بقَلعَتِنا قَبْلَ هذا النَّهار؟
          لَمْ تُقاتِلْ لأَنَّكَ تَخْشى الشَّهادَةَ, لكِن عَرْشَكَ نَعْشُكْ
          فاحْمِلِ النَّعْشَ كَيْ تَحْفَظَ الْعَرْشَ, يا مَلِكَ الاْنتِظار
          إِنَّ هذا السَّلام سَيَتْرُكُنا حُفْنَةً مِنْ غُبار...
          مَنْ سَيَدْفِنُ أَيّامَنا بَعْدَنا: أَنْتَ...أَمْ هُمْ؟ وَمَنْ
          سَوْفَ يَرْفَعُ راياتِهِمْ فَوْقَ أَسْوارِنا: أَنْتَ ...أَمْ
          فارِسٌ يائِسٌ؟ مَنْ يُعَلِّقُ أَجْراسَهُمْ فَوْقَ رِحْلَتِنا
          أَنْتَ...أَمْ حارِسٌ بائِسٌ؟ كُلُّ شَيّءٍ مُعَدٌّ لَنا
          فَلِماذا تُطيلُ التَّفاوُضَ, يا مَلِكَ الاحْتِضارْ؟

          بَعْدَ لَيْلِ الْغَريبَة ؟
          مَن أَنا بَعدَ ليلِ الغَريبةِ ؟
          أَنهَضُ مِنْ حُلُمي
          خَائِفاً مِنْ غُموضِ النَّهار عَلى مَرْمَرِ الدّارِ ، مِنْ
          عَتْمَةِ الشَّمسِ في الْوَرْدِ ، مِنْ مَاءِ نَافورَتيِ
          خَائِفاً مِنْ حَليبٍ عَلى شَفَةِ الْتّين ، مِنْ لُغَتي
          خَائِفاً ، مِنْ هَواءٍ يُمَشِّطُ صَفْصَافَةً خَائِفاً ، خَائِفاً
          مِنْ وُضوحِ الْزَّمانِ الكَثيفِ ، وَمِنْ حَاضِرٍ لَمْ يَعُدْ
          حَاضِراً ، خَائِفاً مِنْ مُروري على عَالمٍ لَمْ يَعدْ
          عَالمي . أَيُّها اليَأس كُنْ رَحْمَةً . أَيُّها الْمَوْتُ كُنْ
          نِعمَةً للغَريبِ الَّذي يُبصِرُ الْغَيْبَ أَوضَحَ مِنْ
          وَاقِعٍ لَمْ يَعُدْ واقِعاً . سَوْفَ أَسقُطُ مِنْ نَجمَةٍ
          فِي السَّماءِ إلى خَيْمَةٍ فِي الطَّريقِ ... إلى أَيْن ؟
          أَيْنَ الطَّريقُ إلى أيِّ شيءٍ ؟ أرى الْغَيْبَ أَوضَحَ مِنْ
          شارعٍ لَمْ يَعُدْ شارِعي . مَنْ أَنا بَعْدَ لَيْلِ الْغَريبَةْ ؟
          كُنتُ أَمْشي إلى الذّات في الآخَرينَ ، وَها أَنَذا
          أَخسَرُ الذّاتَ والآخَرينَ . حِصَاني على سَاحِلِ الأَطلَسيَّ اخْتَفى
          وَحِصاني على ساحِلِ المُتَوَسِّطِ يُغْمِدُ رُمْحَ الصَّليبيِّ فيّ
          مَنْ أَنا بَعْدَ لَيْلِ الْغَريبَةِ . لا أَستَطيعُ الرُّجوعَ إلى
          إخوَتي قُرْبَ نَخْلَةِ بَيْتي القَديم ، ولا أَستَطيعُ النُّزولَ إلى
          قَاع هاويَتي . أَيُّها الْغَيْبُ ! لا قَلْبَ لِلْحُبِّ ... لا
          قَلْبَ لِلْحُبِّ أَسْكُنُهُ بَعْدَ لَيْلِ الْغَريبَة


          كُنْ لِجيتارَتي وَتَراً أَيُّها الْماءُ؛ قَدْ وَصَلَ الْفاتِحون
          وَمَضى الْفاتِحون الْقُدامى. مِنَ الصَّعْبِ أَنْ أَتَذَكَّرَ وَجْهي
          في الْمَرايا. فَكُنْ أَنْتَ ذاكِرَتي كَيْ أَرى مافَقَدْت...
          مَنْ أَنا بَعْدَ الرَّحيلِ الْجَماعِيَّ؟ لي صَخْرَةٌ
          تَحْمِلُ اسْمِيَ فَوْقَ هِضابٍ تُطِلُّ على ما مَضى
          وانْقَضى...سَبْعُمائَةِ عامٍ تُشَيِّعُني خَلْفَ سُورِ المَدينَة...
          عَبَثاً يَسْتَديرُ الزَّمانُ لأُنقِذَ ماضِيَّ مِنْ بُرْهَةٍ
          تَلِدُ الآنَ تاريخَ مَنْفايَ فِيَّ... وَفي الآخَرين...
          كُنْ لِجيتارَتي وَتَراً أَيُّها الْماءُ, قَدْ وَصَلَ الْفاتِحون
          وَمَضى الْفاتِحونَ القُدامى جَنوباً شُعوباً تُرَمِّمُ أَيّامَها
          في رُكامِ التَّحَوُّلِ: أَعْرِفُ مَنْ كُنْتُ أَمْس, فَماذا أَكُونْ
          في غَدٍ تَحْتَ رَاياتِ كولومبسَ الأَطْلَسِيَّةِ؟ كُنْ وَتَراً
          كُنْ لِجيتارَتي وَتَراً أَيُّها الْمَاءُ. لامِصْرَ في مِصْرَ, لا
          فاسَ في فاسَ, وَالشّامُ تَنْأَى. لا صَقْرَ في
          رايَةِ الأَهْلِ, لانَهْرَ شَرْقَ النَّخيلِ الْمُحاصَرْ
          بِخُيولِ الْمَغولِ السَّريعَةِ. في أيِّ أَنْدَلُسٍ أَنْتَهي؟ هاهُنا
          أمْ هُناكَ؟ سأَعْرِف أَنّي هَلَكْتُ وأَنّي تَركْتُ هُنا
          خَيْرَ مافِيَّ: ماضِيَّ. لَمْ يَبْقَ لي غَيْرُ جيتارتي
          كُنْ لِجيتارَتي وَتراً أَيُّها الْماءُ. قَدْ ذَهَبَ الْفاتِحون
          وَأَتى الْفاتِحون...

          في الرَّحيلِ الْكَبيرِ أَحِبُّكِ أَكْثَر ، عَمّا قَليْلْ
          تُقْفِلينِ المَدينَةَ . لا قَلْبَ لي في يَديكِ ، وَلا
          دَرْبَ يَحمِلُني ، في الرَّحيلِ الْكَبيرِ أُحِبُّكِ أَكْثَرْ
          لا حَليبَ لِرُمّانِ شُرفَتِنا بَعْدَ صَدْرِكِ . خَفَّ النَّخيلْ
          خَفَّ وَزنُ التِّلال ، وَخَفَّتْ شَوارِعُنا في الأَصيلْ
          خَفَّتِ الأرضُ إذْ وَدعَتْ أَرضَها . خَفَّتِ الْكَلِمات
          والْحِكَاياتُ خَفَّت على دَرَجِ اللَّيل . لَكِنَّ قَلْبي ثَقيلْ
          فَاترُكيهِ هُنا حَولَ بَيْتكِ يَعوي وَيَبكي الزَّمانَ الْجَميلْ ،
          لَيْسَ لي وَطَنٌ غَيْرَهُ ، في الرَّحيل أُحِبُّكِ أَكْثَرْ
          أُفْرِغُ الرّوح مِنْ آخِر الْكَلِمات : أُحِبُّكِ أَكْثَر
          في الرَّحيلِ تَقودُ الْفَراشاتُ أَرواحَنا ، في الرَّحيلْ


          نَتَذَكَرُ زِرَّ الْقَميصِ الّذي ضاعَ مِنّا ، وَنَنْسى
          تاجَ أَيامِنا ، نَتَذَكَرُ رائِحَةَ الْعَرَقِ الْمِشمِشيِّ ، وَنَنْسى
          رَقصَةَ الْخَيْلِ في لَيْلِ أَعْراسِنا ، في الرَّحيلْ
          نَتَساوى مَعَ الطَّيْر ، نَرْحَمُ أَيامَنا ، نَكتَفي بِالْقَليلْ
          أَكتَفي مِنْكِ بالْخَنْجَرِ الذَّهبيِّ يُرَقِّصُ قَلْبي الْقَتيلْ
          فاقْتُليني ، على مَهَلٍ كَيْ أَقولَ : أَحِبُّكِ أَكْثَرَ مِمّا
          قُلْتُ قَبْلَ الرَّحيلِ الْكَبير . أُحِبُّكِ . لا شَيءَ يوجِعُني
          لا الْهَواءُ ، وَلا الْماءُ ... لا حَبَقٌ فِي صَباحِكِ ، وَلا
          زَنْبَقٌ في مَسائِكِ يوجِعُني بَعْدَ هذا الرَّحيلْ ...

          لا أُريدُ مِنَ الْحُبِّ غَيْرَ الْبِدايَةِ, يَرْفو الْحَمام
          فَوْقَ ساحاتِ غَرْناطَتي ثَوْبَ هذا النَّهار
          في الْجِرارِ كَثيرٌ مِنَ الْخَمْرِ لِلْعيدِ مِنْ بَعْدِنا
          في الأَغاني نَوافِذُ تَكْفي وَتَكْفي لِيَنْفَجِرَ الْجُلَّنار

          أَتْرُكُ الْفُلَّ في الْمَزهَرِيَّةِ, أَتْرُكُ قَلْبي الصَّغير
          في خِزانَةِ أُمِّيَ, أَتْرُكُ حُلْمِيَ في الْماءِ يَضْحَك
          أَتْرُكُ الْفَجْرَ في عَسَلِ التّين, أَتْرُكُ يَوْمي وأَمْسي
          في الْمَمَرِّ إلى ساحَةِ الْبُرْتُقالَةِ حَيْثُ يَطيرُ الْحَمام


          هَلْ أَنا مَنْ نَزَلْتُ إلى قَدَمَيْكِ, لِيَعْلُوَ الْكَلام
          قَمَراً في حَليبِ لَياليكِ أَبْيَضَ... دُقّي الْهَواء
          كَيْ أَرى شارِعَ النّايِ أَزْرَقَ... دُقِّي الْمَساء
          كَيْ أَرى كَيْفَ يَمْرَضُ بَيْني وَبَيْنَكِ هذا الرُّخام.

          الْشَّبابيكُ خالِيَةٌ مِنْ بَساتينِ شالِكِ. في زَمَنٍ
          آخَرٍ كُنْتُ أَعْرِفُ عَنْكِ الْكَثيرَ, وَ أَقْطُفُ غاردينيا
          مِنْ أَصابِعِكِ الْعَشْرِ. في زَمَنٍ آخَرٍ كانَ لي لُؤْلُؤٌ
          حَوْلَ جِيدكِ, وَاسْمٌ على خاتَمٍ شَعَّ مِنْهُ الظَّلام


          لا أُريدُ مِنَ الْحُّبِ غَيْرَ الْبِدايَةِ, طارَ الْحَمام
          فَوْقَ سَقْفِ السَّماءِ الأَخيرةِ, طارَ الْحَمامُ وَطار
          سَوْفَ يَبْقى كَثيرٌ مِنَ الْخَمْرِ. مِنْ بَعْدِنا, في الْجِرار
          وَقَليلٌ مِنَ الأَرْضِ يَكْفي لِكَيْ نَلْتَقي, وَيَحُلَّ السَّلام.

          الكَمَنجاتُ تَبْكي مَعَ الْغَجَرِ الذَّاهِبينَ إلى الأَنْدَلُسْ
          الكَمَنجاتُ تَبْكي على الْعَرَبِ الْخارِجينَ مِنَ الأَنْدَلُسْ



          الكَمَنجاتُ تَبْكي على زَمَنٍ ضائِعٍ لا يَعودْ
          الكَمَنجاتُ تَبْكي على وَطَنٍ قَدْ يَعودْ

          الكَمَنجاتُ تُحْرِقُ غَاباتِ ذاكَ الظَّلامِ الْبَعيد الْبَعيدْ
          الكَمَنجاتُ تُدْمي الْمُدى ، وَتَشُمُّ دَمي في الْوَريدْ

          الكَمَنجاتُ تَبْكي مَعَ الْغَجَرِ الذَّاهِبينَ إلى الأَنْدَلُسْ
          الكَمَنجاتُ تَبْكي على الْعَرَبِ الْخارِجينَ مِنَ الأَنْدَلُسْ

          الكَمَنجاتُ خَيْلٌ على وَتَرٍ مِنْ سَراب ، وَماءٍ يَئِنُ
          الكَمَنجاتُ حَقْلٌ مِنَ اللَّيْلَكِ الْمُتَوَحِّشِ يَنْأى وَيَدنو

          الكَمَنجاتُ وَحشٌ يُعَذِّبُهُ ظُفْرُ إمْرأةٍ مَسَّهُ ، وَابتَعَدْ
          الكَمَنجاتُ جَيْشٌ يُعَمِّرُ مَقْبَرَةً مِنْ رُخاَمٍ وَمِنْ نَهَوَنْدْ

          الكَمَنجاتُ فَوْضى قُلوب تُُُُجَنِّنُها الرِّيحُ في قَدَمِ الرَّاقِصةْ
          الكَمَنجاتُ أْسْرابُ طَيْرٍ تَفِرُّ مِنَ الرَّايَةِ النَّاقِصَةْ

          الكَمَنجاتُ شَكوى الْحَرير المُجَعَّدِ في لَيْلَةِ الْعَاشِقَِةْ
          الكَمَنجاتُ صَوْتُ النَّبيذِ الْبَعيدِ على رَغْبَةٍ سابِقَةْ

          الكَمَنجاتُ تَتْبَعُني ، ههُنا وَهُناكَ ، لِتَثْأرَ مِنِّي
          الكَمَنجاتُ تَبْحَثُ عَنِّي لِتَقْتُلَني، أَيْنَما وَجَدَتْني

          الكَمَنجاتُ تَبْكي على الْعَرَبِ الْخارِجينَ مِنَ الأَنْدَلُسْ
          الكَمَنجاتُ تَبْكي مَعَ الْغَجَرِ الذَّاهِبينَ إلى الأَنْدَلُسْ

          تعليق


          • أَنَا وَاحِدٌ من مُلُوكِ النهَايَة


            ... وأَنا واحِدٌ مِنْ مُلوكِ النِّهاية.. أَقْفِزُ عَنْ

            فَرَسي في الشِّتاء الأخيرِ, أنا زَفْرَةُ الْعَرَبيِّ الأخيرَةْ
            لا أُطِلُّ على الآسِ فَوْقَ سُطوحِ الْبُيوتِ, ولا
            أًتَطلَّعُ حَوْلي لِئَلاَ يراني هُنا أحَدٌ كانَ يَعْرِفُني
            كانَ يَعْرِفُ أنّي صَقَلْتُ رُخامَ الْكلام لتَعْبُرَ إِمْرأَتي
            بُقَعَ الضَّوءِ حافَيةً, لا أُطِلُّ على اللَّيْل كَيْ
            لا أرى قَمَراً كان يُشْعِلُ أَسْرارَ غَرْناطةٍ كُلَّها
            جَسَداً جَسَداً. لا أُطِلُّ على الظِّلِّ كَيْ لا أَرى
            أَحَداً يَحْمِلُ اسْمي وَيَرْكُضُ خَلْفي: خُذِ اسْمَكَ عَنيّ
            وَاعْطِني فِضَّةَ الْحَوْرِ. لا أتلَفَّتُ خَلْفي لِئَلاّ
            أَتَذَكَّرَ أَنّي مَرَرْتُ على الأرْضِ, لا أَرْضَ في
            هذهِ الأرْضِ مُنْذ تَكَسَّرَ حَوْلي الزَّمانُ شَظَايَا شَظَايَا
            لَمْ أكُنْ عاشِقاً كَيْ أُصَدِّقَ أَنَّ الْمياه مَرايا
            مِثْلمَا قُلْتَ لِلأصْدِقاءِ الْقُدامى. ولا حُبَّ يَشْفَعُ لي
            مُذْ قَبلْتُ (( مُعاهَدَةَ التِّيهِ)) لَمْ يَبْقَ لي حاضِرٌ
            كَيْ أَمُرَّ غداً قُرب أَمْسي. سَتَرفَعُ قَشْتالَةُ
            تاجَها فَوْقَ مِئْذَنَة الله. أَسْمَعُ خَشْخَشَةً للْمَفاتيحِ في
            بابِ تاريخنا الذَّهَبيَّ، وداعاً لِتاريخنا, هَلْ أَنا
            مَنْ سَيُغْلِقُ باب السَّماءِ الأَخيرَ؟ أَنا زَفْرةُ الْعربَيِّ الأخيرَة



            في المساء الأخير على هذه الأرض


            في المَساءِ الأخيرِ على هذه الأرضِ نَقْطَعُ أيَّامَنا

            عن شُجَيْراتِنا, ونَعُدُّ اُلضُلوعَ الَّتي سَوْفَ نَحْمِلْها مَعَنا
            والضَّلوع الَّتي سَوْفَ نَتْرُكُها, ههُنا.. في الْمساءِ الأَخيرْ

            لا نُوَدِّع شَيْئاً, ولا نَجِدُ الْوقْتَ كَيْ نَنْتَهي..
            كُلُّ شَيْءٍ يَظَلُّ على حالِهِ, فَالمَكانُ يُبَدِّلُ أَحْلامَنا
            وَيُبَدِّلُ زُوّارَه. فَجْأًةً لَمْ نَعُدْ قادِرين على السُّخْرِيَة

            فالمكان مُعَدُّ لِكَيْ يَسْتَضيفَ الْهَباءَ... هُنا فِي المساءِ الأخيرْ
            نَتَمَلّى الْجبال المُحيطَةَ بِالْغَيْم: فتَحٌ ... وَفَتْحٌ مُضادّ
            وَزَمانٌ قَديمٌ يُسَلِّمُ هذا الزّمانَ الْجَديدَ مَفاتيح أًبْوابِنا
            فادْخلوا, أيَّها الْفاتِحونَ, مَنازِلَنا واشْرَبوا خَمْرَنا
            مِنْ مُوشَّحِنا السَّهْلِ. فاللَّيْلُ نَحْنُ إذا انْتصَفَ اللَّيْلُ, لا
            فَجْرَ يحَمْلُهُ فارسٌ قادمٌ مِنْ نَواحي الأذانِ الأَخيرْ..
            شايُنا أَخَضْر ساخِنٌ فاشْرَبوهُ, وَفُسْتُقنُا طازَجٌ فَكُلوه
            والأسرَّةُ خضراءُ من خَشَب الأرْزِ، فَاسْتَسْلِمُوا للنُّعَاسْ
            بَعْدَ هذا الْحِصارِ الطِّويلِ, ونَامُوا على ريشِ أَحْلامِنَا
            الملاءَت جاهزةٌ, والعُطورُ على الْباب جاهزةٌ, والمرايا كَثيرةٌ

            فادْخُلوها لنَخْرُجَ مِنْها تَماماً, وَعَمّا قَليلٍ سَنَبْحثُ عَمّا
            كانَ تاريخَنا حَوْل تاريخكُمْ في الْبلاد الْبَعيدَة
            وَسَنَسْأَلُ أَنْفُسنا في النِّهاية: هَلْ كانتِ الأنْدَلُسْ
            هَهُنَا أمْ هُنَاكَ؟ على الأرْضِ... أم في الْقَصيدَة

            تعليق


            • فرسٌ للغريب

              أعِدُ لأرْثيك، عِشْرينَ عاماً من الحُبِّ. كُنْتَ
              وَحيداً هناكَ تُؤَثِّثُ مَنْفىً لسَيِّدةِ الزَّيْزَفُونِ، وبَيْتا
              لِسَيِّدنا في أعالي الكَلام، تَكَلِّمْ لِنَصْعَدَ أًعْلى
              وأَعْلى ... على سُلِّم الْبِئْرِ، ياصاحِبي، أينَ أنت؟
              تَقَدَّمْ، لأحْمِلَ عنكَ الكَلاَم ... وأَرْثيك

              .... لو كانَ جسْراً عَبَرْناهُ. لكِنَّه الدّارُ والهاوية
              وللقَمَر البابِليِّ على شَجَر اللَّيلِ مملكة لم تَعُدْ
              لنا، مُنْذُ عادَ التَّتارُ على خَيْلنِا. والتتَّارُ الجُدُدْ
              يَجُرُّونَ أسْماءَنا خَلْفَهُم في شعابِ الجِبال، ويَنْسَوْنَنا
              ويَنْسَوْنَ فينا نَخيلاً ونَهْرَيْنِ: يَنْسَوْنَ فينا العِراقْ

              أَما قُلْتَ لي في الطَّريقِ إلى الرِّيحِ : عمَّا قَليل
              سَنَشْحَنُ تاريخَنا بالمَعاني ’ وتَنْطَفِئُ الحَرْبُ عمَّا قَليل
              وعمَّا قَليلٍ نُشَيَّدُ سُومَرَ , للنَّاسِ والطَّيْرِ من كلّ جِنْسِ؟
              وَنَرْجعُ مِنْ حَيْثُ جاءَتُ بِنا الرِّيح ..../
              ...لم يَبْقَ في الأَرْضِ مُتَّسَعٌ لِلقَصيدَةِ ’ يا صاحِبي
              فَهَلْ في القَصيدَةِ مُتَّسَعٌ ’ بَعْدَ الْعِراق؟
              وَروما تُحاصِرُ أَمْطارَ عالَمِنا , والزُّنوجُ يَدُقُّونَ أقْمارَها
              نُحاساً عَلَى روما تُعيدُ الزَّمانَ إلى الْكَهْفِ روما
              تَهُبُّ على الأَرْضِ فَاُفْتَحْ لِمَنْفاكَ مَنْفى....

              لَنا غُرَفٌ في حَدائِقِ آبَ , هُنا في البِلادِ الَّتي
              تُحِبُّ الكِلابَ وَتَكْرَهُ شَعْبَكَ واسْمَ الْجَنوبِ لَنا
              بَقايا نِساءٍ طُرِدْنَ من الأُقْحُوانِ . لَنا أَصْدِقاءُ
              من الغَجَرِ الطَّيِّبينَ لَنا دَرَجُ الْبارِ رامبو لنا ولنا
              رَصيفٌ مِنَ الكَسْتَناءِ لَنا تكنولوجيا لِقَتْل الْعِراق

              تَهُبُّ جَنُوبيّةً ريحُ مَوْتاكَ . تَسْأَلُني : هَلْ أَراك؟
              أَقولُ : تَراني مَساءً قَتيلاً على نَشْرَةِ الشَّاشَةِ الْخامِسَة
              فَما نَفْعُ حُرّيّتي يا تَماثيلَ رودانَ ؟ لا تَتَساءَلْ ’ ولا
              تُعَلِّقْ على بَلَحِ النَّخْلِ ذاكِرَتي جَرَسً قَدْ خَسِرْنا
              مَنافِينَا مُنْذُ هَبَّتْ جَنوبِيّةً ريحُ مَوْتاك...../

              ...لا بُدَّ مِنْ فَرَسٍ لِلْغَريبِ لِيتْبَعَ قَيْصَرَ , أوْ
              لِيَرْجِعَ مِنْ لَسْعَةِ النَّاي . لاَ بُدَّ مِنْ فَرَسٍ لِلَغَريبْ
              أَما كانَ في وُسْعِنا أَنْ نَرى قَمَراً وَاحِداً لا يَدُلُّ
              على امْرَأَةٍ ما ؟ أما كان في وُسْعِنا أَنْ
              نُمَيَّيزَ بَيْن البصيرَةِ ’ يا صاحبي , والبَصَرْ؟

              لَنا ما عَلَيْنا من النَّحْلِ والمُفْرَداتِ . خُلِقْنا لِنَكْتُبَ عَمّا
              يُهَدِّدُنا مِنْ نِساءٍ وَقَيْصَرَ ... والأَرْضِ حِيْنَ تَصيرُ لُغَةْ,
              وَعَنْ سِرِّ جلجامشَ الْمُسْتَحيلِ , لِنَهْرُبَ مِنْ عَصْرِنا

              تعليق


              • إلى أَمْسَ خَمْرَتنا الذَّهَبِيَّ ذَهَبْنا ,
                وَسِرْنا إلى عُمْرِ حِكْمَتِنا وكانت أَغاني الحَنينِ عِرَاقيّةً ,
                والعراقُ نَخيلٌ ونَهْران.../

                .... لِي قَمَرٌ الرَّصافَةِ . لي سَمَكٌ في الفُراتِ ودجْلَةْ
                ولي قارِئُ في الجَنُوبِ ولي حَجَرُ الشَّمْسِ في نَيْنَوى
                وَنَيْروزُ لي في ضَفائِرِ كُرْديّةٍ في شَمالِ الشَّجَنْ
                ولي وَرْدَةٌ في حَدائقِ بابلَ لي شاعرٌ في بُوَيْب
                ولي جُثَّتي تَحْتَ شَمْسِ العِراق

                على صورَتي خَنْجَري وعلى خَنْجري صورَتي كُلَّما
                بَعُدْنا عَنِ النَّهْر مَرَّ الْمَغولشيُّ , يا صاحبي , بَيْنَنا
                كَأَنَّ القَصائِدَ غَيْمُ الأَساطيرِ لا الشَّرْقُ شَرْقٌ
                ولا الغَربُ غَرْبٌ تَوَحَّدَ إِخْوَتُنا فِي غَريزَةِ قابيلَ . لا
                تُعاتِبْ أَخاكَ , فإنَّ الْبَنَفْسَجَ شاهِدَةُ الْقَبَر.../

                ....قَبْرٌ لِباريسَ , لُنْدنَ , روما , نيويورك . موسكو , وقبر
                لِبَغْدادَ , هَلْ كانَ من حَقَّها أَن تُصَدِّقَ ماضَيَها الْمُرْتَقَبْ؟
                وَقَبْرٌ لإيتاكَةِ الدَّرْبِ وَالْهَدَفِ الصَّعْبِ , قَبْرٌ لِيافا...
                وَقَبْرٌ لِهوميرَ أَيْضاً وَلِلْبُحْتُرِيِّ , وقبرٌ هو الشِّعْرُ , قبرٌ
                من الرِّيحِ...يا حَجَرَ الرُّوحِ ’ يا صَمْتَنا !

                نُصَدِّقُ , كَي نُكْمِلَ التّيهَ , أنَّ الخَريفَ تَغَيَّرَ فينا
                نَعَمْ, نَحْنُ أَوْراقُ هذا الصَّنَوْبَر , نَحْنُ التَّعَب
                وقَدْ خَفَّ , خارجَ أجسادِنا , كالنَّدى ..وَانْسَكَب
                نَوارِسَ بيضاءَ تبحثُ عن شُعَراءِ الْهَواجِس فينا
                وعَنْ دَمْعَةِ الْعَرَبيَّ الأَخيرةِ , صَحْراء... صَحْراء /
                ..... لَمْ يَبْقَ فِي صَوْتِنا طائِرٌ واحِدٌ لِلرَّحيلِ إلى
                سَمَرْقَنْدَ أَو غَيرها , فالزَّمانُ تَكَسَّرَ واللُّغَةُ انْكَسَرَتْ
                وهذا الهَواءُ الَّذي قد حَمَلْناهُ يَوْماً على كَتِفَيْنا
                فمَنْ يَحْمِلُ الآنَ عِبْءَ الْقَصيدةَ عَنّا؟

                ولا صَوْتَ يَصْعَدُ , لا صَوْتَ يَهْبطُ , بَعْدَ قَليل
                سَنُفْرِغُ آخِر أًلفاظِنا في مَديحِ المكانِ ،وَبَعْدَ قليل
                سَنَرْنو إلى غَدِنا , خَلْفَنا , في حَريرِ الكَلامِ القَديم
                وسَوْفَ نُشاهِدُ أحْلامَنا في الْمَمَرَّاتِ تَبْحَثُ عَنّا
                وعَنْ نَسْرِ أَعْلامِنا السُّود..../

                صَحْراءُ للصَّوْتِ , صَحْراءُ لِلصَّمْتِ , صحراءُ لِلْعَبَثِ الأَبَدِيّ
                لِلَوْحِ الشَّرائِع صَحْراءُ للكُتُبِ المَدْرَسيَّةِ , للأَنبِياءِ وللعُلَماءْ
                لشيكسبيرَ العَرَبِيُّ الأَخَيرُ : أَنا العَرَبِيُّ الّذي لَمْ يَكُنْ
                أَنا العَرَبِيُّ الَّذي لَمْ يَكُنْ

                قُلِ الآنَ إنَّكَ أَخْطَأْتَ , أَو لا تَقُلْ
                فَلَنْ يَسْمَعَ المَيِّتونَ اعْتِذارَكَ منهم , ولَنْ يَقْرَؤوا
                مَجَلاٌتِ قاتِلِهمْ كَيْ يَرَوْنَ , ولن يَرْجِعوا
                إلى الْبصْرةِ الأَبَديَّةِ كَيْ يَعْرِفوا ما صَنَعْت
                بأُمِّكَ , حِينَ انْتَبَهْتَ إلى زُرْقَةِ الْبَحَر..../


                ....قُلْ إنَّنا لَمْ نُسافِرْ لِنَرْجِعَ .... أَوْ لا تَقُلْ س
                فإنَّ الكلامَ النِّهائِيَّ قيل لأُمِّكَ , باسْمِك :
                أَعِنْدَكَ ما يُثْبِتُ الآنَ أَنَّكِ أُمِّي الوَحيدَة؟
                وَإن كانَ لا بُدَّ من عَصْرِنا , فَلْيَكُنْ مَقْبَرَةْ
                كَما هُوَ , لا مِثْلَما تَتَجَلّى سُدُومُ الجَديدَة
                وَلَنْ يَغْفِرَ المَيِّتونَ لِمَنْ وَقَفوا , مِثْلَنا ’ حائِرين
                على حافَّةِ الْبِئْر : هَلْ يُوسُفُ السُّومَرِيُّ أَخُونا
                أَخُونا الْجَميلُ , لنَخْطَفَ مِنْهُ كَواكبَ هذا المساءِ الْجَميل ؟
                وإن كانَ لا بُدَّ من قَتْلِهِ , فَيَكُنْ قَيْصَرٌ
                هُوَ الشَّمْسُ فَوْقَ الْعِراقِ الْقَتيل !

                سَأْولَدُ مِنْكَ وَتُولَدُ مِنّي . رُوَيْداً رُوَيْداً سَأَخْلَعُ عَنْك
                أصابعَ مَوْتايَ , أَزْرارَ قُمْصانهمْ , وبِطاقاتِ ميلادِهِمْ
                وتخلعُ عنِّي رَسائلَ مَوْتاكَ لِلْقُدْسِ ’ ثُمَّ نُنَظَّفُ نظَّارَتَيْنا
                من الدَّمِ ’ يا صاحِبي ’ كَيْ نُعيدَ قِراءَةَ كافْكا
                ونَفْتَحَ نافِذَتَيْنِ على شارعِ الظِّلّ.../
                ....في داخِلي خارجي . لا تُصَدِّقْ دُخانَ الشِّتاءِ كثيراً
                فعمّا قليلٍ سَيَخْرُجُ إِبْريلُ مِن نَوْمِنا خارِجي داخلي
                فلا تَكْتَرِثْ بِالتَّماثيلِ ... سَوْفَ تطَرزُ بِنْتُ عِراقيَّةٌ ثَوْبَها
                بأَوَّلِ زَهْرَةِ لَوْزٍ , وتَكْتُبُ أَوَّلَ حَرْفٍ من اسْمِك
                على طَرَفِ السَّهْمِ فَوْقَ اسْمِها......
                في مَهَبَّ الْعِراق

                يتبع

                تعليق


                • مقتطفات من ديوان
                  لماذا تركت الحصان وحيدا
                  1995


                  أري شَبَحي قادماً من بعيد ...


                  أري شَبَحي قادماً من بعيد ...
                  أُطِلُّ, كَشُرْفة بَيْتٍ, على ما أُريدْ
                  أُطِلُّ على أَصدقائي وهم يحملون بريدَ
                  المساء: نبيذاً وخبزاً,
                  وبعض الرواياتِ والأسطواناتْ ...

                  أُطلُّ على نَوْرَسٍ, وعلى شحنات جُنُودْ
                  تُغَيِّرُ أَشجارَ هذا المكانْ.
                  أُطلَّ على كَلْبِ جاري المُهَاجرِ
                  مِنْ كَنَدا,منذ عامٍ ونصف...

                  أُطلُّ على اسم " أَبي الطَيِّب المُتَنبِّي ",
                  المسافر من طبريَّا إلي مصر
                  فوق حصان النشيدْ

                  أطل علي الوردة الفارسية تصعد
                  فوق سياج الحديد

                  أُطلُّ على الوَرْدَةِ الفارسيَّةِ تصعَدُ
                  فوق سياج الحديدْ

                  أُطلُّ, كشُرْفَةَ بَيْتٍ , على ما أُريدْ
                  أُطلُّ على شَجَرٍ يحرُسُ الليل من نَفْسِهِ
                  ويحرس نَوْمَ الذين يُحبُّونني مَيِّتاً ...

                  أُطلُّ علي الريح تبحَثُ عن وَطَن الريحِ
                  في نفسها ...
                  أُطِلُّ على امرأةٍ تَتَشَمَّسُ في نفسها ...

                  أُطلُّ على موكب الأنبياء القُدامى
                  وهم يَصْعَدُون حُفَاةً إلى أُورشليم
                  وأَسْأَلُ: هَلْ من نَبيٍّ جديدٍ
                  لهذا الزمان الجديدْ؟
                  أُطلُّ, كشرفة بيت, على ما أُريدْ

                  أُطلُّ علي صورتي وَهْيَ تهرب من نفسها
                  إلي السُلَّم الحجريّ, وتحمل منديل أُمّي
                  وتخفق في الريح: ماذا سيحدث لو عُدْتُ
                  طفلاً؟ وعدتُ إليكِ ... وعدتِ إليَّ

                  أُطلُّ علي جذع زيتونةٍ خبَّأتْ زكريّا
                  أُطلُّ علي المفردات التي انقَرَضَتْ في "سلسان العربْ"
                  أطل علي الفُرْس والرومِ, والسومريّين,
                  واللاجئينَ الجُدُدْ...

                  أُطلُّ على عِقْد إحدى فقيراتِ طاغورَ
                  تطحنُهُ عَرَبَاتُ الأَمير الوسيمْ...

                  أُطلُّ على هُدْهُدٍ مُجْهَدٍ من عتاب الملكْ
                  أُطلُّ على ما وراء الطبيعة:
                  ماذا سيحدث ... ماذا سيحدث بعد الرماد؟
                  أُطلُّ على جَسَدي خائفاً من بعيدْ...
                  أُطلُّ, كَشُرْفَةِ بيتٍ, على ما أُريدْ
                  أُطلُّ على لُغَتي بَعْدَ يَوْمَيْن. يكفي غيابٌ
                  قليلٌ ليفتَحَ أَسْخِيلْيُوسُ البابَ للسِلْمِ,
                  يكفي
                  خطابٌ قصير ليُشعل أَنطونيو الحربَ,

                  تكفي
                  يَدُ امرأةٍ في يدي
                  كي أُعانق حُريتَّي
                  وأَن يبدأ المدُّ والجَزْرُ في جَسَدي من جديدْ
                  أُطلُّ, كشرفة بَيْتٍ, على ما أُريدْ
                  أُطلُّ على شَبَحي
                  قادماً
                  من
                  بعيد..

                  تعليق


                  • مَرّ القطار


                    مَرَّ القطارُ سريعاً،
                    كُنْتُ أنتظرُ
                    على الرصيف قطاراً مَرَّ،
                    وانصرَفَ المُسافرونَ إلى
                    أَيَّامِهِمْ ... وأَنا
                    ما زلتُ أَنتظرُ

                    تبكي الكمنجاتُ عن بُعْدٍ،
                    فتحملني
                    سحابةٌ من نواحيها
                    وتنكسرُ

                    كان الحنينُ إلى أشياء غامضةٍ
                    يَنْأَى ويَدْنُو،
                    فلا النسيانُ يُقْصِيني،
                    ولا التذكُّرُ يدنيني
                    من امرأة
                    إن مَسَّها قمرٌ
                    صاحَتْ: أَنا القَمَرُ

                    مَرَّ القطارُ سريعاً،
                    لم يكن زَمَني
                    على الرصيف معي،
                    فالسَاعةُ اختلفتْ
                    من الساعةُ الآن؟
                    ما اليومُ الذي حَدَثتْ
                    فيه القطيعةُ بين الأمس والغدِ
                    لَمَّا هاجر الغَجَرُ؟

                    هنا وُلدتُ ولم أُولَدْ
                    سيُكْمِلُ ميلادي الحَروُنَ إذاً
                    هذا القطارُ
                    ويمشي حولِيَ الشَجَرُ

                    هنا وُجدتُ ولم أُوجَدْ
                    سأعثُرُ في هذا القطارِ
                    على نفسي التي امتلأتْ
                    بضفّتينِ لنهرٍ مات بينهما
                    كما يموتُ الفتى
                    "ليت الفتى حَجَرُ ..."
                    مَرَّ القطارُ سريعاً
                    مَرَّ بي، وأَنا
                    مثل المحطَّة، لا أَدري
                    أُودِّعُ أَم أستقبلُ الناسَ:
                    أَهلاً، فوق أرصفتي
                    مقهى،
                    مكاتبُ،
                    وردٌ
                    هاتفٌ،
                    صُحُفٌ
                    وسندويشاتٌ،
                    وموسيقى،
                    وقافيةٌ
                    لشاعرٍ آخرٍ يأتي وينتظرُ

                    مَرَّ القطار سريعاً
                    مَرَّ بي ، وأَنا
                    ما زلتُ أَنتظرُ

                    تعليق


                    • أمشاط عاجية


                      مِنَ القَلْعَةِ انحدَرَ الغيمُ أَزرقَ
                      نحو الأَزقّةِ...
                      شالُ الحرير يطيرُ
                      وسربُ الحمام يطيرُ
                      وفي بِرْكَةِ الماء تمشي السماءُ قليلاً
                      على وجهها وتطيرُ
                      ورُوحي تطيرُ, كعاملة النَحْلِ, بين الأَزقّةِ
                      والبحرُ يأكُلُ من خبزها, خبزِ عَكَّا
                      ويفرُكُ خاتَمَها مُنْذُ خَمْسَةِ آلافِ عامٍ
                      ويرمي على خدِّها خَدَّهُ...
                      في طقوس الزفاف الطويل الطويلْ

                      تقولُ القصيدةُ:
                      فلننتظرْ
                      ريثما تسقط النافذةْ
                      فوق "أَلْبُومِ" هذا الدليل السياحيّ

                      أَدخُلُ من إِبْطها الحجريِّ، كما
                      يدخُلُ الموجُ في الأبديّةِ. أَعبُرُ
                      بين العصور كأنّيَ أَعبُرُ بين الغُرَفْ
                      أَرى فيَّ محتوياتِ الزمانِ الأليفة:
                      مرآةَ بِنْتٍ لكنعانَ,
                      أَمشاطَ شَعْرٍ من العاجِ,
                      صَحْنَ الحَسَاءِ الأَشوريَّ,
                      سَيْفَ المُدافع عن نَوْمِ سَيِّده الفارسيِّ,
                      وقفزَ الصقور المفاجِئَ من عَلَمٍ نحو آخرَ
                      فوق صواري الأَساطيل...

                      لو كان لي حاضرٌ آخرٌ
                      لامتلكتُ مفاتيحَ أَمسي
                      ولو كان أَمسي معي
                      لامتلكتُ غدي كُلَّهُ...

                      غامضٌ سَفَري في الزقاقِ الطويلِ
                      المؤدي إلى قَمَرٍ غامضٍ فوق سُوقِ
                      النحاس. هنا نخلةٌ تحمل البرجَ عنِّي,
                      وهاجَسُ أُغنيَّةٍ تنقُلُ الأدواتِ البسيطةَ
                      حولي, لصُنْعِ تْرَاجِيدْيا مُكَرَّرةٍ، والخيالُ
                      هنا بائعٌ جائعٌ يتجوَّلُ فوق الغبار أَليفاً,
                      كأنِّيَ لا شأن لي بالذي سوف يحدُثُ
                      لي في احتفالات يوليوس قَيْصَرَ ... عمَّا قليل!
                      أَنا والحبيبةُ نشربُ
                      ماءَ المَسرَّةِ
                      من غيمةٍ واحدةْ
                      ونهبط في جَرَّةٍ واحدةْ!

                      رَسَوْتُ بمينائها, لا لشيءٍ سوى
                      أَنَّ أُمّي أضاعت مناديلها ههنا...
                      لا خرافةَ لي ههنا. لا أُقايضُ
                      آلهةً أو أُفاوضُ ألهةً. لا خرافةَ
                      لي ههنا كي أُعبِّىءَ ذاكرتي بالشعيرِ
                      وأسماءِ حُرَّاسها الواقفين على كتفيَّ
                      انتظاراً لفجر تُحُتْمُس. لا سيف لي,
                      لا خرافة لي هَهنا لأُطلِّق أُمِّي التي
                      حَمَّلتْني مناديلَها, غيمةً غيمةً, فوق
                      ميناء عكا القديمة... عند الرحيلْ!

                      ستحدث أشياءُ أُخرى,
                      سيكذبُ هنري على
                      قَلاوونَ, بعد قليلْ
                      سيرتفع الغيمُ أَحمرَ فوق صُفُوف النخيلْ..

                      تعليق


                      • قافية من أجل المعلقات



                        ما دلني أحد علي. أنا الدليل, أنا الدليل
                        إلى بين البحر والصحراء. من لغتي ولدت
                        على طريق الهند بين قبيلتين صغيرتين عليهما
                        قمر الديانات القديمة, والسلام المستحيل
                        وعليهما أن تحفظا فلك الجوار الفارسي
                        وهاجس الروم الكبير, ليهبط الزمن الثقيل
                        عن خيمة العربي أكثر. من أنا؟ هذا
                        سؤال الآخرين ولا جواب له. أنا لغتي أنا,
                        وأنا معلقة... معلقتان... عشر, هذه لغتي
                        أنا لغتي. أنا ما قالت الكلمات:
                        كن
                        جسدي, فكنت لنبرها جسداً. أنا ما
                        قلت للكلمات: كوني ملتقي جسدي مع
                        الأبدية الصحراء. كوني كي أكون كما أقول!
                        لا أرض فوق الأرض تحملني, فيحملني كلامي
                        طائراً متفرعاً مني, ويبني عش رحلته أمامي
                        في حطامي, في حطام العالم السحري من حولي,
                        على ريح وقفت. وطال بي ليلي الطويل
                        ... هذه لغتي قلائد من نجوم حول أعناق
                        الأحبة: هاجروا
                        أخذوا المكان وهاجروا
                        أخذوا الزمان وهاجروا
                        أخذوا روائحهم عن الفخار
                        والكلأ الشحيح, وهاجروا
                        أخذوا الكلام وهاجر القلب القتيل
                        معهم. أيتسع الصدى, هذا الصدى,
                        هذا السراب الأبيض الصوتي لاسم تملأ
                        المجهول بحته, ويملأه الرحيل ألوهة؟
                        تضع السماء علي نافذة فأنظر: لا
                        أرى أحداً سواي...
                        وجدت نفسي عند خارجها
                        كما كانت معي, ورؤاي
                        لا تنأى عن الصحراء,
                        من ريحٍ ومن رمل خطاي
                        وعالمي جسدي وما ملكت يداي
                        أنا المسافر والسبيل
                        يطل آلهة على ويذهبون, ولا نطيل
                        حديثنا عما سيأتي. لا غد في
                        هذه الصحراء إلا ما رأينا أمس،
                        فلأرفع معلقتي لينكسر الزمان الدائري
                        ويولد الوقت الجميل!
                        ما أكثر الماضي يجيء غداً
                        تركت لنفسها نفسي التي امتلأت بحاضرها
                        وأفرغني الرحيل
                        من المعابد. للسماء شعوبها وحروبها
                        أما أنا، فلي الغزالة زوجة, ولي النخيل
                        معلقات في كتاب الرمل. ماضٍ ما أرى
                        للمرء مملكة الغبار وتاجه. فلتنتصر
                        لغتي على الدهر العدو، على شلالاتي،
                        على, على أبي, وعلى زوال لا يزول
                        هذه لغتي ومعجزتي. عصا سحري.
                        حدائق بابلي ومسلتي, وهويتي الأولى,
                        ومعدني الصقيل
                        ومقدس العربي في الصحراء,
                        يعبد ما يسيل
                        من القوافي كالنجوم على عباءته,
                        ويعبد ما يقول

                        لا بد من نثر إذا,
                        لا بد من نثرٍ إلهي لينتصر الرسول...

                        تعليق


                        • من روميات أبي فراس الحمداني

                          صدى راجع. شارع واسع في الصدى
                          خطى تتبادل صوت السعال, وتدنو
                          من الباب, شيئاً فشيئاً, وتنأى
                          عن الباب. ثمة أهل يزوروننا
                          غداً, في خميس الزيارات. ثمة ظل
                          لنا في الممر. وشمس لنا في سلال
                          الفواكه. ثمة أم تعاتب سجاننا:
                          لماذا أرقت على العشب قهوتنا يا
                          شقي؟ وثمة ملح يهب من البحر,
                          ثمة بحر يهب من الملح. زنزانتي
                          اتسعت سنتيمتراً لصوت الحمامة: طيري
                          إلى حلب, يا حمامة, طيري بروميتي
                          واحملي لابن عمي سلامي!
                          صدىً
                          للصدى. للصدى سلم معدني، شفافية, وندى
                          يعج بمن يصعدون إلى فجرهم... وبمن
                          ينزلون إلى قبرهم من ثقوب المدى...
                          خذوني إلى لغتي معكم! قلت:
                          ما ينفع الناس يمكث في كلمات القصيد
                          وأما الطبول فتطفو على جلدها زبدا
                          وزنزانتي اتسعت, في الصدى, شرفةً
                          كثوب الفتاة التي رافقتني سدى
                          إلى شرفات القطار, وقالت: أبي
                          لا يحبك. أمي تحبك. فاحذر سدوم غدا
                          ولا تنتظرني, صباح الخميس, أنا لا
                          أحب الكثافة حين تُخبئ في سجنها
                          حركات المعاني, وتتركني جسداً
                          يتذكر غاباته وحده ... للصدى عرفة
                          كزنزانتي هذه: غرفة للكلام مع النفس,
                          زنزانتي صورتي لم أجد حولها أحدا
                          يشاركني قهوتي في الصباح, ولا مقعدا
                          يشاركني عزلتي في المساء, ولا مشهدا
                          أشاركه حيرتي لبلوغ الهدى.
                          فلأكن ما تريد لي الخيل في الغزوات:
                          فإما أميراً
                          وإما أسيراً
                          وإما الردى!
                          وزنزانتي اتسعت شارعاً شارعين. وهذا الصدى
                          صدى, بارحاً سانحاً, سوف أخرج من حائطي
                          كما يخرج الشبح الحر من نفسه سيدا
                          وأمشي إلى حلبٍ. يا حمامة طيري
                          بروميتي, واحملي لابن عمي
                          سلام الندى!!

                          تعليق


                          • خلاف , غير لغوي , مع امرئ القيس


                            أغلقوا المشهد
                            تاركين لنا فسحة للرجوع إلى غيرنا
                            ناقصين. صعدنا على شاشة السينما
                            باسمين, كما ينبغي أن نكون على
                            شاشة السينما, وارتجلنا كلاما أعد
                            لنا سلفاً، آسفين على فرصة
                            الشهداء الأخيرة. ثم انحنينا نسلم
                            أسماءنا للمشاة على الجانبين. وعدنا
                            إلى غدنا ناقصين...

                            أغلقوا المشهد
                            انتصروا
                            عبروا أمسنا كله,
                            غفروا
                            للضحية أخطاءها عندما اعتذرت
                            عن كلام سيخطر في بالها,
                            غيروا جرس الوقت
                            وانتصروا...

                            عندما أوصلونا إلى الفصل قبل الأخير
                            التفتنا إلى الخلف: كان الدخان
                            يطل من الوقت أبيض فوق الحدائق
                            من بعدنا. والطواويس تنشر مروحة
                            اللون حول رسالة قيصر للتائبين
                            عن المفردات التي اهترأت. مثلاً:
                            وصف حريةٍ لم تجد خبزها. وصف
                            خبز بلا ملح حريةٍ. أو مديح حمام
                            يطير بعيداً عن السوق...
                            كانت رسالة قيصر شمبانيا للدخان
                            الذي يتصاعد من شرفة الوقت
                            أبيض ...

                            أغلقوا المشهد
                            انتصروا
                            صوروا ما يريدونه من سماواتنا
                            نجمةً .. نجمةً
                            صوروا ما يريدونه من نهاراتنا
                            غيمةً غيمةً,
                            غيروا جرس الوقت
                            وانتصروا ...

                            إلتفتنا إلى دورنا في الشريط الملون،
                            لكننا لم نجد نجمة للشمال ولا خيمة
                            للجنوب. ولم نتعرف على صوتنا أبداً.
                            لم يكن دمنا يتكلم في الميكروفونات في
                            ذلك اليوم, يوم اتكأنا على لغةٍ
                            بعثرت قلبها عندما غيرت دربها. لم
                            يقل أحد لامرئ القيس: ماذا صنعت
                            بنا وبنفسك؟, فاذهب على درب
                            قيصر’ خلف دخان يطل من
                            الوقت أسود. واذهب على درب
                            قيصر, وحدك, وحدك, وحدك
                            واترك لنا, ههنا, لغتك!

                            تعليق


                            • عندما يبتعد

                              للعدو الذي يشرب الشاي في كوخنا
                              فرس في الدخان. وبنت لها
                              حاجبان كثيفان. عينان بنيتان. وشعر
                              طويل كليل الأغاني على الكتفين. وصورتها
                              لا تفارقه كلما جاءنا يطلب الشاي. لكنه
                              لا يحدثنا عن مشاغلها في المساء, وعن
                              فرس تركته الأغاني على قمة التل.../

                              ... في كوخنا يستريح العدو من البندقية,
                              يتركها فوق كرسي جدي. ويأكل من خبزنا
                              مثلما يفعل الضيف. يغفو قليلاً على
                              مقعد الخيرزان. ويحنو على فرو
                              قطتنا. ويقول لنا دائماً:
                              لا تلومو الضحية!
                              نسأله: من هي؟
                              فيقول: دم لا يجففه الليل.../

                              ... تلمع أزرار سترته عندما يبتعد
                              عم مساء! وسلم على بئرنا
                              وعلى جهة التين. وامش الهويني على
                              ظلنا في حقول الشعير. وسلم على سرونا
                              في الأعالي. ولا تنس بوابة البيت مفتوحة
                              في الليالي. ولا تنس خوف
                              الحصان من الطائرات،
                              وسلم علينا، هناك, إذا اتسع الوقت.../

                              هذا الكلام الذي كان في ودنا
                              أن نقول على الباب... يسمعه جيداً
                              جيداً, ويخبئه في السعال السريع
                              ويلقي به جانباً.
                              فلماذا يزور الضحية كل مساءٍ؟
                              ويحفظ أمثالنا مثلنا,
                              ويعيد أناشيدنا ذاتها,
                              عن مواعيدنا ذاتها في المكان المقدس؟
                              لولا المسدس
                              لاختلط الناي في الناي.../

                              لن تنتهي الحرب ما دامت الأرض
                              فينا تدور على نفسها!
                              فلنكن طيبين إذا. كان يسألنا
                              أن نكون هنا طيبين. ويقرأ شعراً
                              لطيار "بيتس": أنا لا أحب الذين
                              أدافع عنهم, كما أنني لا أعادي
                              الذين أحاربهم...
                              ثم يخرج من كوخنا الخشبي،
                              ويمشي ثمانين متراً إلى
                              بيتنا الحجري هناك على طرف السهل.../

                              سلم على بيتنا يا غريب.
                              فناجين
                              قهوتنا لا تزال على حالها. هل تشم
                              أصابعنا فوقها؟ هل تقول لبنتك ذات
                              الجديلة والحاجبين الكثيفين إن لها
                              صاحباً غائباً،
                              يتمنى زيارتها, لا لشيء...
                              ولكن ليدخل مرآتها ويرى سره:
                              كيف كانت تتابع من بعده عمره
                              بدلاً منه؟ سلم عليها
                              إذا اتسع الوقت.../

                              هذا الكلام الذي كان في ودنا
                              أن نقول له، كان يسمعه جيداً
                              جيداً،
                              ويخبئه في سعالٍ سريع
                              أزرار سترته عندما يبتعد..

                              يتبع

                              تعليق


                              • مقتطفات من ديوان
                                سرير الغريبة 1999

                                نمشي على الجسر



                                تُصابين مثلي , برحلةِ طَيْرٍ
                                ويحدُثُ ذلك بعد الظهيرةِ ,
                                حيث تقولين : خُذْني , إلى النهر
                                يا أَجنبيُّ , إلى النهر خذني
                                فإن طريقي على ضَفَّتَيْكَ طويلُ

                                ونُصغي إلى ما يَقُولُ المُشَاةُ
                                على الجسر:
                                ((لي عَمَلٌ آخرٌ غيرُ هذا ,
                                ((ولي مقعدٌ في السفينة
                                ((لي حصَّةٌ في الحياة
                                ((وأَمَّا أَنا ,
                                فعليَّ اللحاقُ بمترو الضواحي
                                ((تأخَّرْتُ موعد الساكسفون ,
                                وَلَيْلي قليلُ
                                ونصغي إلى ما بنا من حنينٍ خفيّ
                                إلى شارعٍ غامض: لي حياتي هناك
                                حياتي التي صنعَتْها القوافلُ وانصرَفَتْ’
                                وهنا لي حياتي على قَدْر خبري
                                وأَسئلتي عن مصير يُعَذِّبُه حاضرٌ
                                عابرٌ , وغَدٌ فوضويٌ جَميلُ
                                صدىً للصدى , أَيُّنا قال هذا الكلام , أَنا
                                أَمِ الأَجنبيَّةُ ؟ لا أَحد يستطيعُ
                                الرجوع إلى أَحد . تصنع الأَبديَّةُ
                                أَشغالها اليدويَّة من عمرنا وتُعَمِّرُ...
                                فليكُن الحُبُّ ضرباً من الغَيْبِ , وليكُنِ
                                الغيبُ ضرباً من الحُبّ . إني عجبتُ
                                لمن يعرفُ الحبَّ كيف يُحِبُّ ! فقد
                                يتعَبُ الحُب فينا من الانتظار ويمرَضُ ,
                                لكنَّهُ لا يَقُولُ

                                لدى غدنا ماسيكفي من الوقت , يكفي
                                لنمشي على الجسر عَشْرَ دقائقَ أُخرى ,
                                فقد نتغيَّرُ عما قليلٍ وننسى ملامح
                                ثالثِنا / الموتِ , ننسى الطريقَ إلى البيت
                                قرب السماء التي خذلتنا كثيراً ,
                                خذيني إلى النهر , يا أَجنبيَّةُ
                                قد نتغيَّر عمَّا قليل . وقد يحدثُ
                                المستحيلُ

                                كما في الكتابة يأتي الضروريُّ
                                في حينه قمراً أُنثوياً لملء فراغ
                                القصيدة . لا تتركينى تماماً , ولا
                                تأخذيني تماماً. ضعي في المكان الصحيح
                                الزمانَ الصحيح . فأنتِ السبيلُ وأَنتِ الدليلُ

                                بلاد حقيقيَّةٌ , لا مجاز , ذراعاك
                                حولي ... هنالك قرب الكتاب المُقَدَّس
                                أَو ههنا أَيُّنا قال : قد تحفَظُ
                                اللغةُ الأَرضَ مما يُلِمُّ بها من
                                غيابٍ إذا انتصر الشعرُ ؟ مَنْ
                                قال منا : سأنس , وأَغفر للقلب
                                أكثر من خطأ واحد ’ كلما طال
                                هذا الرحيلُ...

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-08-2025 الساعة 11:33 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-04-2025 الساعة 05:29 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-31-2025 الساعة 10:07 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-30-2025 الساعة 11:48 PM
                                المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 05-30-2025 الساعة 09:36 AM
                                يعمل...
                                X