إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأديب اللبناني جبران خليل جبران ملف كامل

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    تلقت مي مغلفاً بتاريخ 6 شباط 1925
    يتضمن بطاقة بريدية تمثل القديسة "آن"
    بريشة " ليوناردو دافنشي"
    خط جبران على ظهرها
    رسالة هذا نصها:

    يا ماري ما رأيت أثراً من آثار
    "ليوناردو دافنشي"
    إلا وشعرت بقوة سحره تتمشى في باطني،
    بل وشعرت بجزء من روحه يتسرب إلى روحي.
    كنتُ صبياً عندما رأيت للمرة الأولى
    بعض رسوم هذا الرجل العجيب.
    تلك ساعة سأذكرها ما حييت فقد كانت
    من تلك الأيام بمقام الأبرة المغنطيسية
    من سفينة تائهة في ضباب البحر.
    وجدت هذه البطاقة اليوم بين أوراقي
    فرأيت أن أبعث بها إليكِ لتخبرك عن بعض
    تلك العوامل التي كانت تسيّر شبابي في أودية
    الكآبة والوحدة والشوق إلى مالا أعرفه.
    والله يحرسك

    جبران
    6 شباط 1925

    تعليق


    • #47
      يا ماري

      قد سببت لك تلك المحفظة الصغيرة
      القلق والانزعاج، فاغفري لي.
      ولقد توهمت أنني أرسلتها على أحسن السبل
      وأسهلها فجاءت النتيجة بالعكس،
      فسامحيني يا صديقتي الحلوة واكسبي أجري.
      إذاً قد قصصت شعرك؟
      قد قصصت تلك الذوائب الحالكة
      ذات التموجات الجميلة؟
      ماذا يا ترى أقول لك؟
      ماذا أقول وقد سبق المقص الملام؟
      لا بأس، لا بأس.
      عليّ أن أصدق ما قاله لك ذلك المزين الروماني
      ... رحم الله آباء جميع الرومانيين...
      ولم تكتفي صديقتي المحبوبة بأنها أخبرتني
      عن تلك الخسارة الفادحة بل شاءت أن تزيد
      "على الطين بلة" فأخذت تحدث
      "فناناً شاعراً شغف بشعر الحضارة والشقرة،
      فهو لا يروقه إلا الشعر الذهبي، ولا يترنم
      إلا بجمال الشعر الذهبي، ولا يحتمل في الوجود
      إلا الرؤوس ذات الشعر الذهبي"
      ربي وإلهي، اغفر لماري كل كلمة من كلماتها
      وسامحها واغمر هفواتها بأنوارك القدسية.
      أرها بالحلم أو باليقظة كثوليكية عبدك جبران
      في كل ما يتعلق بالجمال.
      إبعث رباه ملكاً من ملائكتك ليقول لها إن عبدك
      هذا يسكن صومعة ذات نوافذ عديدة،
      وإنه يرى مظاهر حسنك وجمالك
      في كل مكان وفي كل شيء.
      وإنه يترنم بجمال الشعر الحالك مثلما
      يترنم بالشعر الذهبي. وإنه يتهيب أمام العيون
      السوداء مثلما يتهيب أمام العيون الزرقاء،
      وأطلب إليك ربي وإلهي أن توعز إلى ماري
      ألا تهين وتحتقر الشعراء والفنانين
      بشخص عبدك جبران... آمين.
      وبعد هذه الصلاة أتحسبين أنني
      أستطيع الكلام عن الذقون المطبوعة؟
      كلا! غير أنني سوف أبحث في هذه المدينة
      عن مزين روماني وأسأله ما إذا كان بإمكانه
      تحويل الذقون المطبوعة إلى ذقون سهلة مستديرة
      على البيكار! هذا ولما كنت ضليعاً
      بفن الجراحة فأنا لا أخشى عملية جراحية!

      تعليق


      • #48
        لنعد الآن إلى حال عينيك.
        كيف حال عينيكِ يا ماري؟
        أنتِ تعلمين، أنتِ تعلمين بقلبك
        أن حال عينيك يهمني إلى درجة قصوى.
        وكيف تسألين هذا السؤال
        وأنت تشاهدين بعينيك ما وراء الحجاب.
        أنت تعلمين أن القلب البشري لا يخضع إلى
        نواميس القياسات والمسافات وأن أعمق وأقوى
        عاطفة في القلب البشري تلك التي نستسلم إليها
        ونجد في الاستسلام لذة وراحة وطمأنينة مع أننا،
        مهما حاولنا لا نستطيع تفسيرها أو تحليلها.
        يكفي أنها عاطفة عميقة قوية قدسية.
        فلم السؤال ولم الشك؟
        ومن منا يا ماري يستطيع أن يترجم
        لغة العالم الخفي إلى لغة العالم الظاهر؟
        من منا يستطيع أن يقول
        "في روحي شعلة بيضاء أما أسبابها فكذا وكذا،
        وأما معناها فكذا وكذا،
        وأما نتائجها فستكون كذا وكذا"؟
        كفى المرء أن يقول لنفسه
        " في روحي شعلة بيضاء".
        قد سألت عينيك يا ماري لأنني كثير
        الاهتمام بعينيك، لأنني أحب نورهما،
        وأحب النظرات البعيدة فيهما،
        وأحب خيالات الأحلام المتموجة حولهما.
        ولكن اهتمامي بعينيك لا يدل على أنني قليل
        الاهتمام بجبهتك وأصابعك.
        الله يباركك يا ماري المحبوبة،
        ويبارك عينيك وجبهتك وأصابعك
        والله يحفظك دائماً

        جبران
        نيويورك 23 آذار 1925

        تعليق


        • #49
          يا ماري

          نعم
          قد كنت صامتاً أثناء أربعة أسابيع
          أما السبب فهو الحمى الاسبانية لا أقل ولا أكثر.
          أنا أستصعب، أستصعب جداً،
          الشكوى من علة تلم بي.
          فإذا مرضت رغبت في أمر واحد وهو الاختفاء
          عن عيون الناس حتى عن عيون
          الذين أحبهم ويحبونني.
          وفي شرعي أن أحسن دواء للداء
          هو الانفراد التام.
          أما صحتي الآن فهي حسنة، بل أكثر من حسنة،
          ولا أكتمك أنها قد صارت بهموطية!
          ( هكذا كان جبار بشراوي
          يصف صحته عندما يسأله الناس عنها)
          السائح ( جريدة مهجرية )
          الممتاز قد صدر متأخراً كالعادة.
          وقد خاطبت صاحب السائح هذا الصباح
          بواسطة التليفون فقال لي إنه قد بعث إليك،
          ولم يزل يبعث إليك،
          أعداد جريدته ممتازة كانت أم غير ممتازة.
          أما قولك يا مريم الحلوة أن صاحب " السائح"
          ناقم عليك لأنك لم تبعثي إليه
          بمقال لعدده الممتاز فمن المبالغة الهائلة.
          أتظنين أن رجلاً في نيويورك ينقم عليك طالما
          وأنا في نيويورك؟
          قد قلت ألف مرة ومرة نحن لسنا بمعامل أدبية.
          نحن لسنا آلات تلقمونها الحبر والورق من جهة
          لتستخرجون المقالات والقصائد من جهة ثانية.
          نحن نكتب عندما نريد أن نكتب،
          لا عندما تريدون أنتم،
          فاعملوا المعروف معنا واتركوننا وشأننا،
          فنحن في عالم وأنتم في عالم آخر،
          فلا منكم إلينا ولا منا إليكم.
          - ما قولك في هذه اللهجة السربستية؟-
          ولكن فعلاً- بدون مزاح- ألا ترين أن
          أكثر أصحابي المجلات والجرائد
          يتوهمون أن فكرة الكاتب مثل الفونوغراف
          ذلك لأنهم ولدوا بفكرة فونوغرافية؟
          نحن هنا في أوائل الربيع،
          ففي الهواء سحر ويقظة.
          وفي الروح فجر وشباب.
          أما الذهاب إلى البرية فشبيه بزيارة كهان
          وكاهنات عشتروت وتموز مغارة أفقا.
          وبعد أيام معدودة سيقوم يسوع
          من بين الأموات ليعطي الحياة لمن في القبور،
          فتزهر أشجار اللوز والتفاح،
          وتعود الأنغام إلى السواقي والأنهار.
          ستكونين معكي كل يوم من أيام نيسان.
          وستكونين معي بعد أن ينقضي نيسان
          كل يوم وكل ليلة.
          والله يحرسك ويحفظك يا مريم المحبوبة.

          جبران

          جبران و مي
          لم يلتقيا ابدا
          تعارفا في الخطابات فقط
          عاشت بعد وفاته عشر سنوات
          و لم تتزوج

          يتبع

          تعليق


          • #50
            رائعة جبران خليل جبران قصيدة المواكب
            تعد هذه القصيدة من عيون الأدب العربي الحديث
            بمعانيها ومفرداتها و تتجلى في هذه القصيدة
            تأملات وإشراقات إنسانية تحمل في طياتها
            دعوات إلى أسمى حالة من حالات
            الحب والخير والجمال والحق ..
            مقرونة بحالة الطبيعة التي قدسها الرومانسيون
            فجعلوها معصومة لا تخطئ
            ومنزهة عن كل شر موجود لدى الإنسان,
            فلا يوجد في الطبيعة
            ذل ولا حزن ولا ظلم ولا خوف
            ولا عبودية ولا أنانية ...
            اراد جبران من خلالها تقديم مواكب شتى
            هي في حد ذاتها مسيرة البشر في المجتمع
            الذي يحفل بصور ضلالهم وزيفهم
            ومعتقداتهم التي تقتل أرواحهم
            فالناس لا يصنعون الخير إلا إذا تم
            إجبارهم على ذلك أما الشر هو متأصل
            وأصيل في النفس البشرية
            لدرجة أنه قال أن الشر يبقى حتى بعد الموت .


            تعد المواكب دعوة إلى العودة لأحضان الطبيعة
            وبساطتها حيث أسبغ عليها من التجسيد صفات
            إنسانية تجعلها فردوس الانسان المهجور
            بدلاً من العيش في ظل القيم الزائفة للمجتمع.
            في حين أن عالم الطبيعة بحيوانه ونباته وجماده
            هو ذلك العالم الذي اعتبره جبران عالم البراءة
            والنقاء الذي يمور بنقيض ما يمر به عالم البشر.
            وهذه المقارنة أراد بها جبران ساخرا إظهار كيف
            أن الانسان في تجربته قدم نموذجاً بشعاً للحياة
            والعلاقات الانسانية والقيم التي بنى عليها حياته.
            وبهذا المعنى يصبح عالم الطبيعة والغابات
            هو الجنة المفقودة التي لم يتمكن الانسان
            من تحقيقها في حين أن المخلوقات الادنى منه
            قدمت نموذجاً أرقى لما يمكن
            أن تكون عليه الحياة فيها.

            أما أحاديث الغناء ونداءات الناي
            فهي صور ترمز الى عالم الفنون التي يطرحها
            جبران كمخرج للازمة.
            هو الجسر الذي يمكن من خلاله الانتقال من
            عالم البشر البشع الى عالم البراءة والخير والنور
            وكل المعاني والصور والمظاهر الجميلة
            للقيم الانسانية في أروع تجلياتها.
            فإذا كان الانسان شقياً بائسا في عالم البشر
            ولا يتسنى له الوصول الى عالم البراءة والنقاء
            الذي يرمز اليه عالم الطبيعة فإن الفن هو
            وعاء الفكر وهوالوسيلة التي تخاطب
            أحاسيس وقلوب وعقول البشر.
            واذا كان عالم البشر بكل تناقضاته وصوره
            الصارخة في النهاية زائل فإنه الفن باقٍ خالد للابد.

            والى فكرة أن الزمن الهارب لا سبيل لايقافه
            او الامساك به الا من خلال تخليد اللحظة في لوحة
            فنية او عمل أدبي ابداعي او موسيقي او غير ذلك.
            يقدم جبران رؤيته للهروب من عالم البشر المليء
            بصور النفاق والتناقض الساخر ومن الاثام
            والالام والحقائق الغائبة
            الى عالم الطبيعة الارحب والاجمل بصفائه
            واقترابه من أصل الانسان وروحه

            تعليق


            • #51
              المواكب

              الخير في الناس مصنوعٌ إذا جُبروا
              والشرُّ في الناس لا يفنى وإِن قبروا
              وأكثر الناس آلاتٌ تحركها
              أصابع الدهر يوماً ثم تنكسرُ
              فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
              ولا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ
              فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
              صوت الرعاة ومن لم يمشِ يندثر

              ليس في الغابات راعٍ .......... لا ولا فيها القطيعْ
              فالشتا يمشي ولكن ........... لا يُجاريهِ الربيعْ
              خُلقَ الناس عبيداً ........... للذي يأْبى الخضوعْ
              فإذا ما هبَّ يوماً ........... سائراً سار الجميعْ
              أعطني النايَ وغنِّ ........... فالغنا يرعى العقولْ
              وأنينُ الناي أبقى .......... من مجيدٍ و ذليلْ

              و ما الحياةُ سوى نومٍ تراوده
              أحلام من بمرادِ النفس يأتمرُ
              و السرُّ في النفس حزن النفس يسترهُ
              فإِن تولىَّ فبالأفراحِ يستترُ
              و السرُّ في العيشِ رغدُ العيشِ يحجبهُ
              فإِن أُزيل توَّلى حجبهُ الكدرُ
              فإن ترفعتَ عن رغدٍ و عن كدرِ
              جاورتَ ظلَّ الذي حارت بهِ الفكرُ

              ليس في الغابات حزنٌ ......... لا و لا فيها الهمومْ
              فإذا ... هبّ ... نسيمٌ......... لم تجىءْ معه السمومْ
              ليس حزن النفس إلا ......... ظلُّ وهمٍ لا يدومْ
              وغيوم النفس تبدو ........... من ثناياها النجومْ
              أعطني الناي وغنِّ ........... فالغنا يمحو المحنْ
              وأنين الناي يبقى ............. بعد أن يفنى الزمنْ


              وقلَّ في الأرض مَن يرضى الحياة كما
              تأتيهِ عفواً و لم يحكم بهِ الضجرْ
              لذلك قد حوَّلوا نهر الحياة إلى
              أكواب وهمٍ إذا طافوا بها خدروا
              فالناس إن شربوا سُرَّوا كأنهمُ
              رهنُ الهوى و عَلىَ التخدير قد فُطروا
              فذا يُعربدُ إن صلَّى و ذاك إذا
              أثرى و ذلك بالأحلام يختمرُ
              فالأرض خمارةٌ و الدهر صاحبها
              وليس يرضى بها غير الألى سكروا
              فإن رأَيت أخا صحوٍ فقلْ عجباً
              هل استظلَّ بغيم ممطر قمرُ

              ليس في الغابات سكرٌ ......... من مدامِ أو خيالْ
              فالسواقي ليس فيها ............ غير أكسير الغمامْ
              إنما التخدير ُ ثديٌ ............... و حليبٌ للأنام
              فإذا شاخوا و ماتوا ...............بلغوا سن الفطامْ
              اعطني النايَ و غنِّ ...........فالغنا خير الشرابْ
              و أنين الناي يبقى ......... بعد أن تفنى الهضاب

              تعليق


              • #52
                و الدين في الناسِ حقلٌ ليس يزرعهُ
                غيرُ الأولى لهمُ في زرعهِ وطرُ
                من آملٍ بنعيمِ الخلدِ مبتشرٍ
                و من جهول يخافُ النارَ تستعرُ
                فالقومُ لولا عقاب البعثِ ما عبدوا
                رباًّ و لولا الثوابُ المرتجى كفروا
                كأنما الدينُ ضربٌ من متاجرهمْ
                إِن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا

                ليس في الغابات دينٌ ......... لا و لا الكفر القبيحْ
                فإذا... البلبل ... غنى .......... لم يقلْ هذا الصحيحْ
                إنَّ...دين الناس يأْتي .......... مثل ظلٍّ و يروحْ
                لم يقم في الأرض دينٌ ...........بعد طه و المسيح
                اعطني الناي و غنِّ ............ فالغنا خيرُ الصلاة
                وأنينُ الناي يبقى .............. بعد أن تفنى الحياةْ


                والعدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
                بهِ و يستضحكُ الأموات لو نظروا
                فالسجنُ والموتُ للجانين إن صغروا
                والمجدُ والفخرُ والإثراءُ إن كبروا
                فسارقُ الزهر مذمومٌ ومحتقرٌ
                وسارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطر
                وقاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
                وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ

                ليس في الغابات عدلٌ .......... لا و لا فيها العقابْ
                فإذا الصفصاف ألقى .......... ظله فوق الترابْ
                لا يقول السروُ هذي .......... بدعةٌ ضد الكتابْ
                إن عدلَ الناسِ ثلجُ ......... إنْ رأتهُ الشمس ذابْ
                اعطني الناي و غنِ ............فالغنا عدلُ القلوبْ
                و أنين الناي يبقى ............ بعد أن تفنى الذنوبْ


                والحقُّ للعزمِ و الأرواح إن قويتْ
                سادتْ و إن ضعفتْ حلت بها الغيرُ
                ففي العرينة ريحٌ ليس يقربهُ
                بنو الثعالبِ غابَ الأسدُ أم حضروا
                وفي الزرازير جُبن و هي طائرة
                وفي البزاةِ شموخٌ و هي تحتضر
                والعزمُ في الروحِ حقٌ ليس ينكره
                عزمُ السواعد شاءَ الناسُ أم نكروا
                فإن رأيتَ ضعيفاً سائداً فعلى
                قوم إذا ما رأَوا أشباههم نفروا

                ليس في الغابات عزمٌ ......... لا و لا فيها الضعيفْ
                فإذا ما الأُسدُ صاحت .......... لم تقلْ هذا المخيفْ
                إن عزم الناس ظلٌّ .......... في فضا الفكر يطوفْ
                و حقوق الناس تبلى ........... مثل أوراق الخريفْ
                اعطني الناي و غنِّ ............. فالغنا عزمُ النفوسْ
                وأنينُ الناي يبقى ........... بعد أن تفنى الشموسْ

                تعليق


                • #53
                  و العلمُ في الناسِ سبلٌ بأنَ أوَّلها
                  أما أواخرها فالدهرُ والقدرُ
                  وأفضلُ العلم حلمٌ إن ظفرت بهِ
                  وسرتَ ما بين أبناء الكرى سخروا
                  فان رأيتَ أخا الأحلام منفرداً
                  عن قومهِ و هو منبوذٌ ومحتقرُ
                  فهو النبيُّ و بُرد الغد يحجبهُ
                  عن أُمةٍ برداءِ الأمس تأتزرُ
                  وهو الغريبُ عن الدنيا وساكنها
                  وهو المهاجرُ لامَ الناس أو عذروا
                  وهو الشديد وإن أبدى ملاينةً
                  وهو البعيدُ تدانى الناس أم هجروا

                  ليس في الغابات علمٌ .......... لا و لا فيها الجهولْ
                  فإذا الأغصانُ مالتْ ............ لم تقلْ هذا الجليلْ
                  إنّ علمَ الناس طرَّا ............. كضبابٍ في الحقولْ
                  فإذا الشمس أطلت ............. من ورا الأفاق يزولْ
                  اعطني النايَ و غنِّ .............. فالغنا خير العلومْ
                  و أنينُ الناي يبقى ........... بعد أن تطفي النجومْ


                  و الحرُّ في الأرض يبني من منازعهِ
                  سجناً لهُ و هو لا يدري فيؤتسرْ
                  فان تحرَّر من أبناء بجدتهِ
                  يظلُّ عبداً لمن يهوى و يفتكرُ
                  فهو الاريب و لكن في تصلبهِ
                  حتى و للحقِّ بُطلٌ بل هو البطرُ
                  و هو الطليقُ و لكن في تسرُّعهِ
                  حتى إلى أوجِ مجدٍ خالدٍ صِغرُ

                  ليس في الغابات حرٌّ ........... لا و لا العبد الدميمْ
                  إنما الأمجادُ سخفٌ ............... و فقاقيعٌ تعومْ
                  فإذا ما اللوز ألقى ............ زهره فوق الهشيمْ
                  لم يقلْ هذا حقيرٌ ................ و أنا المولى الكريمْ
                  اعطني الناي و غني .............. فالغنا مجدٌ اثيلْ
                  و أنين الناي أبقى ................. من زنيمٍ و جليلْ


                  و اللطفُ في الناسِ أصداف و إن نعمتْ
                  أضلاعها لم تكن في جوفها الدررُ
                  فمن خبيثٍ له نفسان واحدةٌ
                  من العجين و أُخرى دونها الحجرُ
                  و من خفيفٍ و من مستأنث خنثِ
                  تكادُ تُدمي ثنايا ثوبهِ الإبرُ
                  و اللطفُ للنذلِ درعٌ يستجيرُ بهِ
                  إن راعهُ وجلٌ أو هالهُ الخطرُ
                  فان لقيتَ قوياًّ ليناً فبهِ
                  لأَعينٍ فقدتْ أبصارها البصرُ

                  ليس في الغابِ لطيفٌ ............ لينهُ لين الجبانْ
                  فغصونُ البان تعلو ............. في جوار السنديانْ
                  و إذا الطاووسُ أُعطي .......... حلةً كالأرجوان
                  فهوَ لا يدري أحسنْ ............. فيهِ أم فيهِ افتتان
                  اعطني الناي و غنِّ .......... فالغنا لطفُ الوديعْ
                  و أنين الناي أبقى .......... من ضعيفٍ و ضليعْ

                  تعليق


                  • #54
                    و الظرفُ في الناس تمويهٌ و أبغضهُ
                    ظرفُ الأولى في فنون الاقتدا مهروا
                    من مُعجبٍ بأمورٍ و هو يجهلها
                    و ليس فيها له نفعٌ و لا ضررُ
                    و من عتيٍّ يرى في نفسهِ ملكاً
                    في صوتها نغمٌ في لفظها سُوَرُ
                    و من شموخٍ غدت مرآتهُ فلكاً
                    و ظلهُ قمراً يزهو و يزدهرُ

                    ليس في الغاب ظريف ......... ظرفهُ ضعف الضئيلْ
                    فالصبا و هي عليل .................. ما بها سقمُ العليلْ
                    إن بالأنهار طعماً .................. مثل طعم السلسبيلْ
                    و بها هولٌ و عزمٌ ................ يجرفُ الصلدَ الثقيلْ
                    اعطني الناي و غنِّ ............. فالغنا ظرفُ الظريفْ
                    و أنين الناي أبقى ............ من رقيق و كثيفْ


                    و الحبُّ في الناس أشكالٌ و أكثرها
                    كالعشب في الحقل لا زهرٌ و لا ثمرُ
                    و أكثرُ الحبِّ مثلُ الراح أيسره
                    يُرضي و أكثرهُ للمدمنِ الخطرُ
                    و الحبُّ إن قادتِ الأجسام موكبهُ
                    إلى فراش من الأغراض ينتحرُ
                    كأنهُ ملكٌ في الأسر معتقلٌ
                    يأبى الحياة و أعوان له غدروا

                    ليس في الغاب خليع ............ يدَّعي نُبلَ الغرامْ
                    فإذا الثيران خارتْ .............. لم تقلْ هذا الهيامْ
                    إن حبَّ الناس داءٌ ............... بين حلمٍ و عظامْ
                    فإذا ولَّى شبابٌ ................. يختفي ذاك السقامْ
                    اعطني النايَ و غنِّ ........... فالغنا حبٌّ صحيحْ
                    و أنينُ الناي أبقى .......... من جميل و مليحْ


                    فان لقيتَ محباً هائماً كلفاً
                    في جوعهِ شبعٌ في وِردهِ الصدرُ
                    و الناسُ قالوا هوَ المجنونُ ماذا عسى
                    يبغي من الحبِّ أو يرجو فيصطبرُ
                    أَفي هوى تلك يستدمي محاجرهُ
                    و ليس في تلك ما يحلو و يعتبرُ
                    فقلْ همُ البهمُ ماتوا قبل ما وُلدوا
                    أنَّى دروا كنهَ من يحيي و ما اختبروا

                    ليس في الغابات عذلٌ ......... لا و لا فيها الرقيبْ
                    فإذا الغزلانُ جُنّتْ ............ إذ ترى وجه المغيبْ
                    لا يقولُ النسرُ واهاً ............. إن ذا شيءٌ عجيبْ
                    إنما العاقل يدعى .............. عندنا الأمر الغريبْ
                    اعطني الناي و غنِّ ..............فالغنا خيرُ الجنون
                    و أنين الناي أبقى ........... من حصيفٍ و رصينْ

                    تعليق


                    • #55
                      و قل نسينا فخارَ الفاتحينَ و ما
                      ننسى المجانين حتى يغمر الغمرُ
                      قد كان في قلب ذي القرنين مجزرةٌ
                      و في حشاشةِ قيسِ هيكلٌ وقرُ
                      ففي انتصارات هذا غلبةٌ خفيتْ
                      و في انكساراتِ هذا الفوزُ و الظفرُ
                      و الحبُّ في الروح لا في الجسم نعرفهُ
                      كالخمر للوحي لا للسكر ينعصرُ

                      ليس في الغابات ذكرٌ ............... غير ذكر العاشقينْ
                      فالأولى سادوا و مادوا ............ و طغوا بالعالمين
                      أصبحوا مثل حروفٍ ........... في أسامي المجرمينْ
                      فالهوى الفضّاح يدعى ............. عندنا الفتح المبينْ
                      اعطني الناي و غنّ ............... و انس ظلم الأقوياء
                      إنما الزنبق كأسٌ .................. للندى لا للدماء


                      و ما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
                      يُرجى فإن صارَ جسماً ملهُ البشرُ
                      كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً
                      حتى إذا جاءَهُ يبطي و يعتكرُ
                      لم يسعد الناسُ إلا في تشوُّقهمْ
                      إلى المنيع فان صاروا بهِ فتروا
                      فإن لقيتَ سعيداً و هو منصرفٌ
                      عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ

                      ليس في الغاب رجاءٌ ............... لا و لا فيه المللْ
                      كيف يرجو الغاب جزءا ........ و عَلىَ الكل حصلْ
                      و بما السعيُ بغابٍ .................أَملاً و هو الأملْ
                      انما العيش رجاءً .............. إِحدى هاتيك العللْ
                      اعطني النايَ و غنِّ ................. فالغنا نارٌ و نورْ
                      و أنين الناي شوقٌ .................. لا يدانيهِ الفتور


                      غايةُ الروح طيَّ الروح قد خفيتْ
                      فلا المظاهرُ تبديها و لا الصوَرُ
                      فذا يقول هي الأرواح إن بلغتْ
                      حدَّ الكمال تلاشت و انقضى الخبرُ
                      كأنما هي...أثمار إذا نضجتْ
                      و مرَّتِ الريح يوماً عافها الشجرُ
                      و ذا يقول هي الأجسام إن هجعت
                      لم يبقَ في الروح تهويمٌ و لا سمرُ
                      كأنما هي ظلٌّ في الغدير إذا
                      تعكر الماءُ ولّت ومَّحى الأثر
                      ضلَّ الجميع فلا الذرَّاتُ في جسدٍ
                      تُثوى و لا هي في الأرواح تختصر
                      فما طوتْ شمألٌ أذيال عاقلةٍ
                      إلا و مرَّ بها الشرقيْ فتنتشرُ

                      لم أجد في الغاب فرقاً ............. بين نفس و جسدْ
                      فالهوا ماءٌ تهادى ........... . و الندى ماءٌ ركدْ
                      و الشذا زهرٌ تمادى ........... و الثرى زهرٌ جمدْ
                      و ظلالُ الحورِ حورٌ ............ ظنَّ ليلاً فرقدْ
                      اعطني النايَ و غنِّ ........... فالغنا جسمٌ وروح
                      و أنينُ الناي أبقى ............... من غبوق و صبوحْ

                      تعليق


                      • #56
                        و الجسمُ للروح رحمٌ تستكنُّ بهِ
                        حتى البلوغِ فتستعلى و ينغمرُ
                        فهي الجنينُ و ما يوم الحمام سوى
                        عهدِ المخاض فلا سقطٌ و لا عسرُ
                        لكن في الناس أشباحا يلازمها
                        عقمُ القسيِّ التي ما شدَّها وترُ
                        فهي الدخيلةُ و الأرواح ما وُلدت
                        من القفيل و لم يحبل بها المدرُ
                        و كم عَلَى الأرض من نبتٍ بلا أَرجٍ
                        و كم علا الأفق غيمٌ ما به مطرُ

                        ليس في الغاب عقيمٌ ............ لا و لا فيها الدخيلْ
                        إنَّ في التمر نواةً ............ حفظت سر النخيلْ
                        و بقرص الشهد رمزٌ.......... عن فقير و حقولْ
                        انما... العاقرُ ... لفظ ........ صيغ من معنى الخمولْ
                        اعطني الناي وغنِّ ............. فالغنا جسمٌ يسيلْ
                        وأنينُ الناي أبقى ............... من مسوخ و نغولْ


                        و الموتُ في الأرض لابن الأرض خاتمةٌ
                        و للأثيريّ فهو البدءُ و الظفرُ
                        فمن يعانق في أحلامه سحراً
                        يبقى و من نامَ كل الليل يندثرُ
                        و من يلازمُ ترباً حالَ يقظتهِ
                        يعانقُ التربَ حتى تخمد الزهرُ
                        فالموتُ كالبحر , مَنْ خفّت عناصره
                        يجتازه , و أخو الأثقال ينحدرُ

                        ليس في الغابات موتٌ ......... لا و لا فيها القبور
                        فإذا نيسان ولىَّ ......... لم يمتْ معهُ السرورْ
                        إنَّ هولِ الموت وهمٌ ........ ينثني طيَّ الصدورْ
                        فالذي عاش ربيعاً ......... كالذي عاش الدهورْ
                        اعطني الناي و غنِّ ............ فالغنا سرُّ الخلود
                        و أنين الناي يبقى ............ بعد أن يفنى الوجود


                        اعطني الناي و غنِّ ............ وانس ما قلتُ و قلتا
                        انما النطقُ ... هباءٌ .............. فأفدني ما فعلنا
                        هل تخذتَ الغاب مثلي ..... منزلاً دون القصورْ
                        فتتبعتَ السواقي ............... و تسلقتَ الصخورْ
                        هل تحممتَ بعطرٍ .............. و تنشقت بنورْ
                        و شربت الفجر خمراً ............ في كؤُوس من أثير
                        هل جلست العصر مثلي .......... بين جفنات العنبْ
                        و العناقيد تدلتْ ............. كثريات الذهبْ
                        فهي للصادي عيونٌ ............ و لمن جاع الطعامْ
                        و هي شهدٌ و هي عطرٌ ....... و لمن شاءَ المدامْ
                        هل فرشتَ العشب ليلاً ........... و تلحفتَ الفضا
                        زاهداً في ما سيأْتي .............. ناسياً ما قد مضى
                        و سكوت الليل بحرٌ ..............موجهُ في مسمعكْ
                        و بصدر الليل قلبٌ .............. خافقٌ في مضجعكْ
                        اعطني الناي و غنِّ ................ و انسَ داًْء و دواء
                        انما الناس سطورٌ ................. كتبت لكن بماء
                        ليت شعري أي نفعٍ ............... في اجتماع و زحامْ
                        و جدالٍ و ضجيجٍ.................و احتجاجٍ و خصامْ
                        كلها إنفاق خُلدٍ .............. و خيوط العنكبوتْ
                        فالذي يحيا بعجزٍ ................ فهو في بطءٍ يموتْ


                        العيشُ في الغاب و الأيام لو نُظمت
                        في قبضتي لغدت في الغاب تنتثر
                        لكن هو الدهرُ في نفسي له أَربٌ
                        فكلما رمتُ غاباً قامَ يعتذرُ
                        وللتقادير سبلٌ لا تغيرها
                        والناس في عجزهم عن قصدهم قصروا




                        عندما تتناغم عذوبة الصوت
                        و الألحان الشجية مع فلسفة الكلمات
                        بعض أبيات من المواكب
                        مع الحان المبدع نجيب حنكش
                        و القيثارة فيروز

                        اعطني الناي

                        أعطني الناي وغن فالغنا سر الوجود
                        وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود

                        هل إتخذت الغاب مثلي منزلاً دون القصور
                        فتتبعت السواقي وتسلقت الصخور
                        هل تحممت بعطره وتنشفت بنور
                        وشربت الفجر خمراً من كؤوس من أثير

                        هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب
                        والعناقيد تدلت كثريات الذهب
                        هل فرشت العشب ليلاً وتلحفت الفضاء
                        زاهداً في ما سيأتي ناسياً ما قد مضى

                        أعطني الناي وغن وانسى داء ودواء
                        إنما الناس سطورٌ كتبت لكن بماء

                        يتبع

                        تعليق


                        • #57
                          جمع جبران في كتابته من الناحية الأسلوبية
                          مزيجا من روحانية الشرق، وعلمنة الغرب،
                          ففاح من مؤلفاته عبق مزيج من الثقافات المتنوعة
                          مما أضفى عليها خصوصية عالمه الرحب وتأملاته
                          وأفكاره الفلسفية بما فيها من عمق وشفافية
                          كما لا تخلو أيضا من النزعة الرومانسية.‏

                          أشعار و قصائد

                          على باب الهيكل


                          قد طهَّرتُ شفتيَّ بالنار المقدَّسة لأتكلَّم عن الحب،
                          ولَّما فتحت شفتَّي للكلام وجدتُني أخرس.
                          كنت أترنّم بأغاني الحب قبل أن أعرفه.
                          ولما عرفته تحوَّلتِ الألفاظ في فمي إلى لهاث ضئيل،
                          والأنغام في صدرشَ إلى سكينة عميقة.
                          وكنتم
                          أيها الناس، فيما مضى، تسألونني عن غرائب
                          الحب وعجائبه، فكنت أحدثكم وأُقنعكُم. أما الآن، وقد غمرني الحب
                          بوشاحه، فجئتُ بدوري أسألكم عن مسالكه ومزاياه فهل بينكم من
                          يجيبني ؟
                          هل بينكم من يستطيع أن يُبَيِّن قلبي
                          لقلبي ويوضح ذاتي لذاتي؟
                          ألا فأخبروني ما هذه الشعلة التي تَتَّقِد في صدري وتلتهم قواي وتُذيب
                          عواطفي وميولي؟
                          وما هذه الأيدي الخفية الناعمة الخشنة التي تَقبضُ
                          على روحي في ساعة الوِحدة والانفراد، وتَسكب في
                          كبدي خمرة ممزوجة بمرارة اللذة وحلاوة الأوجاع؟
                          وما هذه الأجنحة التي تَرفرف حول مضجعي
                          في سكيِنةِ
                          الليل فأسهَرَ مترقباً ما لا أعرفه،
                          مُصغياً إلى ما لا أسمعه،
                          مُحدّقاً إلى ما لا أراه،
                          مفكّراً بما لا أفهمه،
                          شاعراً بما لا أُدركه ،
                          مُتأوِّهاً لأَنِّ في التأوُّه غصَّات أَحبَّ
                          لدي من رنةِ الضحِكَ والابتهاج،
                          مستسلماً إلى قوةَ غيرِ منظورة تُميتُني
                          وتُحييني ثم تُميتُني وتُحَييني حتى يطلع الفجر
                          ويملأ النور
                          زوايا غرفتي فأنام إذ ذاك...
                          وبين أجفانيِ الذابلة ترتعش أشباح اليقظة
                          وعلى فراشي الحجري تتمايل خيالات الأحلام.

                          تعليق


                          • #58
                            وما هذا الذي ندعوه حباً؟
                            أخبروني ما هذا السر الخفيّ
                            الكَامِن خلفَ الدهور،
                            المختبئ وراءَ المرئَّيات،
                            السَّاَكِنُ في ضمير الوجود؟
                            ما هذه الفكرة المطلقة التي تجيءُ سبباً
                            لجميع النتائج
                            وتأتي نتيجة لجميعِ الأسباب؟
                            ما هذه اليقظة التي تتناولِ الموتَ والحياة،
                            وتبتدعِ منهما حلماً أغرَبَ مِن الحياة
                            وأعمق من الموت؟
                            أخبروني أيها الناس.
                            أخبروني هل بينكم من لا يستيقظ من رقدة الحياة
                            إذا ما لمس الحبُّ روحَه بأطرافِ أصابعه؟
                            هل بينكم من لا يترك أباه وأمَّه ومَسقط رأسه
                            عندما تناديه الصبيةُ التي أحبَّها قلُبه؟
                            هل فيكم من لا يمخر البحر ويقطع الصحاري، ويجتاز
                            الجبال والأودية ليلتقي المرأة التي اختارتها روحه؟
                            أي فتى لا يتبع قلبه إلى أقاصي الأرض إذا
                            كان له في أقاصي الأرض حبيبة
                            يستطيب نكهة أنفاسها،
                            ويستلطف ملامس يديها،
                            ويستعذب رَّنة صوتها؟
                            أي بشريّ لا يحرق نفسه بخوراً أمام إله
                            يسمَعُ ابتهاله ويستجيبُ صَلَوَاتِه؟
                            وقفتُ بالأمس على باب الهيكل
                            أسأل العابرين عن خفايا الحب ومزاياه.
                            مرَّ أمامي كهل... وقال متأوهاً:
                            الحبُّ ضعف فطري ورثناه عن الإنسان الأوّل.
                            ومَّر فتى ... مفتول الساعدين وقال مترّنماً :
                            الحبُّ عزم يلازم كياننا
                            ويصل حاضرنا بماضي الأجيال ومستقبلها.
                            ومَّرت أمرأة كئيبة... وقالت متنهدة:
                            الحب سمٌ قتَّال تتنفسه الأفاعي السوداء...
                            ومَّرت صبية موردة الوجنتين وقالت مبتسمة:
                            الحب كوثر تسكبه عرائس الفجر في الأرواح...
                            ومرَّ طفلٌ ابنُ خمس وهتف ضاحكاً:
                            الحبُّ أبي والحبُّ أمي.
                            وانقضى النَّهار.
                            والناس يَمُرُّون أمام الهيكل.
                            وكلٌ يصور نفسَه متكّلِماً عن الحب،
                            ويبوح بأمانيه مُعْلناً سرَّ الحياة.
                            ولَّما جاء المساء، وسكنت حركة العابرين،
                            سَمعْتُ صوتاً آتياً من داخل الهيكل يقول:
                            الحَياة نصفان: نصف متجلّد ونصف ملتهب.
                            فالحب هو النصف الملتهب.
                            فدخلت الهيكل إذ ذاك،
                            وسجدت راكعاً، مبتهلاً، مصلياً، هاتفاً :
                            اجعلني يا رب طعاماً للهيب.
                            اجعلني أّيها الإله مأكلاً للنارِ المقدسة
                            آمين

                            تعليق


                            • #59
                              فى ظلام الليل

                              فِي ظَلامِ اللَّيـلِ يَمشِـي مُبطِئـا .... وَهوَ مِثلُ اللَّيلِ هَولاً قَد بَدا
                              وَحدَهُ يَمشي كَـأَنَّ الأَرضَ .... لَـم تبـرِ إِلاَّهُ عَظـيمـاً سَـيِّـدا
                              وَيَدوس التُّربَ مَرفوعاً كَما .... تلمس الأَطلالَ أَطرافُ السَّحاب
                              فَكـأنَّ الجسـمَ فِـي أَثـوابِـه .... مِـن شُعـاعٍ وَسَديـمٍ وَضَبـاب
                              قُلتُ يا طَيفاً يعيـقُ اللَّيـل فِـي .... سيره هَـل أَنـتَ جـنٌّ أَم بَشَـر
                              قـالَ مُغتـاظـاً وَفِـي أَلفاظِـهِ .... رَنَّـة الهـزء أَنـا ظـلُّ القَـدَر
                              قُلت لا يا طَيف قَد مـاتَ القَضـا .... يَـومَ ضَمّتـنِـي ذِراع القـابِلَـه
                              قال مـحتـاراً أَنا الحُـبّ الَّـذي .... لا يَـنـال العَيـش إِلاَّ نـائِـلَـه
                              قُلتُ لا فَالحُـبُّ زَهـرٌ لا يَعيـش .... بَعـدَ أَن تَذبـل أَزهـار الرَّبيـع
                              قـالَ غضبـانـاً وَفِـي لَهجَتِـهِ .... ضَجَّة البَحر أَنـا المَـوتُ المُريـع
                              قُلتُ لا فَالمَـوتُ صُبـحٌ إِن أَتَـى .... أَيقَـظَ النّـائم مِـن غَفلَـتِـهِ
                              قالَ مُختالاً أَنـا المَجـد فَمَـن .... لَـم يَنَلنِـي ماتَ فِـي عِلّتِـهِ
                              قُلـتُ لا فَالمَـوتُ ظِـلٌّ يَنثَنِـي .... مُضمَحِـلاًّ بَيـنَ لَحـدٍ وَكَفَـن
                              قالَ مُرتابـاً أَنـا السرّ الَّـذي .... يَتَـهـادَى بَـيـنَ رُوحٍ وَبَـدَن
                              قُلتُ لا فَالسـرّ إِن باحَـت بِـهِ .... يَقظَـة الفكـرِ تَوَلَّـى كَالمَنـام
                              قـالَ مُلتاعـاً كَفـى تَسـأَلنِـي.... مَن أَنا قلتُ أَفِـي السُّـؤل ملام
                              قالَ محجوبـاً أَنا أَنـتَ فَـلا .... تَسأَلَـنّ الأَرضَ عَنِّـي وَالسَّمَا
                              فَإِذا ما شِئتَ أَن تَعرِفَنِـي .... فَارقـبِ المرآةَ صُبحـاً وَمَسَـا
                              قال هَذا وَاِختَفى عَـن ناظِري .... مِثلَمـا الدُّخانُ تذريهِ الرِّيـاح
                              تارِكاً ما بِي مِـنَ الفِكرِ يَهيم .... بَينَ أَشباحِ الدُّجى حَتَّى الصَّبَاح .

                              تعليق


                              • #60
                                يازمان الحب

                                يا زَمانَ الحُبِّ قَد وَلَّـى الشَّبـاب.... وَتَوارى العُمـرُ كَالظـلِّ الضَّئيـل
                                وَامّحى الماضي كَسَطرٍ مِن كِتـاب ....خَطَّهُ الوَهمُ عَلى الطّـرس البَليـل
                                وَغَـدَت أَيَّامُنـا قَيـد العـذاب .... فِـي وُجـودٍ بِالمَسَـرّات بَخَيـل
                                فَالَّـذي نَعشَقُـهُ يَأسـاً قَضـى.... وَالَّـذي نَطـلُـبُـه مَـلَّ وَراح
                                وَالَّذي حُزنـاهُ بِالأَمـسِ مَضـى.... مِثلَ حُلـمٍ بَيـنَ لَيـلٍ وَصَبـاح
                                يا زَمانَ الحُبِّ هَـل يغنِـي الأَمَـل .... بِخُلودِ النَّفسِ عَـن ذكـرِ العُهـود
                                هَل تَرَى يَمحو الكَرى رَسم القُبَـل.... عَـن شِفـاهٍ مَلّهـا وَردُ الخُـدود
                                أَو يُـدانينـا وَيُنسينـا الـمَلَـل .... سَكرَة الوَصلِ وَأَشـواق الصُّـدود
                                هَل يصمّ الـمَوتُ آذانـاً وَعَـت.... أَنّـة الظُّلـمِ وَأَنغـام السّكـون
                                هَل يُغشّـي القَبـرُ أَجفانـاً رَأَت .... خافيات القَبـر وَالسـرّ المَصُـون
                                كَم شَرِبنا مِن كُـؤوس سَطَعـت .... فِي يَدِ السَّاقـي كَنـورِ القَبَـس
                                وَرَشَفنـا مِـن شِفـاهٍ جَمَعَـت .... نَغمَـةَ اللّطـفِ بِثَـغـرٍ أَلعَـس
                                وَتَلَونـا الشّعـرَ حَتَّـى سَمِعـت .... زهرُ الأَفـلاكِ صَـوتَ الأَنفُـس
                                تِـلكَ أَيَّـامٌ تَوَلّـت كَالزُّهـور .... بِهُبوطِ الثَّلجِ مِـن صَـدرِ الشِّتـاء
                                فَالَّذي جادَت بِهِ أَيـدي الدُّهـور .... سلَبَتـه خلسَـةً كَـفُّ الشّقـاء
                                لَـو عَـرَفنـا مـا تَرَكنـا لَيلَـةً .... تَنقَضـي بَيـنَ نُـعـاسٍ وَرقـاد
                                لَـو عَرَفنـا مـا تَرَكنـا لَحظَـةً .... تَنثَنِـي بَيـنَ خُـلـوٍّ وَسُـهـاد
                                لَـو عرَفنـا مـا تَرَكنـا بُرهَـةً .... مِن زَمان الحُـبِّ تَمضـي بِالبعـاد
                                قَـد عَرَفنـا الآنَ لَكِـن بَعـدَمـا .... هَتَف الوجـدان قُومـوا وَاِذهَبـوا
                                قَـد سَمِعنـا وَذَكَرنـا عِنـدَمـا .... صَـرَخ القَبـرُ وَنـادى اقتَـرِبُـوا

                                أبكت الروض

                                أبكت الروض عليها جزعا.... وردة في عنفوان العمر حانت
                                لبست زينتها عارية لشباب ....ثم ردت ما استدانت
                                لقيتها الأرض تكريما لها ....بين جفنين فعزت حيث هانت
                                وابتـنـت من صدرها قبرا لها.... جثت الحسنى عليه واستكانت
                                ذبل الريحان حزنا وبدت.... سنة في أعين النرجس رانت
                                في جنان الخلد عقبى حرة.... لم تمن يوما إذا الأزهار مانت
                                خابت الدنيا بها لم ترعها.... وقديما خابت الدنيا وخانت
                                يا فراشات هنا حائرة ....كلما مرت على القبر تحانت
                                حبذا ألوانك البيض التي.... مثلما نوعها الحزن استبانت
                                كم بها من ملمح يندى أسى.... مسحة الدمع تغشته فزانت
                                حبذا أجنحة وهمية ....حملت وقرا وبالله استعانت
                                كبريقات تناهت سرعة.... فاستقر الضوء منها وتفانت
                                ما لها ظل إذا ما أوضعت.... ولها ظل خفيف إن توانت
                                يلمح الظن إذا ما رفرفت ....سرب أرواح صغيرات تدانت
                                ولها أنات نوح حيثما.... بلغت سامعة القلب ألانت
                                ما الذي تبغين من جوبك يا.... شبهات الطير قالت وأبانت
                                نحن آمال الصبا كانت لنا ....ههنا محبوبة عاشت وعانت
                                كانت الوردة في جنتنا ....ملكت بالحق والجنة دانت
                                ما لبثنا أن رأيناها وقد.... هبطت عن ذلك العرش وبانت
                                فترانا نتحرى أبدا.... إثرها أو نتلاقى حيث كانت

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: المكتبة الالكترونية نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 07-30-2025 الساعة 04:01 PM
                                المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 07-30-2025 الساعة 03:44 PM
                                المنتدى: التعريف بالهندسة الصناعية نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 07-30-2025 الساعة 03:38 PM
                                المنتدى: الجوال والإتصالات نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 07-10-2025 الساعة 01:22 AM
                                المنتدى: الجوال والإتصالات نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 07-04-2025 الساعة 12:04 AM
                                يعمل...
                                X