إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الباحث عن المستحيل الشاعر أمل دنقل

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    الموت فى لوحات

    (1)

    مصفوفة حقائبي على رفوف الذاكرة
    والسفر الطويل
    يبدأ دون أن تسير القاطرة
    رسائلي للشمس
    تعود دون ان تمس
    رسائلي للأرض
    ترد دون أن تفض!
    يميل ضلي في الغروب دون أن أميل
    وها أنا في مقعدي القانط
    وريقة.. وريقة.. يسقط عمري من نتيجة الحائط
    والورق الساقط
    يطفو على بحيرة الذكرى , فتلتوي دوائرا
    وتختفي.. دائرة.. فدائرة !


    ( 2 )



    شقيقتي " رجاء " ماتت و هي دون الثالثة .
    ماتت و ما يزال في دولاب أمّي السّري
    صندلها الفضّيّ!
    صديرها المشغول ، قرطها ، غطاء رأسها الصّوفيّ
    أرنبها القطنيّ !
    و عندما أدخل بهو بيتنا الصامت
    فلا أراها تمسك الحائط .. علّها تقف !
    أنسى بأنّها ماتت ..
    أقول . ربّما نامت ..
    أبحث عنها في الغرف .
    و عندما تسألني أمّي بصوتها الخافت
    أرى الأسى في وجهها الممتقع الباهت
    و أستبين الكارثة !





    ( 3 )



    عرفتها في عامها الخامس و العشرين
    و الزمن العنّين ..
    ينشب في أحشائها أظفاره الملويّة
    صلّت إلى العذراء ، طوفّت بكلّ صيدليّة
    تقلّبت بين الرجال الخشنين !
    و ما تزال تشتري اللّفائف القطنيّة !
    ما تزال تشتري اللّفائف القطنيّة !
    و حين ضاجعت أباها ليلة الرعد
    تفجّرت بالخصب و الوعد
    و اختلجت في طينها بشارة التكوين !
    لكنّها نادت أباها في الصباح ..
    فظلّ صامتا !
    هزّته .. كان ميّتا !!



    تعليق


    • #47
      ( 4 )



      من شرفتي كنت أراها في صباح العطلة الهاديء
      تنشر في شرفتها على خيوط النور و الغناء
      ثياب طفليها ، ثياب زوجها الرسميّة الصفراء
      قمصانه المغسولة البيضاء
      تنشر حولها نقاء قلبها الهانيء
      و هي تروح و تجيء
      و الآن بعد أشهر الصيف الرديء
      رأيتها .. ذابلة العينين و الأعضاء
      تنشر في شرفتها على حبال الصّمت و البكاء
      ثيابها السوداء !




      ( 5 )



      حبيبتي في لحظة الظلام ؛ لحظة التوهّج العذبة
      تصبح بين ساعديّ جثّة رطبه !
      ينكسر الشوق بداخلي ، و تخفت الرغبة
      أموء فوق خدّها
      أضرع فوق نهدها
      أودّ لو أنفذ في مسامّ جلدها
      لكن .. يظلّ بيننا الزجاج .. و الغياب .. و الغربة !
      وذات ليلة ، تكسّرت ما بيننا حواجز الرّهبة
      فاحتضنتني .. بينما نحن نغوص في قرار التربة
      تبعثرت في رأسها شرائح الصورة و النجوم
      و اختلطت في قلبها الأزمنة الهشيم
      لكنّها و هي تناجى
      سمعتها تناديني
      باسم حبيبها الذي قد حطّم اللّعبة
      مخلّفا في قلبها .. ندبة !!

      تعليق


      • #48
        الاخرون دائما



        لا تنظروا لي هكذا ،
        إني أخاف..
        لست أنا الذي سحقت الخصب في أطفالكم ،
        جعلتهم خصيان
        لست أن الذي نبشت القبر ،
        كي أضاجع الجثمان
        لست أنا الذي اختلست ليلة
        لدى عشيقة الملك
        فلتبحثوا عمن سيدلي باعتراف
        الآخــــــــريــــــــن


        ( 1 )


        هذا الصبي في فراشه اضطجع
        وفي كتاب أحمر الغلاف
        تجمدت عيناه في سطور :

        ((...وفجأة....ساد الظلام ...))
        (( غالب لوبين نفسه......))
        (( أشهر روجر مسدسة:
        هل أطلق الرصاص بوبين ...))
        (( ..ومزق الرصاص هدأة السكون ..))
        (( صوت ارتطام جسم في الظلام ..))
        (( صوت محرك يدور في نهاية الطريق ..))
        .....وهب من فراشه يطارد الشبح
        فشبح رأسه في قائم السرير..
        تحسس الدماء في جبهته،
        ثم انبطح
        ليطلق الرصاص خلف المجرمين..


        ( 2 )


        صديقتي .. شدت على يدي ،
        وقالت: لن أجيء غرفتك
        لا بد أن نبقى معا إلى الأبد..
        ولم أرد
        لأن ثوب العرس في معارض الأزياء
        نجمة تدور في سراب
        لم أزل أدق بابا بعد باب..
        وخطوتي تنهيدة،
        وأعيني ضباب..
        حتى وصلت غرفتي في آخر المطاف
        وهرتي تلد..
        مواؤها عذاب أثنى ليلة المخاض
        أنثى وحيدة تلد..
        وأخلد الجيران للسكون
        وقطهم جاف على نافذة بين
        يلعق في فروته الناصعة البياض
        يلعق عن فروته عذاب هرتى المتحد
        .. سعت إليه ذات ليلة،
        ولم تسله ثوباً للزفاف
        لأن ثوب العرس في معارض الأزياء
        نجمة تدور في سراب


        (3)


        بلقيس ألهبت سليمان الحكيم
        أنثى رمت بساطها المضياف للنجوم
        لكن سليمان الحكيم..
        يقتل غيلة أمير الجند
        لأنه يريد أن يبنى بزوجة الأمير
        وزوجة الأمير تغتال ابن بلقيس الصغير
        لأنها تريد أن يكون طفلها ولي العهد
        لكن ولي العهد قال لي
        بأنه حين يفع
        بلقيس راودته ذات ليلة عن نفسها
        لم يستطع
        أن يمتنع
        ..كانت غلالة من الحرير
        تهتز فوق مشجب المساء
        سألته:
        هل تستطيع يا صديقي الإفشاء
        عن ابن بلقيس ..أبوه من يكون؟
        قال: أنا ما قلت شيئا،
        ما فعلت شى
        الآخرون.......

        لأنني أخاف
        لا تنظروا لى هكذا،..فالآخرون
        هم الذين يفعلون ً

        تعليق


        • #49
          العشاء



          قصدتهم في موعد العشاء
          تطالعوا لي برهة ،
          ولم يرد واحد منهم تحية المساء !
          ......وعادت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
          في طبق الحساء


          نظرت في الوعـــاء :
          هتفت : (( ويحكم ....دمي
          هذا دمي .....فانتبهوا ))
          ........لم يــأبهوا !
          وظلّت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
          وظلت الشفاة تلعق الدماء !


          يتبع

          تعليق


          • #50
            زهور



            زهور وسلالٌ منَ الورِد,
            ألمحُها بينَ إغفاءةٍ وإفاقه
            وعلى كلِّ باقةٍ
            اسمُ حامِلِها في بِطاقه

            تَتَحدثُ لي الزَهراتُ الجميلهْ
            أن أَعيُنَها اتَّسَعَتْ - دهشةً -
            َلحظةَ القَطْف,
            َلحظةَ القَصْف,
            لحظة إعدامها في الخميلهْ!
            تَتَحدثُ لي..
            أَنها سَقَطتْ منْ على عرشِها في البسَاتين
            ثم أَفَاقَتْ على عَرْضِها في زُجاجِ الدكاكينِ, أو بينَ أيدي المُنادين,
            حتى اشترَتْها اليدُ المتَفضِّلةُ العابِرهْ
            تَتَحدثُ لي..
            كيف جاءتْ إليّ..
            (وأحزانُها الملَكيةُ ترفع أعناقَها الخضْرَ)
            كي تَتَمني ليَ العُمرَ!
            وهي تجودُ بأنفاسِها الآخرهْ!!

            كلُّ باقهْ..
            بينَ إغماءة وإفاقهْ
            تتنفسُ مِثلِىَ - بالكادِ - ثانيةً.. ثانيهْ
            وعلى صدرِها حمَلتْ - راضيهْ...
            اسمَ قاتِلها في بطاقهْ!

            تعليق


            • #51
              الطيور



              (1)


              الطيورُ مُشردةٌ في السَّموات,
              ليسَ لها أن تحطَّ على الأرضِ,
              ليسَ لها غيرَ أن تتقاذفَها فلواتُ الرّياح!
              ربما تتنزلُ..
              كي تَستريحَ دقائقَ..
              فوق النخيلِ - النجيلِ - التماثيلِ -
              أعمِدةِ الكهرباء -
              حوافِ الشبابيكِ والمشربيَّاتِ
              والأَسْطحِ الخرَسانية.
              (اهدأ, ليلتقطَ القلبُ تنهيدةً,
              والفمُ العذبُ تغريدةً
              والقطِ الرزق..)
              سُرعانَ ما تتفزّعُ..
              من نقلةِ الرِّجْل,
              من نبلةِ الطّفلِ,
              من ميلةِ الظلُّ عبرَ الحوائط,
              من حَصوات الصَّياح!)

              الطيورُ معلّقةٌ في السموات
              ما بين أنسجةِ العَنكبوتِ الفَضائيِّ: للريح
              مرشوقةٌ في امتدادِ السِّهام المُضيئةِ
              للشمس,
              (رفرفْ..
              فليسَ أمامَك -
              والبشرُ المستبيحونَ والمستباحونَ: صاحون -
              ليس أمامك غيرُ الفرارْ..
              الفرارُ الذي يتجدّد. كُلَّ صباح!)


              (2)


              والطيورُ التي أقعدتْها مخالَطةُ الناس,
              مرتْ طمأنينةُ العَيشِ فَوقَ مناسِرِها..
              فانتخَتْ,
              وبأعينِها.. فارتخَتْ,
              وارتضتْ أن تُقأقَىَء حولَ الطَّعامِ المتاحْ
              ما الذي يَتَبقى لهَا.. غيرُ سَكينةِ الذَّبح,
              غيرُ انتظارِ النهايه.
              إن اليدَ الآدميةَ.. واهبةَ القمح
              تعرفُ كيفَ تَسنُّ السِّلاح!


              (3)


              الطيورُ.. الطيورْ
              تحتوي الأرضُ جُثمانَها.. في السُّقوطِ الأخيرْ!
              والطُّيُورُ التي لا تَطيرْ..
              طوتِ الريشَ, واستَسلَمتْ
              هل تُرى علِمتْ
              أن عُمرَ الجنَاحِ قصيرٌ.. قصيرْ?!
              الجناحُ حَياة
              والجناحُ رَدى.
              والجناحُ نجاة.
              والجناحُ.. سُدى!

              تعليق


              • #52
                شئ يحترق



                شيء في قلبي يحترق
                إذ يمضي الوقت ... فنفترق
                و نمدّ الأيدي
                يجمعنا حبّ
                و تفرّقها .. طرق




                .. ولأنت جواري ضاجعه
                و أنا بجوارك ، مرتفق
                و حديثك يغزله مرح
                و الوجه .. حديث متّسق
                ترخين جفونا
                أغرقها سحر
                فطفا فيها الغرق
                و شبابك حان جبليّ
                أرز ، و غدير ينبثق
                و نبيذ ذهبيّ و حدي
                مصطبح منه و مغتبق
                و تغوص بقلبي نشوته
                تدفعني فيك .. فتلتصق
                و أمدّ يدين معربدتين
                فثوبك في كفّي ..
                مزّق
                و ذراعك يلتفّ
                و نهر من أقصى الغابة يندفق
                و أضمّك
                شفة في شفة
                فيغيب الكون ، و ينطبق

                و تموت النار
                فنرقبها
                بجفون حار بها الأرق
                خجلى !
                و شفاهك ذائبه
                و ثمارك نشوى تندلق

                تعليق


                • #53
                  شجوية



                  لماذا يُتابِعُني أينما سِرتُ صوتُ الكَمانْ?
                  أسافرُ في القَاطراتِ العتيقه,
                  (كي أتحدَّث للغُرباء المُسِنِّينَ)
                  أرفعُ صوتي ليطغي على ضجَّةِ العَجلاتِ
                  وأغفو على نَبَضاتِ القِطارِ الحديديَّةِ القلبِ
                  (تهدُرُ مثل الطَّواحين)
                  لكنَّها بغتةً..
                  تَتباعدُ شيئاً فشيئا..
                  ويصحو نِداءُ الكَمان!

                  أسيرُ مع الناسِ, في المَهرجانات:
                  أُُصغى لبوقِ الجُنودِ النُّحاسيّ..
                  يملأُُ حَلقي غُبارُ النَّشيدِ الحماسيّ..
                  لكنّني فَجأةً.. لا أرى!
                  تَتَلاشى الصُفوفُ أمامي!
                  وينسرِبُ الصَّوتُ مُبْتعِدا..
                  ورويداً..
                  رويداً يعودُ الى القلبِ صوتُ الكَمانْ!




                  لماذا إذا ما تهيَّأت للنوم.. يأتي الكَمان?..
                  فأصغي له.. آتياً من مَكانٍ بعيد..
                  فتصمتُ: هَمْهمةُ الريحُ خلفَ الشَّبابيكِ,
                  نبضُ الوِسادةِ في أُذنُي,
                  تَتراجعُ دقاتُ قَلْبي,..
                  وأرحلُ.. في مُدنٍ لم أزُرها!
                  شوارعُها: فِضّةٌ!
                  وبناياتُها: من خُيوطِ الأَشعَّةِ..
                  ألْقى التي واعَدَتْني على ضَفَّةِ النهرِ.. واقفةً!
                  وعلى كَتفيها يحطُّ اليمامُ الغريبُ
                  ومن راحتيها يغطُّ الحنانْ!
                  أُحبُّكِ,
                  صارَ الكمانُ.. كعوبَ بنادقْ!
                  وصارَ يمامُ الحدائقْ.
                  قنابلَ تَسقطُ في كلِّ آنْ
                  وغَابَ الكَمانْ!

                  تعليق


                  • #54
                    سفر الف دال



                    (الإصحاح الأول)


                    القِطاراتُ ترحلُ فوق قضيبينِ: ما كانَ ما سيكُونْ!
                    والسماءُ: رمادٌ;.. به صنعَ الموتُ قهوتَهُ,
                    ثم ذَرّاه كي تَتَنَشَّقَه الكائناتُ,
                    فينسَلّ بينَ الشَّرايينِ والأفئِده.
                    كلُّ شيءٍ - خلال الزّجاج - يَفِرُّ:
                    رذاذُ الغبارِ على بُقعةِ الضَّوءِ,
                    أغنيةُ الرِّيحِ,
                    قَنْطرةُ النهرِ,
                    سِربُ العَصافيرِ والأعمِدهْ.
                    كلُّ شيءٍ يفِرُّ,
                    فلا الماءُ تُمسِكُه اليدُ,
                    والحُلْمُ لا يتبقَّى على شُرفاتِ العُيونْ.

                    والقطاراتُ تَرحلُ, والراحلونْ..
                    يَصِلُونَ.. ولا يَصلُونْ!


                    (الإصحاح الثاني)


                    سنترال:
                    أعطِ للفتياتِ
                    - اللواتي يَنَمْنَ الى جانب الآلةِ الباردةِ -
                    (شارداتِ الخيالْ)
                    رقمي; رقمَ الموتِ; حتى أجيءَ الى العُرْسِ..
                    ذي الليلةِ الواحِدهْ!
                    أَعطِه للرجالْ..
                    عِندما يلثُمُون حَبيباتهم في الصَّباحِ, ويرتحلونَ
                    الى جَبَهاتِ القِتالْ!!


                    (الإصحاح الثالث)


                    الشُهورُ: زُهُورٌ; على حافَةِ القَلبِ تَنْمو.
                    وتُحرقُها الشَّمسُ ذاتُ العُيون الشَّتائيَّةِ المُطفأهْ.
                    ***
                    زهرةٌ في إناءْ
                    تتوهَّجُ - في أوَّلِ الحبِّ - بيني وبينَكِ..
                    تُصبحُ طفلاً.. وأرجوحةً.. وامرأة.
                    زهرةً في الرِّداء
                    تَتَفَتَّحُ أوراقُها في حَياءْ
                    عندما نَتَخَاصرُّ في المشْيةِ الهادِئه.
                    زهرةُ من غِناء
                    تَتَورَّدُ فوق كَمنجاتِ صوتكِ
                    حين تفاجئكِ القُبلةُ الدافِئه.
                    زهرةٌ من بُكاء
                    تتجمَّدُ - فوقَ شُجيرةِ عينيكِ - في لحظاتِ الشِّجارِ الصغيرةِ,
                    أشواكُها: الحزنُ.. والكِبرياءْ.
                    زهرةٌ فوق قبرٍ صغيـرْ
                    تنحني; وأنا أتحاشى التطلعَ نحوكِ..
                    في لحظات الودَاعِ الأَخيرْ.
                    تَتَعرَّى; وتلتفُّ بالدَّمعِ - في كلِّ ليلٍ - إذا الصَّمتُ جاءْ.
                    لم يَعُدْ غيرُها.. من زهورِ المسَاء
                    هذه الزهرةُ - اللؤلؤه!

                    تعليق


                    • #55
                      (الإصحاح الرابع)


                      تحبلُ الفتياتْ
                      في زيارات أعمامِهنَّ الى العائله.
                      ثم.. يُجْهِضُهُنَّ الزحامُ على سُلَّم "الحافِله"
                      وترام الضَّجيج!

                      تذهبُ السَّيداتْ
                      ليُعَالجْنَ أسنانَهنَّ فَيُؤْمِنَّ بالوحْدَة الشامله!
                      ويُجِدْنَ الهوى بلِسانِ "الخليج"!

                      يا أبانا الذي صارَ في الصَّيدليَّات والعُلَبِ العازله
                      نجّنا من يدِ "القابِلهْ"
                      نَجنّا.. حين نقضُم - في جنَّة البؤسِ - تفّاحَةَ العَربات وثيابِ الخُروجْ!!


                      (الإصحاح الخامس)


                      تصْرخين.. وتخترقينَ صُفوفَ الجُنودْ.
                      نتعانقُ في اللحظاتِ الأخيرةِ,..
                      في الدرجاتِ الأخيرةِ.. من سلّم المِقصلَهْ.
                      أتحسَّسُ وجهَكِ!
                      (هل أنت طِفلتيَ المستحيلةُ أم أمِّيَ الأرملةْ?)
                      أتحسسُ وجهَكِ!
                      (لمْ أكُ أعمى;.
                      ولكنَّهم أرفقُوا مقلتي ويدي بمَلَفِّ اعترافي
                      لتنظرَه السلُطاتُ..
                      فتعرفَ أنِّيَ راجعتهُ كلمةً.. كلمةً..
                      ثم وَقَّعتُهُ بيدي..
                      - ربما دسَّ هذا المحقِّقُ لي جملةً تنتهي بي الى الموتِ!
                      لكنهمْ وعدوا أن يُعيدوا اليَّ يديَّ وعينيَّ بعدَ
                      انتهاءِ المحاكمة العادِلهْ!)
                      زمنُ الموتِ لا ينتهي يا ابنتي الثاكلهْ
                      وأنا لستُ أوَّلَ من نبَّأ الناسَ عن زمنِ الزلزلهْ
                      وأنا لستُ أوَّلَ من قال في السُّوقِ..
                      إن الحمامةَ - في العُشِّ - تحتضنُ القنبلهْ!.
                      قَبّلبيني;.. لأنقلَ سرِّي الى شفتيك,
                      لأنقل شوقي الوحيد
                      لك, للسنبله,
                      للزُهور التي تَتَبرْعمُ في السنة المقبلهْ
                      قبّليني.. ولا تدْمعي..
                      سُحُبُ الدمعِ تَحجبني عن عيونِك..
                      في هذه اللَّحظةِ المُثقله
                      كثُرتْ بيننا السُّتُرُ الفاصِله
                      لا تُضيفي إليها سِتاراً جديدْ!


                      (الإصحاح السادس)


                      كان يجلسُ في هذه الزاويهْ.
                      كان يكتبُ, والمرأةُ العاريهْ
                      تتجوَّل بين الموائِدِ; تعرضُ فتنتَها بالثَّمنْ.
                      عندما سألَتْه عَن الحَربِ;
                      قال لها..
                      لا تخافي على الثروةِ الغاليهْ
                      فعَدوُّ الوطنْ
                      مثلُنا.. يخْتتنْ
                      مثلنا.. يعشقُ السّلَعَ الأجنبيَّهْ,
                      يكره لحمَ الخنازيرِ,
                      يدفعُ للبندقيَّةِ.. والغانيهْ!
                      .. فبكتْ!
                      كان يجلسُ في هذه الزّاويهْ.
                      عندما مرَّت المرأةُ العاريهْ
                      ودعاها; فقالتْ له إنها لن تُطيل القُعودْ
                      فهي منذُ الصباحِ تُفَتّشُ مُستشفياتِ الجُنودْ
                      عن أخيها المحاصرِ في الضفَّةِ الثانيهْ
                      (عادتِ الأرضُ.. لكنَّه لا يعودْ!)
                      وحكَتْ كَيف تحتملُ العبءَ طِيلة غربتهِ القاسيهْ
                      وحكتْ كيفَ تلبسُ - حين يجيءُ - ملابسَها الضافيهْ
                      وأرَتْهُ لهُ صورةً بين أطفالِهِ.. ذاتَ عيد
                      .. وبكت!!

                      تعليق


                      • #56
                        (الإصحاح السابع)


                        أشعر الآنَ أني وحيدٌ;..
                        وأن المدينةَ في الليلِ..
                        (أشباحَها وبناياتِها الشَّاهِقه)
                        سُفنٌ غارقه
                        نهبتْها قراصنةُ الموتِ ثم رمتْها الى القاعِ.. منذُ سِنينْ.
                        أسندَ الرأسَ ربَّانُها فوقَ حافتِها,
                        وزجاجةُ خمرٍ مُحطّمةٌ تحت أقدامهِ;
                        وبقايا وسامٍ ثمين.
                        وتشَبَّث بحَّارةُ الأمسِ فيها بأعمدةِ الصَّمتِ في الأَروِقه
                        يتسلَّل من بين أسمالِهم سمكُ الذكريات الحزينْ.
                        وخناجرُ صامتهٌ,..
                        وطحالبُ نابتهٌ,
                        وسِلالٌ من القِططِ النافقه.
                        ليس ما ينبضُ الآنَ بالروحِ في ذلك العالمِ المستكينْ
                        غير ما ينشرُ الموجُ من عَلَمٍ.. (كان في هبّةِ الريحِ)
                        والآن يفركُ كفَّيْهِ في هذه الرُّقعةِ الضيِّقه!
                        سَيظلُّ.. على السَّارياتِ الكَسيرةِ يخفقُ..
                        حتى يذوبَ.. رويداً.. رويداً..
                        ويصدأُ فيه الحنينْ
                        دون أن يلثمَ الريحَ.. ثانيةً,
                        أو.. يرى الأرضَ,
                        أو.. يتنهَّدَ من شَمسِها المُحرِقه!


                        (الإصحاح الثامن)


                        آهِ.. سَيدتي المسبلهْ.
                        آه.. سيدةَ الصّمتِ واللفتاتِ الوَدودْ.

                        لم يكنْ داخلَ الشقَّةِ المُقفله
                        غيرُ قطٍ وحيدْ.
                        حين عادت من السُّوق تحملُ سلَّتها المُثقله
                        عرفتْ أن ساعي البريدْ
                        مَرَّ..
                        (في فُتحةِ البابِ..
                        كان الخِطابُ,
                        طريحاً..
                        ككلبِ الشَّهيدْ!)
                        .. قفز القِطٌ في الولوله!
                        قفزت من شبابيكِ جيرانِها الأَسئِله
                        آه.. سيدةَ الصمتِ والكلماتِ الشَّرُودْ
                        آه.. أيتُها الأَرملَه!


                        (الإصحاح التاسع)


                        دائماً - حين أمشي - أرى السُّتْرةَ القُرمزيَّةَ
                        بينَ الزحام.
                        وأرى شعرَكِ المتهدِّلَ فوقَ الكتِف.
                        وأرى وجهَك المتبدِّلَ..
                        فوق مرايا الحوانيتِ,
                        في الصُّور الجانبيَّةِ,
                        في لفتاتِ البناتِ الوحيداتِ,
                        في لمعانِ خدودِ المُحبين عندَ حُلول الظلامْ.
                        دائماً أتحسَّسُ ملمَسَ كفِّك.. في كلِّ كفّ.
                        المقاهي التي وهبَتْنَا الشَّرابَ,
                        الزوايا التي لا يرانا بها الناس,
                        تلكَ الليالي التي كانَ شعرُكِ يبتلُّ فيها..
                        فتختبيئينَ بصدري من المطرِ العَصَبي,
                        الهدايا التي نتشاجرُ من أجلِها,
                        حلقاتُ الدخانِ التي تتجَمَّعُ في لحظاتِ الخِصام
                        دائماً أنتِ في المُنتصف!
                        أنتِ بيني وبين كِتابي,
                        وبيني وبينَ فراشي,
                        وبيني وبينَ هدُوئي,
                        وبيني وبينَ الكَلامْ.
                        ذكرياتُكِ سِّجني, وصوتكِ يجلِدني
                        ودمي: قطرةٌ - بين عينيكِ - ليستْ تجِفْ!
                        فامنحيني السَّلام!
                        امنحيني السَّلامْ!


                        (الإصحاح العاشر)


                        الشوارعُ في آخرِ اللّيل... آه..
                        أراملُ متَّشحاتٌ.. يُنَهْنِهْنَ في عَتباتِ القُبورِ - البيوتْ.
                        قطرةً.. قطرةً; تتساقطُ أدمُعُهنَّ مصابيحَ ذابلةً,
                        تتشبث في وجْنةِ الليلِ, ثم.. تموتْ!
                        الشوارعُ - في آخر الليلِ - آه..
                        خيوطٌ من العَنْكبوتْ.
                        والمَصابيحُ - تلكَ الفراشاتُ - عالقةٌ في مخالبِها,
                        تتلوَّى.. فتعصرها, ثم تَنْحَلُّ شيئاً.. فشيئا..
                        فتمتصُّ من دمها قطرةً.. قطرةً;
                        فالمصابيحُ: قُوتْ!
                        الشوارعُ - في آخرِ الليلِ - آه..
                        أفاعٍ تنامُ على راحةِ القَمرِ الأبديّ الصَّموتْ
                        لَمَعانُ الجلودِ المفضَّضةِ المُسْتَطيلةِ يَغْدُو.. مصابيحَ..
                        مَسْمومةَ الضوءِ, يغفو بداخلِها الموتُ;
                        حتى إذا غَرَبَ القمرُ: انطفأتْ,
                        وغَلى في شرايينها السُّمُّ
                        تَنزفُه: قطرةً.. قطرةً; في السُكون المميتْ!
                        وأنا كنتُ بينَ الشوارعِ.. وحدي!
                        وبين المصابيحِ.. وحدي!
                        أتصبَّبُ بالحزنِ بين قميصي وجِلْدي.
                        قَطرةً.. قطرةً; كان حبي يموتْ!
                        وأنا خارجٌ من فراديسِهِ..
                        دون وَرْقَةِ تُوتْ!

                        تعليق


                        • #57
                          مقابلة مع ابن نوح

                          جاء طوفانُ نوحْ!

                          المدينةُ تغْرقُ شيئاً.. فشيئاً
                          تفرُّ العصافيرُ,
                          والماءُ يعلو.
                          على دَرَجاتِ البيوتِ
                          - الحوانيتِ -
                          - مَبْنى البريدِ -
                          - البنوكِ -
                          - التماثيلِ (أجدادِنا الخالدين) -
                          - المعابدِ -
                          - أجْوِلةِ القَمْح -
                          - مستشفياتِ الولادةِ -
                          - بوابةِ السِّجنِ -
                          - دارِ الولايةِ -
                          أروقةِ الثّكناتِ الحَصينهْ.
                          العصافيرُ تجلو..
                          رويداً..
                          رويدا..
                          ويطفو الإوز على الماء,
                          يطفو الأثاثُ..
                          ولُعبةُ طفل..
                          وشَهقةُ أمٍ حَزينه
                          الصَّبايا يُلوّحن فوقَ السُطوحْ!
                          جاءَ طوفانُ نوحْ.
                          هاهمُ "الحكماءُ" يفرّونَ نحوَ السَّفينهْ
                          المغنونَ- سائس خيل الأمير- المرابونَ- قاضى القضاةِ
                          (.. ومملوكُهُ!) -
                          حاملُ السيفُ - راقصةُ المعبدِ
                          (ابتهجَت عندما انتشلتْ شعرَها المُسْتعارْ)
                          - جباةُ الضرائبِ - مستوردو شَحناتِ السّلاحِ -
                          عشيقُ الأميرةِ في سمْتِه الأنثوي الصَّبوحْ!

                          تعليق


                          • #58
                            جاءَ طوفان نوحْ.
                            ها همُ الجُبناءُ يفرّون نحو السَّفينهْ.
                            بينما كُنتُ..
                            كانَ شبابُ المدينةْ
                            يلجمونَ جوادَ المياه الجَمُوحْ
                            ينقلونَ المِياهَ على الكَتفين.
                            ويستبقونَ الزمنْ
                            يبتنونَ سُدود الحجارةِ
                            عَلَّهم يُنقذونَ مِهادَ الصِّبا والحضاره
                            علَّهم يُنقذونَ.. الوطنْ!
                            .. صاحَ بي سيدُ الفُلكِ - قبل حُلولِ
                            السَّكينهْ:
                            "انجِ من بلدٍ.. لمْ تعدْ فيهِ روحْ!"
                            قلتُ:
                            طوبى لمن طعِموا خُبزه..
                            في الزمانِ الحسنْ
                            وأداروا له الظَّهرَ
                            يوم المِحَن!
                            ولنا المجدُ - نحنُ الذينَ وقَفْنا
                            (وقد طَمسَ اللهُ أسماءنا!)
                            نتحدى الدَّمارَ..
                            ونأوي الى جبلٍِ لا يموت
                            (يسمونَه الشَّعب!)
                            نأبي الفرارَ..
                            ونأبي النُزوحْ!
                            كان قلبي الذي نَسجتْه الجروحْ
                            كان قَلبي الذي لَعنتْه الشُروحْ
                            يرقدُ - الآن - فوقَ بقايا المدينه
                            وردةً من عَطنْ
                            هادئاً..
                            بعد أن قالَ "لا" للسفينهْ
                            .. وأحب الوطن!

                            تعليق


                            • #59
                              صفحات من كتاب الصيف و الشتاء


                              1- حمامة



                              حين سَرَتْ في الشارعِ الضَّوضاءْ
                              واندفَعَتْ سيارةٌ مَجنونةُ السَّائقْ
                              تطلقُ صوتَ بُوقِها الزاعقْ
                              في كبدِ الأَشياءْ:
                              تَفَزَّعَتْ حمامةٌ بيضاءْ
                              (كانت على تمثالِ نهضةِ مصرْ..
                              تَحْلُمُ في استِرخاءْ)
                              طارتْ, وحطَّتْ فوقَ قُبَّةِ الجامعةِ النُّحاسْ
                              لاهثةً, تلتقط الأَنفاسْ
                              وفجأةً: دندنتِ الساعه
                              ودقتِ الأجراسْ
                              فحلَّقتْ في الأُفْقِ.. مُرتاعهْ!
                              أيتُها الحمامةُ التي استقرَّتْ
                              فوقَ رأسِ الجسرْ
                              (وعندما أدارَ شُرطيُّ المرورِ يَدَهُ..
                              ظنتُه ناطوراً.. يصدُّ الطَّيرْ
                              فامتَلأتْ رعباً!)
                              أيتها الحمامةُ التَّعبى:
                              دُوري على قِبابِ هذه المدينةِ الحزينهْ
                              وأنشِدي للموتِ فيها.. والأسى.. والذُّعرْ
                              حتى نرى عندَ قُدومِ الفجرْ
                              جناحَكِ المُلقى..
                              على قاعدةِ التّمثالِ في المدينهْ
                              .. وتعرفين راحةَ السَّكينهْ!

                              تعليق


                              • #60
                                الى صديقة دمشقية



                                إذا سباكِ قائدُ التتار
                                وصرتِ محظية..
                                فشد شعرا منك سعار
                                وافتض عذرية..
                                واغرورقت عيونك الزرق السماوية
                                بدمعة كالصيف ، ماسية
                                وغبت في الأسوار ،
                                فمن ترى فتح عين الليل بابتسامة النهار؟

                                مازلتِ رغم الصمت والحصار
                                أذكر عينيك المضيئتين من خلف الخمار
                                وبسمة الثغر الطفولية..
                                أذكر أمسياتنا القصار
                                ورحلة السفح الصباحية
                                حين التقينا نضرب الأشجار
                                ونقذف الأحجار
                                في مساء فسقية !

                                قلتِ – ونحن نسدل الأستار
                                في شرفة البيت الأمامية:
                                لاتبتعد عني
                                انظرْ إلى عيني
                                هل تستحق دمعةً من أدمع الحزن؟
                                ولم أجبكِ، فالمباخر الشآمية
                                والحب والتذكار
                                طغت على لحني
                                لم تبق مني وهم ، أغنية !
                                وقلتُ ، والصمت العميق تدقه الأمطار
                                على الشوارع الجليدية:
                                عدتُ إليك..بعد طول التيه في البحار
                                أدفن حزني في عبير الخصلات الكستنائية
                                أسير في جناتك الخضر الربيعية
                                أبلٌ ريق الشوق من غدرانها ،
                                أغسل عن وجهي الغبار!!
                                نافحتُ عنك قائد التتار
                                رشقتُ في جواده..مدية
                                لكنني خشيت أن تَمسّكِ الأخطار
                                حين استحالت في الدجى الرؤية
                                لذا استطاع في سحابة الغبار
                                ان يخطف العذراء....تاركا على يدي الأزرار
                                كالوهم ، كالفريه !
                                (ما بالنا نستذكر الماضي ، دعي الأظفار...
                                لا تنبش الموتى ، تعرى حرمة الأسرار.....)

                                يا كم تمنت زمرة الأشرار
                                لو مزقوا تنورة في الخصر...بُنيّة
                                لو علموك العزف في القيثار
                                لتطربيهم كل امسية
                                حتى إذا انفضت أغنياتك الدمشقية
                                تناهبوك ؛ القادة الأقزام..والأنصار
                                ثم رموك للجنود الانكشارية
                                يقضون من شبابك الأوطار

                                الآن...مهما يقرع الإعصار
                                نوافذ البيت الزجاجية ،
                                لن ينطفي في الموقد المكدود رقص النار
                                تستدفئ الأيدى على وهج العناق الحار
                                كي تولد الشمس التي نختار
                                في وحشة الليل الشتائية!

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-08-2025 الساعة 11:33 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-04-2025 الساعة 05:29 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-31-2025 الساعة 10:07 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-30-2025 الساعة 11:48 PM
                                المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 05-30-2025 الساعة 09:36 AM
                                يعمل...
                                X