إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بدر شاكر السياب سندباد العراق

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    اللقاء الأخير


    والتف حولك ساعداي ومال جيدك في اشتهاء
    كالزهرة الوسني فما أحسست إلا والشفاة
    فوق الشفاة وللمساء
    عطر يضوع فتسكرين به وأسكر من شذاه
    في الجيد والفم والذراع
    فأغيب في أفق بعيد مثلما ذاب الشراع
    في أرجوان الشاطيء النائي وأوغل في مداه
    .
    شفتاك في شفتي عالقتان والنجم الضئيل
    يلقى سناه على بقايا راعشات من عناق
    ثم ارتخت عني يداك وأطبق الصمت الثقيل
    يا نشوة عبرى وإعفاء على ظل الفراق
    حلواَ كإغماء الفراشة من ذهول وانتشاء
    دوما إلى غير انتهاء
    .
    يا همسة فوق الشفاة
    ذابت فكانت شبه آه
    يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات
    رانت كما سكن الجناح وقد تناءى في الفضاء
    غرقي إلى غير انتهاء
    مثل النجوم الآفلات
    لا لن تراني لن أعود
    هيهات لكن الوعود
    تبقى تلحّ فخفّ أنت وسوف آتي في الخيال
    يوما إذا ما جئت أنت وربما سال الضياء
    فوق الوجوه الضاحكات وقد نسيت وما يزال
    بين الأرائك موضع خال يحدق في غباء
    هذا الفراغ أما تحس به يحدق في وجوم
    هذا الفراغ أنا الفراغ فخف أنت لكي يدوم !
    .
    هذا هواليوم الاخير ؟!
    واحسرتاه! أتصدقين؟ ألن تخفّ إلى لقاء؟
    هذا هو اليوم الأخير فليته دون انتهاء !
    ليت الكواكب لا تسير
    والساعة العجلى تنام على الزمان فلا تفيق!
    خلفتني وحدي أسير إلى السراب بلا رفيق
    .
    يا للعذاب أما بوسعك أن تقولي يعجزون
    عنا فماذا يصنعون
    لو أنني حان اللقاء
    فاقتادني نجم المساء
    في غمرة لا أستفيق
    ألا وأنت خصري تحت أضواء الطريق ؟!
    .
    ليل ونافذة تضاء تقول إنك تسهرين
    أني أحسّك تهمسين
    في ذلك الصمت المميت ألن تخف إلى لقاء
    ليل ونافذة تضاء
    تغشى رؤاي وأنت فيها ثم ينحل الشعاع
    في ظلمة الليل العميق
    ويلوح ظلك من بعيد وهو يومئ بالوداع
    وأظل وحدي في الطريق

    تعليق


    • #47
      المساء الأخير


      برب الهوى يا شمس لا تتعجلي
      لعلي أراها قبل ساع الترحل
      سريت فأفق الغرب يلقلك باسما
      طروبا و أفق الشرق بادي التذلل
      كأن السنا إذ فارق الأرض و اعتلى
      رؤوس الروابي و النخيل المسبل
      أحاسيس أخفاها الفؤاد وصانها
      زمانا ففاضت من عيون و مقول
      و صفصافة مخضوبة الرأس بالسنا
      تراع بزفزاف من الريح معول
      تبين كعذراء من الريف أقبلت
      بجرتها من دافق الماء سلسل
      نعى لي و للناس النهار ( مؤذن )
      وقد كان ينعي لي قؤادي و مأملي
      تمنيته لا يسمع الصوت أخرسا
      تمنيت لو يهوي إلى الأرض من عل
      ألا وقرت آذان من يسمعونه
      بأشلاء قلب في ضلوعي مقتل
      ألا نثرت من تحت أقدامه أسى
      حجارة ذاك المسجد المتبتل
      أطرت عصافير الربى حين غادرت
      كأن بتغريد العصافير مقتلي
      رأيت بها بدهر مجنح
      فأبغضت أشباه العدو المنكل
      كأنى به لما يمد جناحه
      يمد لأكباد الورى حد فيصل
      ألا ليت عمر اليوم يزداد ساعة
      ليزداد عمر الوصل نظرة معجل

      تعليق


      • #48
        الموعد الثالث


        فرالنهار من البيوت النائيات إلى السحاب
        من شرفة زرقاء تحلم بالكواكب و الضباب
        من مقلتين على الطريق و مقلتين على كتاب
        الدرب تحرقه النوافذ و النجوم المستسرة
        سكران تزحمه الظلال و تشرب الأوهام خمره
        هيهات لا تأتي و تهمس فيم تأتي شبه فكرة
        **
        قد أذكرتني مقلتاك رؤى رسبن إلى الظلام
        زرقاء تسبح في ضباب من شحوب و ابتسام
        الليلة القمراء تركض بين أشباح الغمام
        **
        أفق يذوب على الحنين يكاد يغرق في صفائه
        يطويه ظل من جناح ضاع فيه صدى غنائه
        أهدابك السوداء تحملني فأومض في انطفائه
        **
        من أنت؟! سوف تمر تمر أيامي و أنسجها ستارا
        هيهات تحرقه شفاهك و هي تستعر استعارا
        لا تلمسيه فانت ظل ليس يخترق القرارا
        **
        مات الفضاء سوى بقايا من مصابيح الطريق
        مبهورة الأضواء تنصب في جداول من بريق
        صفراء تخنقها الظلال على فم الليل العميق
        **
        فيم انتظاري كالفراغ و فيم يأسي كالرماد؟
        لن يسمع الدرب الملول و إن أصاخ سوى فؤادي
        أماد فؤادك ويح نفسي أين أنت؟ و من أنادي ؟

        تعليق


        • #49
          النبوءة الزائفة


          و كانت تجمع في خاطري
          خيوط ضبابيّة قاتمة
          نهايتها في المدى عائمة
          و أعراقها السود في ناظري
          ودارت خيوط ولفت سواها
          فعانقهن أفقا
          ووسوسن غيما على الريح ملقى
          تجمع من كل صوب ، و رعدا و برقا
          لقد أغضب الآثمون الإلها
          و حق العقاب
          يا أفراس الله استبقي
          يا خيلا من نار و سحاب
          من وقع سنابك الرعد
          و البرق الأزرق في الأفق
          و صهيلك صور لظى و عذاب
          الوعد لقد أزف الوعد
          فيا قبضة الله يا عاصفات
          و يا قاصفات و يا صاعقة
          ألا زلزلي ما بناه الطغاة
          بنيرانك الماحقة
          وتلتمّ في خاطري
          خيوط السحاب
          و تلقى الأفق الدائر
          وراء القباب
          و أحسست أن الغيوم انتظار
          و أن انتظاراً يشد التراب
          و أصدى بماذا
          بصوت انفجار
          على الشطّ واد وزمّ الشرار
          و رقعت بالنظرة الشامته
          ثقوب الكوى الصامته
          سيندكّ سور ستنصبّ نار
          و كان انتظار
          و جّمعت الأرض أطباقها
          سيندكّ سور ستنصبّ نار
          و عصرت السحب أعراقها
          فبلّ الثرى عاصف ممطر

          تعليق


          • #50
            النهر و الموت

            بويب
            بويب
            أجراس برج ضاع في قرار البحر
            الاء في الجرار و الغروب في الشجر
            و تنضح الجرار أجراسا من المطر
            بلورها يذوب في أنين
            بويب يا بويب
            فيدلهم في دمي حنين
            إليك يا بويب
            يا نهري الحزين كالمطر
            أود لو عدت في الظلام
            أشد قبضتي تحملان شوق عام
            في كل إصبع كأني أحمل النّذور
            إليك من قمح و من زهور
            أود لو أطل من أسرّة التلال
            لألمح القمر
            يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
            و يملأ السّلال
            بالماء و الأسماك و الزهر
            أود لو أخوض فيك أتبع القمر
            و أسمع الحصى يصل منك في القرار
            صليل آلاف العصافير على الشجر
            أغابة من الدموع أنت أم نهر
            و السمك الساهر هل ينام في السّحر
            و هذه النجوم هل تظل في انتظار
            تطعم بالحرير آلافا من الإبر
            و أنت يا بويب
            أود لو عرفت فيك ألقط المحار
            أشيد منه دار
            يضيء فيها خضرة المياه و الشّجر
            ما تنضح النجوم و القمر
            و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
            فالموت عالم غريب يفتن الصّغار
            و بابه الخفي كان فيك يا بويب
            عشرون قد مضين كالدّهور كل عام
            و اليوم حين يطبق الظلام
            و أستقرّ في السرير دون أن أنام
            و أرهف الضمير دوحة إلى السّحر
            مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
            أحسّ بالدّماء و الدموع كالمطر
            ينضحهنّ العالم الحزين
            أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
            فيدلهم في دمي حنين
            إلى رصاصة يشق ثلجها الزّؤام
            أعماق صدري كالجحيم يشعل العظام
            أود لو عدوت أعضد المكافحين
            أشدّ قبضتيّ ثم اصفح القدر
            أود لو غرقت في دمي إلى القرار
            لأحمل العبء مع البشر
            و أبعث الحياة إن موتى انتصار
            لأحمل العبء مع البشر
            و أبعث الحياة إن موتى انتصار

            تعليق


            • #51
              المعمول الحجري


              رنين المعمول الحجري في المرتج من نبضي
              يدمر في خيالي صورة الأرض
              ويهدم برج بابل يقلع الأبواب يخلع كل آجره
              ويحرق من جنائنها المعلقة الذي فيها
              فلا ماء ولا ظل ولا زهره
              وينبذني طريدا عند كهف ليس تحمي بابه صخره
              لا تدمي سوادالليل نار فيه يحييني وأحييها
              يا كواسر يا أسود ويا نمور ومزقي الانسان
              اذ أخذته رجفة ما يبث الليل من رعب
              فضحجي بالزئير وزلزلي قبره
              دماغي وارث الأجيال عابر لة الأكوان
              سيأكل مته داء شل من قدمي وشديدا على قلبي
              كلام ذاك أصدق من نبؤة أي عراف
              تريه مسالك الشهب
              حمى الأسرار تطلعه على المتربص الخافي
              اذا نطق الطبيب فأسكتوا العراف والفوال
              رنين المعول الحجري يزحف نحو أطرافي
              سأعجز بعد حين عن كتابة بيت شعر في خيالي جال
              فدونك يا خيال مدى وآفاق وألف سماء
              وفجر من نجومك من ملايين الشموس من الأضواء
              وأشعل في دمي زلزال
              لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الاعياء
              خوالج كل نفسي ذكرياتي كل أحلامي
              وأوهامي
              وأسفح نفسي الشكلى على الورق
              سيقرأها شقي بعد أعوام وأعوام
              ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا
              وآلى رغم وحش الداء والآلام والأرق
              ورغم الفقر أن يحيا
              ويا مرضي قناع الموت أنت وهل ترى لو أسفر الموت
              أخاف ألا التكشير الصفراء والثقبين
              حيث امتصت العينين
              جحافل من جيوش الدود يجثم حولها الصمت
              تلوح لناظري ودع الدماء تسح من أنفي من الثقبين
              فأين أبي وأمي أين جدي أين آبائي
              لقد كتبوا أساميهم على الماء
              ولست براغب حتى بخط اسمي على الماء
              وداعا يا صحابي يا أحبائي
              اذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراء
              ولا فهو محض اسم تبد بين اسماء
              وداعا يا أحبائي

              تعليق


              • #52
                المعبد الغريق


                خيول الريح تصهل و المرافىء يلمس الغرب
                صواريها بشمس من دم و نوافذ الحانة
                تراقص من وراء خصاصها سرج و جمع نفسه الشّرب
                بخيط من خيوط الخوف مشدودا إلى قنينة و يمدّ آذانه
                إلى المتلاطم الهدّار عند نوافذ الحانه
                و حدّث و هو يهمس جاحظ العينين مرتعدا
                يعبّ الخمر شيخ عن دجى ضاف و أدغال
                تلامح وسطها قمر البحيرة يلثم العمّدا
                يمسّ الباب من جنبات ذاك المعبد الخالي
                طواه الماء في غلس البحيرة بين أحراش مبعثرة و أدغال
                هنالك قبل ألف حين مج لظاه من سقر
                فم يفتّح البركان عنه فتنفض الحمّى
                قرارة كل ما في الواد من حجر على حجر
                تفجّر باللظى رحم البحيرة ينثر الأسماك و الدم مرغيا سمّا
                وقر عليه كلكل معبد عصفت به الحمّى
                تطفّأ في المباخر جمرها و توهج الذّهب
                ولاح الدرّ و الياقوت أثمار من النور
                نجوما في سماء تزحف دونما السّحب
                تمرغ فوقها التمساح ثم طفا على السّور
                ليحرس كنزه الأبدي حتى عن يد الظلماء و النور
                و أرسى الأخطبوط فنار موت يرصد البابا
                سجا في عينه الصوراء صبح كان في الأزل
                تهزّأ بالزمان يمرّ ليل بعد ليل و هو ما غابا
                ففيم غرور هذا الهالك الإنسان هذا الحاضر المشدود بالأرجل ؟
                أعمّر ألف عام ؟ ليته شهد الخلائق و هي تعبر شرفة الأول
                ألا يا ليته شهد السلاحف تستحق الدّنيا
                قياصرها و يمنع درعها ما صوّب الزمن
                إليها من سهام الموت
                لكنّ الذي يحيا
                بقلب يعبر الآباد يكسر حدّه الوهن
                فيصمت عمره أزل يمس حدوده أبد من الأكوان في دنيا
                هنالك ألف كنز من كنوز العالم الغرقي
                ستشبع ألف طفل جائع و تقيل آلافا من الداء
                و تنقذ ألف شعّب من يد الجلاّد لو ترقى
                إلى فلك الضمير
                أكل هذا المال في دنيا الأرقاء
                و لا يتحررون ؟ و كيف و هو يصفّد الأعناق
                يربطها إلى الداء
                كأن الماء في ثبج البحيرة يمنع الزّمنا
                فلا يتقحم الأغوار لا يخطو إلى الغرف
                كأن على رتاح الباب طلّسما فلا وسنا
                ولكن يقظة أبد و لا موت يحدّ حدود ذاك الحاضر الترف
                كأن تهجّد الكهّان نبع في ضمير الماء يدفق منه الغرف
                إذن ما عاد من سفر إلى أهله عوليس
                إذن فشراعه الخفاق يزرع فائر الأمواج
                بما حسب الشهور وعدّ حتى هدّه البؤس
                فيا عوليس شاب فتاك مبسم زوجك الوهّاج
                غدا حطبا ففيم تعود تفري نحو أهلك أضلع الامواج
                هلم فماء شيني في انتظارك يحبس الأنفاس
                فما جرحته نقرة طائر أو عطرته أنامل النّسم
                هلم فانّ وحشا فيه يحلم فيك دون الناس
                و يخشى أن تفجّر عينه الحمراء بالظلم
                و أن كنوزه العذراء تسأل عن شراعك خافق النسم
                أما فجعتك في طروادة الآهات من جرحي
                و محتضرين

                تعليق


                • #53
                  يا لدم أريق فلطّخ الجدران
                  وردّ ترابها الظمآن طينا ردّه جرحا
                  كبيرا واحدا جرحا تفتح في حشا الإنسان
                  ليصرخ بالسماء
                  فيا لصوت ردّدته نوافذ الحجرات و الجدران
                  لأجل فجور أنثى و اتّقاد متوّج بالثار
                  تخصب من دم المهجات حتى سلّم الأفن
                  وحل بلا أوان يومنا و تساوت الأعمار
                  كزرع منه ساوى منجل
                  وهناك في الشفق
                  تنوح نساءنا المترمّلات يولول الأطفال عند مدارج الأفق
                  هلم فقد شهدت كما شهدت دما و أشلاءا
                  تفجّر في بلادي قمقم ملأته بالنار
                  دهور الجوع و الحرمان
                  أي خليفة قاءا ؟
                  رأينا أنّ أفئدة التتار و أذؤب الغار
                  أرقّ من الرعاع القالعين نواظر الأطفال و الشاوين بالنار
                  شفاه الحلمة العذراء
                  يا نهرا من الحقد
                  تدفّق بالخناجر و العصي بأعين غضبى
                  نجوما في سماء شدها قابيل بالزند
                  فليتك حين هزّ الموصل الأعصار ( دربا
                  و لا بيتا و لا قبرا نجا فيها ) شهدت الأعين الغضبى
                  و ليتك في قطار مر حين تنفس السحر
                  فقصّ على سرير السكة الممدود أمراسا
                  تعلق في نهايتينّ جسم يحصد النّظر
                  عليه الجرح بعد الجرح بعد الجرح أكداسا
                  ليهوي جسم حفصة لابسا فوق النجيع دما
                  و أمراسا
                  و فيم نخاف في ثبج البحيرة أو حفافيها
                  كواسج ضاريات أو تماسيح التظت لهبا
                  نواجذها الحديدة فيم تخشى كل ما فيها
                  فإن عقارب الرقّاع يضمر سمّها العطبا
                  وتزرع في الجسوم أزاهر الدم و الجراح بلا دم لهبا
                  هلم نشقّ في الباهنج حقل الماء بالمجذاف
                  ز ننثر أنجم الظلماء نسقطها إلى القاع
                  حصى ما ميزته العين فيروزه الرفّاف
                  و لؤلؤة المنقّط بالظلام
                  سنرعب الراعي
                  فيهرع بالخراف إلى الحظيرة خوف أن يغرقن في القاع
                  هلم فليل آسية البعيد مداه يدعونا
                  بصوت من نعاس من ردى من سجع كهان
                  هلمّ فما يزال الدهر بين أيدينا
                  لنطو دجاه قبل طلوع شمس دون ألوان
                  تبدد عالم الأحلام تخفت إذ يرن التبر فيها
                  سجع كهان
                  **
                  يجول التبر فيها مثل وحش يأكل الموتى
                  و يشرب من دم الأحياء يسرق زاد أطفال
                  ليتقد اللظى في عينه ليعيره صوتا
                  يحطّم صوت كل الأنبياء هناك
                  يا لرنين أغلال
                  و يا لصدى من الساعات بالأكفان مسّ رؤوس أطفال
                  وفلّ عناق كل العاشقين و دسّ في القبلة
                  مدى من حشرجات الموت ردّ أصابع الأيدي
                  أشاجع غاب عنها لحمها و ستائر الكله
                  يحوّلها صفائح تحتها جثث بلا جلد
                  هلمّ فبعد ما لمح المجوس الكوكب الوهّاج تبسط نحوه الأيدي
                  و لا ملأت حراء و صبحة الآلات و السّور
                  هلمّ فما يزال زيوس يصبح قمّة الجبل
                  بخمرته و يرسل ألف نسر نز من أحداقها الشرر
                  لتخطف من يدير الخمر يحمل أكؤس الصهباء و العسل
                  هلمّ نزور آلهة البحيرة
                  ثم نرفعها لتسكن قمّة الجبل

                  تعليق


                  • #54
                    المخبر


                    أنا ما تشاء أنا الحقير
                    صبّاغ أحذية الغزاة و بائع الدم و الضمير
                    للظالمين أنا الغراب
                    يقتات من جثث الفراخ أنا الدمار أنا الخراب
                    شفة البغيّ أعفّ من قلبي و أجنحة الذباب
                    أنقى و أدفأ من يدي كما تشاء أنا الحقير
                    لكن لي من مقلتي إذا تتبعتا خطاك
                    و تقرتا قسمات وجهك و ارتعاشك إبرتين
                    ستنسجان لك الشراك
                    و حواشي الكفن الملطخ بالدماء و جمرتين
                    تروعان رؤاك إن لم تحرقاك
                    و تحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة
                    فتندّ آهتك المديده
                    و تقول أصبح لا يراني بيد أن دمي يراك
                    إني أحسّك في الهواء و في عيون القارئين
                    لم يقرأون لأن تونس تستفيق على النضال
                    و لأن ثوار الجزائر ينسجون من الرمال
                    و من العواصف و السيول و من لهاث الجائعين
                    كفن الطغاة ؟ و ما تزال قذائف المتطوعين
                    يصفرن في غسق القنال
                    لم يقرأون و ينظرون إليّ حينا بعد حين
                    كالشامتين ؟
                    سيعلمون من الذي هو في ضلال
                    و لأيّنا صدأ القيود لأينا صدأ القيود
                    لأيّنا
                    نهض الحقير
                    و سأقتفيه فما يفرّ سأقتفيه إلى السعير
                    أنا ما تشاء أنا اللئيم أنا الغبيّ أنا الحقود
                    لكنّما أنا ما أريد أنا القويّ أنا القدير
                    أنا حامل الأغلال في نفسي أقيد من أشاء
                    بمثلهنّ من الحديد و أستبيح من الخدود
                    ومن الجباه أعزهن أنا المصير أنا القضاء
                    الحقد كالتنور في إذا تلهّب بالوقود
                    الحبر و القرطاس أطفأ في وجوه الأمّهات
                    تنورهنّ و أوقف الدم عن ثدي المرضعات
                    في البدء كان يطيف بي شبح يقال له الضمير
                    أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير
                    شبح تنفّس ثمّ مات
                    و اللص عاد هو الخفير
                    في البدء لم أك في الصراع سوى أجير
                    كالبائعات حليبهنّ كما تؤجّر للبكاء
                    و لندب موتى غير موتاهنّ في الهند النساء
                    قد أمعن الباكي على مضض فعاد هو البكاء
                    الخوف و الدم و الصغّار فأي شيء أرتجيه
                    فعلى يديّ دم و في أذنيّ وهوهة الدماء
                    و بمقلتيّ دم و للدم في فمي طعم كريه
                    أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير
                    و انس الجريمة بالجريمة و الضحية بالضحايا
                    لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه و تستطير
                    لفرط رعبك أو لفرط أساك و احتضن الخطايا
                    بأشدّ ما وسع احتضان تنج من وخز الخطايا
                    قوتي و قوت بني لحم آدمي أو عظام
                    فليحقدن علي كالحمم المستعرّة الأنام
                    كي لا يكونوا إخوة لي آنذاك و لا أكون
                    و ريث قابيل اللعين سيسألون
                    عن القتيل فلا أقول
                    أأنا الموكل و يلكم بأخي فإن المخبرين
                    بالآخرين موكّلون
                    سحقا لهذا الكون أجمع و ليحلّ به الدمار
                    مالي و مالي و ما للناس لست ابا لكل الجائعين
                    و أريد أو أروى و أشيع من طوى كالآخرين
                    فليترلوا بي ما استطاعوا من سباب و احتقار
                    لي حفنة القمح التي بيدي و دانية السنين
                    خمس و أكثر و أو أقل هي الربيع من الحياه
                    فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة
                    روح النماء و بالبيادر و انتصار الكادحين
                    فليحملوا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع
                    إني سأحيا رجاء و لا اشتياق و لا نزوع
                    لا شيء غير الرعب و القلق الممض على المصير
                    ساء المصير
                    ربّاه إن الموت أهون من ترقّبه المرير
                    ساء المصير
                    لم كنت أحقر ما يكون عليه إنسان حقير

                    تعليق


                    • #55
                      الهديه


                      يقول المحبون ان الهدايا
                      طعام الهوى ذاك ما أسمع
                      واني لأهواك حتى لأقسو
                      بحبي وتدمي به الأضلع
                      وأهواك حتى اللقاء اشتياق
                      وحتى يضيق المدى الأوسع
                      فماذا سأهديك يوم اللقاء
                      وماذا سأهديك يوم النوى
                      أيرضيك ما يشتريه انحداري
                      الى حيث يأبى علي الهوى
                      فما المال الا دماء تباع
                      كعرض البغايا لدرء الطوى
                      سأصحو مع الفجر قبل الطيور
                      ولمسة كفيك في خاطري
                      ألم الندى حقول الربيع
                      وأشدو مع القبر الطائر
                      وأجمع من زهرها باقة
                      لعينك يا زهرة الشاعر
                      وهيهات هيهات ان الرياح
                      يذرين أزهاري الذابله
                      ويبقين في مقلتيك انكسارا
                      كمن يتبع الأنجم الآفله
                      سأهديك أغنية كنسيم
                      المدينة يستقبل القافله
                      وماذا أغنيك والحشرجات
                      وعصف اللظى كل ما اسمع
                      كأن البرايا دم في عروقي
                      تصدى له الخنجر المشرع
                      فيا قبضة من رماد الحريق
                      على سلم دكه المدفع
                      سأهديك من ساعدي الحياه
                      ومن قلبي الضحكة الصافية
                      سأهديك ما في عبوس السحاب
                      من النور للدوحة العاريه
                      سأهديك أن لا تكوني رمادا
                      على مدرج الزعزع العاتيه
                      سأهيد دنيا يرين السلام
                      عليها كحشد من الأنجم
                      تنامين فيها وتستيقظين
                      بلا ريبة في الغد المبهم
                      ولا خوف من أن يعز الرغيف
                      وأن تستباحي وأن تهرمي

                      تعليق


                      • #56
                        الوصية

                        من مرضي
                        من السرير الأبيض
                        من جاري انهار على فراشه وحشرجا
                        يمصّ من زجاجة أنفاسه المصفّره
                        من حلمي الذي يمدّ لي طريق المقبرة
                        و القمر الريض و الدجى
                        أكتبها وصيّة لزوجتي المنتظرة
                        و طفلي الصارخ في رقاده أبي أبي
                        تلم في حروفها من عمري المعذّب
                        لو أنّ عوليس و قد عاد ألى دياره
                        صاحت به الآلهة الحاقدة المدمّرة
                        أن ينشر الشراع أن يضل في بحاره
                        دون يقين أن يعود في غد لداره
                        ما خضّه النذير و الهواجس
                        كما تخضّ نفسي الهواجس المبعثرة
                        اليوم ما على الضمير من حياء حارس
                        أخاف من ضبابة صفراء
                        تنبع من دمائي
                        تلفني فما أرى على المدى سواها
                        أكاد من ذلك لا أراها
                        يقص جسمي الذليل مبضع
                        كأنه يقص طينة بدون ماء
                        و لا أحس غير هبة من النسيم ترفه
                        من طرف الستائر الضبّاب
                        ليقطر الظلام لست أسمع
                        سوى رعود رنّ في اليباب
                        منها صدى و ذاب في الهواء
                        أخاف من ضبابة صفراء
                        أخاف أن أزلق من غيبوبة التخدير
                        إلى بحار ما لها من مرسى
                        و ما استطاع سندباد حين أمسى
                        فيهن أن يعود للعود و للشراب و الزهور
                        صباحها ظلام
                        و ليلها من صخرة سوداء
                        من ظل غيبوبتي المسجور
                        إلى دجى الحمام
                        ليس سوى انتقالة الهواء
                        من رئة تغفو إلى الفضاء
                        أخاف أن أحس بالمبضع حين يجرح
                        فأستغيث صامت النّداء
                        أصيح لا يرد لي عوائي
                        سوى دم من الوريد ينضح
                        و كيف لو أفقت من رقادي المخدّر
                        على صدى الصور على القيامة الصغيرة
                        يحمل كل ميّت ضميرة
                        يشعّ خلف الكفن المدثر
                        يسوق عزرائيل من جموعنا الصّفر إلى جزيرة
                        قاحلة يقهقه الجليد فيها
                        يصفر الهواء في عظامنا ويبكي
                        ماذا لو أن الموت ليس بعده من صحوه
                        فهو ظلام عدم ما فيه من حسّ و لا شعور
                        أكل ذاك الأنس تلك الشقوه
                        و الطمع الحافر في الضمير
                        و الأمل الخالق من توثّب الصغير
                        ألف أبي زيد تفور الرغوة
                        من خيلة الحمراء كالهجير
                        أكلّها لهذه النهاية
                        ترى الحمام للحياة غاية ؟
                        إقبال يا زوجتي الحبيبة
                        لا تعذليني ما المنايا بيدي
                        ولست لو نجوت بالمخلّد
                        كوني لغيلان رضى وطيبه
                        كوني له أبا و أما و ارحمي نحيبه
                        وعلميه أن يذبل القلب لليتيم و الفقير
                        و علميه
                        ظلمة النعاس
                        أهدابها تمس من عيوبي الغريبة
                        في البلد الغريب في سريري
                        فترفع اللهيب عن ضميري
                        لا تحزني إن مت أي باس
                        أن يحطم الناي و يبقى لحنه حتى غدي
                        لا تبعدي
                        لا تبعدي
                        لا

                        تعليق


                        • #57
                          بور سعيد


                          يا حاصد النار من أشلاء قتلاننا
                          منك الضحايا و إن كانوا ضحايانا
                          كم من ردى في حياة و انخذال ردى
                          في ميته و انتصار جاء خذلانا
                          إنّ العيون التي طفّأت أنجمها
                          عجلنّ بالشمس أن تختار دنيانا
                          و امتد كالنور في أعماق تربتنا
                          عرس لنا من دم و اخضلّ موتانا
                          فازّلزلي يا بقايا كاد أولنا
                          يبقي عليها من الأصنام لولانا
                          نحن الذين اقتلعنا من أسافلها
                          لاة و عزّى و أعليناه أنسانا
                          حييت بورت سعيد من مسيل دم
                          لولا افتداء لما يغليه ماهانا
                          عاناك في الليّل داج من جحافلها
                          نورا من الله أعماها و نيرانا
                          ما عاد ليل قد استخفى بأقنعة
                          من أوجه الناس لولا أنت عريانا
                          ليل تعيد الكعوف السود آنية
                          فيها وفكا لموتاها و صوّانا
                          من بعض ما فيه من ظلماء ما عرفت
                          باسم لها فهي قبل اسم إذا كانا
                          حييت من قلعة ما آد كاهلها
                          عبء السماوات الا خفّ ايمانا
                          أمسكتها أن يميد الظالمون بها
                          دينا لنا وانتصارات وعنوانا
                          يا مرفأ النور ما أرجعت وادعة
                          من غير زاد ولا آويت قرصانا
                          ولا تلفظت من مرساك معتديا
                          الا مدمى ذليل الهام خزيانا
                          جمعت من شط صور لمح أحرفها
                          واخترت من بابل واحتزت مروانا
                          والنيل ساق العذارى من عرائسه
                          للخصب في موكب الفادين قربانا
                          فالويل لو كان للعادين ما قدروا
                          لانهدّ من حاضر ماض فأخزانا
                          فلا ابتنى هرما بان ولالبست
                          تيجانها في انتظار الروح موتانا
                          ولا تفجّر في ذي قار فتيتها
                          ولا تنفست الصحراء قرآنا
                          حييت موتى وأحياء وأبنية
                          مستشهدات أو استعصين أركانا
                          والنار والباذرون النار كم زرعوا
                          من كل ثكلى لعزرائيل بستانا
                          من كلّ وجه لطفل فيه زنبقة
                          تدمى وتلتم فيه الريح غربانا
                          الجوّ مما يلزّون الحديد به
                          قاع الجحيم التظى وانصبّ طوفانا
                          سقّاك من كل غيم فيه أحرزه
                          جوف الثرى واشتهته النار أزمانا
                          كأس الرّصاص التى غنى بتوأمها
                          سقراط وابتل منها جرح وهرانا
                          من أيّما رئة من أي قيثثارة
                          تنهلّ أشعاري

                          تعليق


                          • #58
                            من غابة النار
                            أم من عويل الصبايا بين أحجار
                            منها تتر المياه السود و اللبن المشويّ كالقار
                            من أي أحداق طفل فيك تغتصب
                            من أي خبز و ماء فيك ما صلبوا
                            من أيّما شرفة من أيّما دار
                            تنهلّ أشعاري
                            كالثار
                            كالنور في رايات ثوّار
                            من مائك السهران أوتاري
                            أم برجك الهاري
                            يبكي دما من جرح بحّار
                            أطفالك الموتى على المرفأ
                            يبكون في الريح الشمالية
                            و النور من مصباحه المطفأ
                            قد غار كالمديه
                            في صدري العاري
                            أطفالط الأموات عار الحديد
                            في عرسه الدامي و ذل الرصاص
                            مالوا بملك شقاء العبيد
                            و استترلوا أربابه للقصاص
                            في ساحة النار
                            يبكون في الريح الشمالية
                            أسرى على السّفن الصليبية
                            و الريح كالمدية
                            تجتثّ أظفاري
                            يبكون في داري
                            بالقشّ و الطين سدّوا كوّة القمر
                            و الريح في الشجر
                            قد كمّموا فاها
                            كي لا تصيح اخبئوا عن أعين الغجر
                            أطفالكم فهي ما ترتدّ أحداها
                            إلا و حال الذي تلقى إلى حجر
                            الريح قيثاري
                            قد كمّموا فاها
                            هاويك أعلى من الطاغوت فانتصبي
                            ماذلّ غير الصفا للنار و الخشب
                            حيّيت من قلعة شقّ الفضاء بها
                            أس لها في صدور الفتية العرب
                            الطين فيها دم منا و جندلها
                            من عزمة و الحديد الصاد من غضب
                            أنت السماوات و الأرض التي خلقت
                            في عشرة تحسب الأيام بالحقب
                            و الصخر فيك استمد الروح إذ لمست
                            عقم الجمادات فيه إصبع اللّهب
                            في كل أنقاض دار من صفاه يد
                            جبّارة تصفح العادين كالشعب
                            ما انهد إلا و أعلى في ضمائرنا
                            سدّا من الثار أعيى حيلة النوب
                            و الماء حتى زلال الماء فيك مدى
                            من فضة الله توهي جحفل الذهب
                            ما بل للجحفل المأجور غلته
                            حتى جبى قدر ماء من دم سرب
                            أملى على كل شيء فيك جوهرة
                            حلف لجيشين ذي قربى و ذي أرب
                            إن الحديد الذي صنت الحياة به
                            غير الحديد الذي وافاك بالعطب
                            و الخير في بندقيات قذائفها
                            حتف المغيرين و الميلاد في قضب
                            لكنه الشر في خبز حقائبه
                            عون لأعدائك الجوعى و في قرب
                            ليت المسيح الذي داجى بشرعته
                            من باع مثواه راء فيك عن كثب
                            خرس نواقيسك الثكلى و دامية
                            فيك الأناجيل و الموتى بلا صلب
                            و الحابس الماء عن جرحاك حملها
                            عبء الصليبيين من حمّى و من خشب
                            و استنطق الأم ثكلى أين جيرتها
                            من فتية لاصطياد العسكر اللجب
                            فالتم في مقلتيها و هي تنظره
                            كل المخاضات و التسهيد و النصب
                            كأنما استودعتها كل والدة
                            آجال كل الذراري طيلة الحقب
                            فاختارت الموت معلوكا مراضعها
                            معروكة في رحى تترى من الرّكب
                            تفدي بما يستبيح الجند من دمها
                            و النار أعراض كل الخرد العرب
                            أبناء جنكيز في روح و إن بعدوا
                            في نسبة رب قربى دون منتسب
                            شر اللصوص إذا عف التتار فما
                            عفوا عن الريش و الأمال و اللّعب
                            فلتنفخ الصّور في أفريقيا أمم
                            بالأمس قد أنزلوها أسفل الرّتب
                            و لتسمعنّ الزنوج البيض صيحتها :
                            إنا إلى الله أدنى منك في نسب
                            حييت فالوحش أوهى فيك مخلبه
                            يا غابة النار قد أثمرت بالغلب
                            من أي عبء على روحي و مسما
                            من أعين في صليب تحت أسواري
                            تأتيك أشعاري

                            تعليق


                            • #59
                              حمراء خضراء من جرح و من غار
                              خضراء من راية حمراء من نار
                              خضراء كالماء في فردوسك الجاري
                              يا ليت أوتاري
                              خضراء حمراء من قلبي و من ثاري
                              يا ليت أبواب قلبي منك تلتهب
                              يا ليتها فقل ليتها خشب
                              أو خرب الجند قلبي فهي تنتحب
                              في كل إعصار
                              سود كما اسودّت الأموات أنهاري
                              فالطين فيها فم يمتصّ أسفاري
                              و الريح في داري
                              سوداء ما رفّ منها بالّلظى عصب
                              لا تسألي بعد عنها إنها عشب
                              أعواده السود غذى عجله الذهب
                              منها فخبأت في عينيّ قيثاري
                              كوني لأشعاري
                              وحيا و شدّي ببأس منك أوتاري
                              يا مرفأ النور كن مرسى لأفكاري
                              يا مرفأ النار
                              الهبت أغواري
                              بالثار
                              مزّقت عنها سود أستار
                              فانهلت الشمس على داري
                              كم من دفين كل ماء القنال
                              في مده العاتي و في جزره
                              يلقى على صدره
                              عبئا من الظلماء كان القتال
                              من أجل أن يرتاح في قبره
                              ما كان إلاّ من دموع الرجال
                              و النسوة الباكين في قعره
                              هذا الذي بين العبابين سال
                              كالليل هذا الماء فوق القبور
                              كالنار كالإعصار كالداء
                              تختضّ في ليل الخليج الصدور
                              و الشمس تحسو كل ماء الصدور
                              في عالم لم تمش فيه العصور
                              من ملتقى للماء بالماء
                              كالليل هذا الماء ند الحياة
                              الموت و الميلاد بوّابتاه
                              في قاعة الموتى قد استبدلوا
                              بالنبض ما يرغي به المرجل
                              في موقرات من سفين الغزاه
                              بالموت مما يصنع المعمل
                              حتى إذا ما رش عار العتاه
                              بالدمع من عينيه و النار
                              من قالبه المورق بالغار
                              أنسانك العملاق ظلّ الإله
                              ظل الملايين التي مقلتاه
                              عنها ترى ما في خيال تراه
                              هذا الذي أعصابها في قواه
                              أحيي دم الموتى فخرّ الطغاة
                              فليحرس الأحياء باب الحياة
                              غاص المغيرون عن واديك و انحسروا
                              فالأرض تدمى بقتلاها و تزدهر
                              و ازدارك الموت لا ملسا ملامحه
                              بيضا كما تهلك الأنعام و الشجر
                              حاشاك فالموت توري فيك حدّته
                              طعم الدم الحيّ ما يرقى به البشر
                              أخفاه عنك التزام فيك و اشتباك يد
                              في مثلها فهو حيث اجتازه البصر
                              حتى إذا ارتد و استبشعت صورته
                              أدركت أي انتصار ذلك الظّفر
                              أدركت أن الضحايا رد كاثرها
                              فيك الأقل المضحي أنها كثر
                              من سدد النار في أيديك يوردها
                              كيد المغيرين منه الظنّ و النظر
                              و احتاز في قليه الأحقاب يزرعها
                              في جانب منه و استبسالك الثمر
                              و استنفر الشرق حتى كاد ميته
                              يسعى أهذا صلاح الدين أم عمر
                              هذا الذي حدثتنا عنه أنفسنا
                              في كل دهياء نبلوها و ننتظر
                              هذا الذي كل عن سحق لبذرته
                              بالخيل و الذابلات الروم و التتر
                              يا أمة تصنع الأقدار من دمها
                              لا تيأسي أن سيف الدولة القدر
                              أعطى لكل انتصار فيك جدته
                              فاخضل واخضلت الآيات و السّور
                              في مسجد أم مشاء بأمته
                              فيه المصلين حتى كبّر الحجر
                              و استشرف الساح ناء عنه يحمله
                              ما بين جنبيه رام فيه منتصر
                              عين لسيناء ترقى كل رابية
                              فيها و عين النيل تنحدر
                              أو تنفض الأفق حتى ضاء من لهب
                              حملاقها فهي ممّا راء تستعر
                              جاؤوك جاء الصليبيون قاصفة
                              تنقض في أثر أخرى فاللظى مطر
                              في كل فانوس موتى من قذائفها
                              نور له اختضّت الأبعاد و العصر
                              فالشرق عار مدى عينيه منبسط
                              كالراحة الدور و الأكواخ و الحفر
                              يكاد يبصر ما أبقاه مكتدح
                              في جبهة و اغتذى من مقلة سهر
                              إيماضة البرق ألا أنها حقب
                              تطوى و مستقبل يبنى و يدّخر
                              المجد لله و الإنسان أن يدا
                              تحيي و قلبا يداوي منها أثر
                              يا قلعة النور تدمي كل نافذة
                              فيها و تلظى و لا تستلم الحجر
                              أحسست بالذل أن يلقاك دون دمي
                              شعري و أني بما ضحّيت أنتصر
                              لكنها باقة أسعى أليك بها
                              حمراء يخضل فيها من دمي زهر

                              تعليق


                              • #60
                                تحية القرية


                                شفني من ربوعك النضرات
                                فتنة تستعيدها نظراتي
                                في رياض النخيل يجمع فيها الفجر
                                شمل الضياء بعد شتات
                                فإذا الروض فتنة تتجلى
                                من صناع الأنامل المبدعات
                                أخذت جليها الطبيعة فيه
                                وبدت في غلائل عطرات
                                توجت بالزهور مفرقها
                                الجدول رب الخمائل الهامسات
                                و انثنت تستحث ماشطة الريح
                                و تبدي النجيل للماشطات
                                و المروج الحسان هامت عليها
                                حرق من تنهدات الرعاة
                                و العذارى بين الربى يتهادين
                                ندي النوار و الزهرات
                                و الغدير الوسنان ظلله الكرم
                                و اصبى امواجه الموهنات
                                منظر تستخف ألوانه الطير
                                فتزجي ألحانها الساحرات
                                و هدوء الحقول تلقى لديه
                                النفس ما ترتجيه من غايات
                                فهو نور يهدي سفائن فكاري
                                ألى ما وراء بحر الحياة
                                قترى المبدع المصور فيما
                                حولها من جنائن موثقات
                                في ابتسام الرياض للمد و الجزر
                                لطوفان عذبى النغمات
                                يحملان الحديث عن مرقص البحر
                                و حور الشواطىء اللاعبات
                                و عن الشط و النخيل السكارى
                                في الليالي القمراء و المظلمات
                                رنحتها الأنسام لما سقتها العطر
                                في أكؤس الندى المترعات
                                وقروط الأغداق تهتز أغراق
                                لفلك شوارع جاريات
                                صور تسجد النفوس لديها
                                وتضج القلوب بالصلوات
                                أينما دار ناظري طالعتني
                                فتنة تستعيدها نظراتي

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: المكتبة الالكترونية نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 07-30-2025 الساعة 04:01 PM
                                المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 07-30-2025 الساعة 03:44 PM
                                المنتدى: التعريف بالهندسة الصناعية نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 07-30-2025 الساعة 03:38 PM
                                المنتدى: الجوال والإتصالات نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 07-10-2025 الساعة 01:22 AM
                                المنتدى: الجوال والإتصالات نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 07-04-2025 الساعة 12:04 AM
                                يعمل...
                                X